لا ازدحام ولا اكتظاظ للناس الراغبين بشراء ملابس العيد في أسواق العاصمة صنعاء أو ما يعرف ب"كسوة العيد " التي يُعمل لها ألف حساب لدى أرباب الأسر اليمنية ,والأسباب يكاد يعرفها الجميع، فالبلد يمر بأزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل ويصاحب تلك الأزمة انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وانعدام متقطّع للمشتقات النفطية , هذا مايراه بعض ممن التقينا بهم, بينما يرى البعض الآخر أن الحركة التجارية في أسواق الملابس والأحذية ومستلزمات الأسرة لن تبدأ إلا قُبيل عيد الفطر المبارك بثلاثة أيام وذلك مع تسلّم موظفي الدولة والقطاع الخاص لرواتبهم آخر الشهر, في هذا الاستطلاع تنقلنا في عدد من الأسواق التجارية في العاصمة صنعاء والتقينا بعدد من المواطنين وأصحاب المحلات التجارية والبسطات المختلفة, كما التقينا بعدد من الاقتصاديين , وخرجنا بهذه الحصيلة: تصنّف الأسواق التجارية في عاصمة اليمن الاتحادية بحسب القدرات الشرائية لدى المستهلك, فهناك أسواق خاصة لايدخلها إلا ميسورو الحال أو ممن يُعرفون ب"الاغنياء" وفي تلك الأسواق لاتُباع إلا الملابس والمستلزمات المعروفة ب"الماركة" وبأسعار مرتفعة, وتنتشر تلك الأسواق في الأحياء الراقية للعاصمة مثل حي حده وشارع الجزائر, لكن لم تكن تلك الأسواق وجهتنا ومحط الرحال في الجولات الاستطلاعية التي قمنا بها ,بل كانت في اسواق الشعب والأسواق التي يتردد عليها غالبية اليمنيين والمعروفة بشوارع :(جمال عبد الناصر – هائل سعيد أنعم – سيف بن ذي يزن). ومن يلاحظ أسماء تلك الشوارع يدرك أنها سميت بأسماء أشخاص كان لهم ارتباط وثيق بالمواطن البسيط وبهمومه ومستقبلة وتطلّعاته. أم فارس المساجدي 52عاماً, جدة لعشرين حفيداً, وجدناها تتنقل من معرض إلى آخر ومن بسطة إلى أخرى, تقول: أنا في حيرة من أمري خرجت إلى السوق باحثة عن ملابس عيدية مناسبة لأحفادي الذي يسكنون معي, ولم أجد بسبب الأسعار المرتفعة والمال القليل الذي أملكه, ف"خمسة وأربعون ألف ريال "مبلغ غير كافٍ لشراء مايحتاجونه ,وهذا المبلغ هو تحويشة ولدي فارس الذي لايتعدى مرتّبه ال"40"ألف ريال كونه يعمل جندياً في القوات المسلّحة ,أما مرتّب ولدي حسين المحبوس في السجن منذ سنين فلا يكفي مصاريف أسبوع واحد ,ولكن الحمد لله على كل حال, سأتصرف وأشتري قطعاً من القماش الخاص بالأولاد لكي أخيط لهم أثواباً , وقماشاً آخر للبنات حتى أخيط فساتين لهن, ولو أن الوقت تأخر على ذلك لكنني حقيقة تفاجأت بغلاء أسعار الملابس الجاهزة. ليست أم فارس وحدها هي المتذمرة من غلاء الاسعار وضعف القدرة الشرائية, ثمة أشخاص يتقاضون رواتب بالدولار ومنهم الأخ علي عبد الله الخولاني 40عاماً يعمل في منظمة دولية بصنعاء ,ولديه ثلاث بنات ,يقول: الأسعار غالية جداً ولا يوجد انضباط من التجار وكل تاجر يبيع على مزاجه فتجد بضاعة ما تباع بثلاثة آلاف,وتكون لدى تاجر آخر بأربعة آلاف ريال, لا توجد رقابة من الدولة على عمل هؤلاء التجار الجشعين والذين لايهمهم سوى الربح ولو على حساب الناس البسطاء، فأنا مثلاً متعوّد أن أشتري الملابس الجاهزة لبناتي وفق ميزانية محددة ,لكن هذا العام لم أستطع أن أضبط الميزانية على مبالغ محددة بسبب الغلاء وتفاوت الأسعار، فبجانب الملابس هناك الإكسسوارات الخاصة بالبنات لم أستطع شراءها ,أيضاً لن أستطيع هذا العام أن أشتري لي ولزوجتي ملابس خاصة بالعيد, بسبب الوضع الاقتصادي الذي نعيشه, فالهموم زادت مع ازدياد خوفنا من انعدام المتطلبات الغذائية الأساسية, يعني هناك أناس قادرون على شراء ملابس العيد وأناس آخرين غير قادرين، وحرام أن يخرج ابن الموظف المسكين أوالمواطن المسكين في أيام العيد السعيد وهو لايرتدي الملابس الجديدة, وهذا العام لو مررت على الأسواق ستجد الشحاتين والمستوّلين متواجدين بشكل كبير, , نسأل من الله أن يفرج عن اليمنيين كربهم وضيق حالهم وعيشهم. عدد من فئة الشباب التقينا بهم ولسان حالهم نحن هنا في هذه الأسواق نتفرج فقط ولانستطيع أن نشتري, قليل منهم من وجدناه يحمل في يده كيساً فيه بنطلون أو قميص أو تي شيرت, ومنهم الشاب وجدي الأديمي 21عاماً طالب جامعي, الذي يرى أن الملابس الجاهزة هذا العام هي ذاتها نفس بضاعة العامين الماضيين ,ويضيف وجدي: خرجت ومعي خمسة عشر ألف ريال مخصصة لشراء بنطلون جينز وقميص نص كم, وحذاء مناسب, لكنني وجدت الأسعار مرتفعة والبضاعة قديمة, فقيمة بنطلون الجينز لوحده تصل إلى سبعة آلاف ريال ,والقميص إلى خمسة آلاف ريال , والحذاء إلى سبعة آلاف ريال, ووجدت أن المبلغ الذي معي لايكفي فقررت أن أتنازل عن شراء الحذاء ,هذه مشكلة ولا أستطيع أن أطلب من والدي زيادة المبلغ المخصص لي كوني واحداً من سبعة أبناء جميعهم محتاجون لشراء ملابس العيد. أما الشاب مهيب الحكيمي 24 عاماً - عامل في إحدى المطابع في العاصمة صنعاء ,فيقول: جئت لأشتري قميصاً ومعوزاً فيبدو إنني سأتنازل عن شراء القميص وأكتفي بشراء المعوز , وذلك كون أهلي في القرية منتظرين ما سأقدمه لهم من مال يكفي لمصاريف أيام العيد ,حيث إنني لا أسافر إلى القرية إلا مرتين في العام. ضعف إقبال أردنا أن ننقل وجهة نظر التجار حيال تقييمهم للقدرة الشرائية للمستهلك , فكان أول لقاء لنا مع الأخ عبدالرحمن السلطان - صاحب بسطة لبيع الأحذية, والذي وصف إقبال المستهلك على شراء الأحذية بالبطيء منذ أن دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم ,ويضيف السلطان: في العام الماضي لم يكن يأتي يوم الخامس والعشرون من رمضان إلا وقد بعت بمبلغ أربعمائة ألف ريال ,واليوم هانحن على مشارف دخول العيد ولم أبع من بضاعتي سوى ربع مبلغ العام الماضي, كما أنني وغيري نعاني معاناة شديدة من انطفاء التيار الكهربائي حيث أنني أدفع كل يوم في الفترة المسائية مبلغ ستمائة ريال للشخص الذي يوفر لنا الإضاءة اللازمة, وفي الفترة الأخيرة لم يعد ذلك الشخص قادراً على توفير الإضاءة بسبب انعدام البترول, حال مزرٍ, ناهيك عن أننا ندفع مبالغ غير محددة للبلديات,وبالإجمالي نحن نبيع بالبركة, وكل ذلك يهون إلا ضعف إقبال الزبائن على شراء مانبيعة وللأسف هذا مايحدث هذا الموسم. لم نرفع الأسعار أما هيثم مسعود العلوي - مسئول كاشير في معرض أبو حسام، أحد المعارض الكبيرة التي تعلن عن أنها تقدم بضائع مخفضة للزبائن, فيقول: لايمكن لأحد أن يلومنا لأن الكل يعي الوضع الاقتصادي الذي تعيشه اليمن , ونحن التجار جزء من الشعب، لذا فإننا نتحمل العبء الأكبر من المعاناة, فهذا المعرض يعمل فيه العشرات من العمال وكلهم محتاجون لرواتب, أيضا هناك التزامات ضريبية وأخرى تقدم للدولة, ومع كل هذا لم نستطع أن نرفع الأسعار وأبقيناها كما هي في الخمسة الأعوام الماضية, أيضاً هناك بضاعة تختلف عن بضاعة وموديل عن موديل آخر ,وكل شخص يأخذ مايناسبه وفق الدخل الخاص به ووفق أولوياته واحتياجاته. مشاكل متعددة من وجهة نظر الخبراء الاقتصاديين تقول الدكتورة نجاة جمعان – أستاذ الاقتصاد ونائب رئيس فريق التنمية بمؤتمر الحوار الوطني: لايمكن قياس المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها اليمن وفق ضعف القدرة الشرائية عند المستهلك سواء في شهر رمضان أوغيره، لأن المسألة أكبر وأعمق من هذا التوصيف, فالمشكلة الأساسية التي يعاني منها المواطن في الأساس هي أمنية أكثر من اقتصادية ,لأنه إذا استقرت البلاد أمنياً فسينعكس هذا الاستقرار على الوضع الاقتصادي , فليس بخافٍ على أحد, كم تُهدر من الملايين بل المليارات نتيجة الاعتداءات المستمرة على أنابيب النفط وعلى أبراج الطاقة, وكم تضيع مئات الفرص الاستثمارية ,لذا فالمواطن هو من يدفع الثمن, لذا يجب انقاذ الاقتصاد الوطني بتطبيق مخرجات الحوار الوطني في القريب العاجل وتكون الأولوية في هذا الجانب. تأثر القدرة الشرائية من جانبه يقول القائم بأعمال المدير العام للغرفة التجارية بالأمانة - خالد العلفي: الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد أثرت بشكل كبيرعلى القدرة الشرائية للمواطن اليمني ,وأصبح وبالذات الموظف أكثر اعتماداً على مرتبه الشهري في شراء ملابس ومستلزمات العيد المختلفة. بضائع صينية وعن اكتظاظ الأسواق بالبضائع الصينية وغير الصينية التي تعتبر غير مطابقة لمواصفات ومقاييس الجودة ,يقول العلفي: على كل تاجر أن يراقب الله ومسألة تقديم مايعتبر ذا جودة للمستهلك من عدمه يرجع إلى أخلاقيات التجار أنفسهم. [email protected]