أصبح شبح العطش الظاهرة الأبرز والمسيطرة على عدد من المحافظات والمدن اليمنية، وأولها صنعاء وتعز، والتي يستمر سكانها باللجوء إلى شراء المياه من خزانات الناقلات المحمولة وتغطية عجز الشبكة العامة، التي تغيب أياماً عن زيارة منازلهم.. سنكشف من خلال السطورالتالية الأسباب والتحديات الراهنة لأزمة المياه، وكذلك الحلول المقترحة.. وضع مقلق وفقاً لمنظمة التعاون الفني الألماني في اليمن، فإنه يوجد 13500 بئرعشوائية في حوض صنعاء وحدها، وقد حفرت خصيصاً لري أشجار القات التي تستهلك تقريباً 90-80 بالمئة من المياه، في حين أن مؤسسة المياه والصرف الصحي تملك 125 بئراً في حوض صنعاء ثلثها محفور بعمق 1000م لإمداد الناس بمياه الشرب. وبنفس الاتجاه قال وكيل وزارة المياه الدكتور توفيق الشرجبي أن سبعة أحواض من إجمالي 14 حوضاً مائياً مهددة بالنضوب، بينما معدل هطول الأمطار سنوياً ضعيفا ولا يتجاوز 150 مليمترا، موضحاً أن هناك عجزاً كبيراً في كمية المياه المتجددة يصل إلى 60 %، حيث أن السحب السنوي يصل إلى 3.9 مليارات متر مكعب، بينما لا يتجاوز معدل التغذية 2.5 مليار متر مكعب. ويقدر الشرجبي أن كمية السحب من المياه الاحتياطية تبلغ 1.5 مليار متر مكعب سنوياً عن طريق 55 ألف بئر ارتوازية, ولا تزال أعمال حفر الآبار العميقة تتزايد بصورة كبيرة, وسط إقبال المزارعين على استنزاف المياه الجوفية. ويضيف الشرجبي: أن نصيب الفرد الواحد هو أقل من خط الفقر المائي العالمي المحدد ب 100 متر مكعب، بينما نصف السكان لا يحصلون على خدمات المياه الحكومية. تأتي جميع هذه المخاوف في وقت يواجه فيه اليمن تحدياً خطيراً في شحة المياه جراء الاستنزاف الهائل للأحواض المائية، وارتفاع نسبة الاستهلاك مقارنة بكميات التعويض، مما ينذر بتداعيات سلبية على السلم الاجتماعي والوضع الاقتصادي في البلاد. وكما يصنف البنك الدولي اليمن ضمن أكثر أربع دول تعاني شح المياه في العالم، وبين الدول العربية الأفقر في مجال موارد المياه، حيث يصل معدل استهلاك الفرد من المياه في العام إلى 135 متراً مكعبا، وهو من أقل المعدلات في العالم. ويتوقع خبراء ومهتمون بأن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى تدهور اقتصاد الريف، الذي يشكل سكانه 75 % من مجمل السكان ويعملون بالزراعة، بينما تتضخم أسعار الغذاء وتتزايد معدلات الفقر والبطالة والهجرة، إضافة إلى أنه يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن. الأسباب الحقيقية للأزمة يرجع وكيل وزارة المياه الدكتور الشرجبي أسباب المشكلة إلى التذبذب الحاد في التزويد بالطاقة الكهربائية، وكذلك عدم الاستقرار في توفير الوقود وارتفاع أسعاره وغلاء أسعار قطع الغيار والمعدات والآليات والخدمات، والتي ترتفع معها أيضاً كلف الإنتاج. كما يؤكد الشرجبي إلى أن من بين أسباب الأزمة هو عدم السداد المنتظم للمديونية الحكومية، وضعف القدرة على أعمال وتطبيق القانون، وضبط المخالفين، وتدني حجم الدعم الحكومي في الجانب الرأسمالي، وارتفاع مديونية المؤسسات لصالح الغير والعاملين. ويشير الشرجبي إلى أن استمرار التراجع في معدلات التحصيل، وتأثير الصراعات السياسية على أنشطة المرافق يعتبر من العوامل المساعدة في توسع الأزمة خلال الفترة الماضية، والتي أضعفت قدرة سلطات الحكم المحلي على المساعدة ومواصلة مشاريع أعمالها. تجاهل بينما تذهب السلطات الحكومية لإرجاع أزمة المياه في الجهة المقابلة بشكل عام إلى الاستنزاف الحاد لمصادر المياه الجوفية - التي توفر ما نسبته 90 % من احتياجات البلاد- بفعل ارتفاع معدل النمو السكاني، وغياب الإدارة للموارد المائية، إلى جانب التأثير السلبي لزراعة القات التي تستهلك نسبة 40 % من هذه الموارد، حيث تستنزف أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. وتشير تقارير وزارة المياه الرسمية إلى إن كمية الاستهلاك تبلغ 3 مليارات متر مكعب سنوياً، بينما لا يتجاوز التعويض ملياري متر مكعب، بواقع عجز سنوي يبلغ مليار متر مكعب. ولكن بعض المختصين في مجال المياه يعيدون هذا العجز السنوي المتزايد إلى تجاهل الحكومات المتعاقبة لقضية المياه، والتي لم تكن تضعها في سلم أولوياتها، مع تخليها عن دورها في السيطرة على المورد المائي، وعدم السماح للمواطنين بالحفر إلا بضوابط. مطالب وتحديات يشكو وكيل وزارة المياه من شحة الإمكانات اللازمة لتفادي توسع الأزمة في اليمن حيث قال أن من أهم التحديات التي يواجهونها تتمثل في ارتفاع تكلفة تقنيات ترشيد استهلاك المياه كونها تستورد من الخارج. مضيفاً بأن سياسات الدعم الحكومي تساعد على توفير وسائل الاستنزاف، مفيداً بأن مخصصات البحث العلمي متدنية، ناهيك عن محدودية الموارد البشرية المؤهلة، ومعظم الاستخدامات الحالية ذي عائد اقتصادي متدن. ويوضح الشرجبي بأن البدائل الاقتصادية فيما يتعلق بحل أزمة المياه محدودة، خصوصاً وأن رسوم الخدمات لا تغطي التكاليف المطلوبة البسيطة، في نفس الوقت الذي لا تزال فيه مشكلة أزمة المياه تحتل آخر الأولويات لدى الحكومة والمجتمع، وعلى مستوى الموازنات العامة، إضافة إلى عدم الاهتمام بتكليف مشاركة السلطات المحلية ومنظمات المجتمع بالمساهمة في حل الأزمة. ويتابع الشرجبي بأن عواقب عدم/بطء التدخل لدور السلطات الرسمية هنا يساهم في ارتفاع كلف استخراج المياه وأسعار المياه والغذاء، وكذلك حدوث اضطراب وعدم استقرار على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها، كما يعمل على زيادة معدلات الفقر، وتدني الناتج المحلي وتدهور الاقتصاد الوطني، وبالمجمل يؤدي تأخر عدم التدخل إلى تدهور النظم البيئية وتدميرها. معالجات عاجلة ومن خلال دراسة مطولة إنشغل الوكيل الشرجبي بإعدادها وركز فيها على حزمة من المعالجات العاجلة لضمان استمرار الخدمات المتعلقة بأزمة المياه في اليمن، ومنع انهيار المرافق ونوردها بإيجاز هنا بشكل نقاط مختصرة: - عدم خضوع حقول المياه في المدن الرئيسية لعمليات التقنين في التزويد بالطاقة الكهربائية وفصل الخلايا الخاصة بالآبار عن المواطنين. - تخصيص حصة مؤسسات المياه من مادة الديزل بصورة منتظمة من قبل شركة النفط وتتم المحاسبة أولاً بأول. - تحصيل المديونية الحكومية لصالح المؤسسات مباشرة عبر وزارة المالية، واعتماد المخصصات الكافية لذلك وفقا للاستهلاك الفعلي للخدمات. - عمل معالجة لمديونية الأوقاف لصالح المؤسسات بقرار من مجلس الوزراء. - تحسين الموازنة الحكومية للقطاع خصوصاً فيما يتعلق بالبرامج الموجهة بتطوير وتحديث النظم الإلكترونية لمراقبة مؤشرات الأداء والبرنامج الاستثماري. - إعادة هيكلة تعرفة المياه لتتواءم مع التغيرات الاقتصادية ومستوى الأسعار الراهنة، مع مراعاة الانحياز للفقراء. - مساعدة السلطات المحلية لمؤسسات المياه في تبني سياسات ترفع كفاءة التحصيل وتعزز مستوى تطبيق القانون. - تحسين مستوى الإجراءات المتخذة من قبل السلطات المحلية وسلطات الضبط القضائي ضد المخالفين فيما يتعلق بعمليات الحفر العشوائي خصوصاً في المدن الرئيسية والأحواض الحرجة. - إعادة هيكلة النظم الإدارية والمالية للمؤسسات وفق الأسس الاقتصادية للوحدات الإنتاجية، وتوفير التكاليف اللازمة لذلك. - تفعيل لائحة حقوق المياه ورسوم الانتفاع. مقترحات ورؤى مستقبلية وزارة المياه بدورها هنا قالت بأنه تم تقديم رؤية - أعدها خبراء محليون وأجانب- إلى مؤتمر الحوار الوطني، من أجل دفع هذه القضية إلى صدارة النقاش والاهتمام، على أمل الخروج بحلول مناسبة لمشكلة المياه في اليمن . كما قال الخبير الشرجبي بأنهم قاموا بإعداد رؤى مستقبلية لمواجهة أزمة المياه في اليمن وذلك من خلال تعظيم القيمة الاقتصادية للمياه من خلال: - تعزيز كفاءة الاستخدام وتصنيع تقنيات الترشيد بتكاليف قابلة للتغطية من المنتفعين محاصيل نقدية، استخدامات أكثر كفاءة اقتصادية والاهتمام بتحسين عمليات التخزين، والتسويق، التصنيع للمنتجات لزيادة العائد الاقتصادي للفرد والبلد. -اقتصاد في الاستخدام وذلك من خلال توفير بدائل الاقتصاد الريفي، وتشجيع اللامركزية الإدارية. - التنمية المتوازنة: حوافز واستثمارات اقتصادية جاذبة، تحسين الإنفاق على البحث العلمي في مجال المياه. - التكيف مع الشكل الجديد للدولة القادمة (نظام الأقاليم) وذلك على أمل أن يفرض ذلك تحديات وتغييرات شامله وواسعة، مما يحتم على القطاع إعادة النظر في كافة الأطر المؤسسية والتشريعية الناظمة، وإعادة ترتيب هياكله ومرافقه للتكيف مع المرحلة القادمة.