استطاع الجيش الوليد من رحم الثورة السبتمبرية 1962م فك الحصار عن العاصمة صنعاء والانتصار لإرادة الشعب التواق للحرية والحياة وذلك بهمة الرجال وبروز كوكبة من الضباط الجدد بقيادة عبد الرقيب عبدالوهاب وهائل الصوفي الذي اطلق شعار«الجمهورية أو الموت»، والنقيب محمد صالح فرحان، وحمود ناجي سعيد، ومحمد عبدالخالق، ومحمد فيروز... الذين قادوا المحاور الأربعة في جبهات القتال ضد الملكيين ومن وقف خلفهم من القوى الرجعية وتجار السلاح والعملاء ومنهم المرتزق العالمي بوب دينار وكوندي وعدنان خاشقجي ودول التمويل الرجعية بالمال وتهريب السلاح وأعداء التحرر في الداخل من المشايخ وفلول الملكية الإمامية والتدخل الخارجي السافر في الشأن اليمني الداخلي . وبالتلاحم الشعبي والدعم اللامحدود من قبل جبهة التحرير في الجنوب والمشاركة الشعبية والتجار الوطنيين والمثقفين الثوريين والنقابات العمالية استطاع هذا الشعب الانتصار ودحر الغزاة بفك الحصار عن صنعاء وانتصار الثورة.. وها هي صنعاء تحاصر من جديد من داخلها وكأن التاريخ يعيد نفسه وهاهم «العكفة» يتآمرون على مخرجات الحوار الوطني ويغيرون جلودهم لكن إرادة الشعب ستنتصر وسيولون الإدبار .. حول مقتطفات من حياة بطل حرب السبعين وفك الحصار عن العاصمة صنعاء «عبد الرقيب عبدالوهاب» كان هذا اللقاء مع شقيقه نجيب عبدالوهاب. بداية حدثنا عن حياة الشهيد من الطفولة الى الشباب؟ الشهيد عبد الرقيب عبدالوهاب أحمد قاسم منصر من مواليد عام 1943م في قرية (ذلقيان) ذبحان الحجرية تعز، بدأ تعليمه الأولي في الكتاتيب بقريته على يد أستاذه عبد الباقي مقبل غانم وتعلم على يديه القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والتجويد ثم تتلمذ على يد الأستاذ أحمد عقلان الصليحي في اللغة العربية وكذا النحو والصرف وكان ذلك بعد خروج الوالد من سجن نافع بحجة والذي كان يصطحب الشهيد إلى التربة حاضرة الحجرية لتعليمه بعد الظهر هناك عندما كان يعمل في مجال الخياطة وكان يحث عبد الرقيب على دراسة الحساب والرياضيات بجانب دراسة وحفظ القرآن واللغة العربية ..إلى أن وصل سن العاشرة من عمره فأرسله الوالد إلى مدينة عدن لإكمال الدراسة في المدارس التي فتحها الأحرار هناك فاستقبله عمه عبد الرحمن أحمد قاسم الذي كان يعمل بإحدى المطابع هناك وتنقل في العمل بعدة مطابع منها مطبعة كانت تطبع “صوت اليمن “ ومطبعة (لونجين ) التي يمتلكها أحد الهنود، والى جانب العمل مارس هواية بناء الأجسام في نوادي عدن الرياضية ومن زملائه سعيد محمد غانم في تلك الفترة في عدن وكذا في الكلية الحربية. إلى ذلك كان كثير الاستماع لأخبار اليمن عبر صوت العرب من القاهرة في عهد مصر عبدالناصر عصر حركة الثورة العربية وبعد قيام ثورة 26سبتمبر1962م وفي اليوم التالي لقيام الثورة في صنعاء غادر عدن متجها إلى تعز لزيارة أهله وذويه ثم توجه إلى صنعاء لكي يلتحق في صفوف الحرس الوطني حيث كان والده يقوم بتسجيل الشباب في ذبحان والمناطق المجاورة في طلائع الحرس لدفاع عن الثورة حيث ابتعث عدد من الشباب إلى جمهورية مصر العربية للتدريب بعد تشكيل ألوية جديدة مثل لواء الوحدة ولواء الثورة ولواء العروبة وبعض الفرق العسكرية مثل فرقة الصاعقة والمظلات. التأهيل العسكري، وفيما يخص الشهيد فقد التحق بالكلية الحربية الدفعة الأولى في صنعاء نهاية سبتمبر من عام 1962م ودرس عاما واحدا مع 92 فردا وفي عام 1963م اختار المصريون مجموعة للوحدات والفرق العسكرية بحسب ميوله ورغبته فاختير الشهيد مع ثلاثة من زملائه للصاعقة وابتعثت الدفعة الأولى بكاملها لزيارة مصر ولقساوة التدريبات توفي شخصين وأسعف الثالث واجتاز الشهيد الدورة التدريبية بنجاح في يناير 1964م، ثم تلقى دورة أخرى في المخابرات وعرض عليه الانضمام في هذا المجال لكنه رفض العرض وعند عودته إلى اليمن التحق بدورة مشاة وعمل في الصاعقة ثم تم تعيينه قائداً لمدرسة الصاعقة وكان يقود بعض السرايا في مهام عسكرية حول العاصمة صنعاء ..إلى ذلك اسند لهذا القائد مهمة تأمين طريق الحديدة – صنعاء مع قوات المظلات من قبل الرئيس عبدالله السلال الذي شعر بوجود بؤر للملكيين وبعض المشايخ تتواجد في أطراف صنعاء. وفي تلك المرحلة حدث العدوان الصهيوني على مصر العروبة فسحبت القوات المصرية من اليمن وتجمعت في الحديدة ..كما رفضت اللجنة الثلاثية المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية في السودان ففي الخامس من نوفمبر عام 1967م وعندما وصلت إلى صنعاء وقوبلت بالرفض وبمظاهرات شعبية حاشدة فذهبت إلى بيروت لمقابلة الملكيين اليمنيين. الانقلاب على الرئيس السلال وفي 21 /11 /1967م سيطر الجانب الملكي الرجعي على نقيل يسلح وقطعت طريق تعز- صنعاء يوم 25/11 /1967م فصدر الأمر إلى وحدات الصاعقة والمظلات بالدخول إلى صنعاء عن طريق الحيمتين عبر مدينة الحديدة فتم الحصار الفعلي لصنعاء يوم 28 /11 /1967م وأطبقت القوات الملكية الحصار وهنا تم تعيين علي سيف الخولاني - رئيساً لقيادة الأركان لكنه هرب إلى القاهرة ولم يعد كما هرب بعض الضباط الكبار من صنعاء فمنهم من هرب إلى سوريا مثل المسوري والخاوي وعبدالله الراعي ومنهم من توجه إلى مصر ولم يعد ومنهم حمود بيدر والظبي والبعض لجأ إلى قريته وبقى الضباط الصغار وهم ذو الرتب العسكرية الصغيرة فاجتمع 320 ضابطا واختاروا قادة وحدات و اختار هؤلاء القائد الشهيد عبد الرقيب قائداً للصاعقة وفرض عليه من قبل القيادة السياسية أن يكون رئيساً للأركان لكنه رفض هذا التعيين وكذا الترقية إلى رتبة مقدم بصورة استثنائية وهذا ما رفضه الشهيد النقيب عبر وسائل الإعلام آنذاك معللا ذلك أنه يعرف قانون الترقيات وبإصرار المقاتلين من زملائه قبل رئاسة الأركان ورفض الترقية العسكرية، وبعد قبوله تم تكوين رئاسة الأركان من عبد الرقيب عبدالوهاب رئيسا للأركان قائد والصاعقة، وعبد الرقيب الحربي نائباً للشؤون العسكرية، وعلي محمد هاشم نائبا للشؤون الإدارية، والنقيب محمد صالح الحنبصي نائبا للتموين والإمداد. أما قادة الأسلحة فكان على النحو التالي: نقيب علي ناجي حمود سعيد قائدا للمظلات، والنقيب محمد صالح فرحان قائداً للمشاة، والنقيب علي محمد جبران قائداً للمدفعية، والمقدم محمد عبد الخالق قائداً للمدرعات وعندما بدأ القصف المدفعي على صنعاء في 7ديسمبر 1967م تشكلت المقاومة الشعبية لدعم القوات المسلحة التي لم تتجاوز 1500فردا فكان الشهيد عبد الرقيب يقود المعارك وقامت الصاعقة والمظلات بدور الأسناد للمواقع التي كانت مهددة بالسقوط وشكل القوات المتحركة لتحرير المناطق وتسليمها للمقاومة الشعبية والأمن في حين انتقلت القيادة السياسية والشخصيات الاعتبارية إلى مدينة الحديدة وبعد فك الحصار عاد الضباط الهاربين الكبار إلى صنعاء بهدف العودة إلى مناصبهم بأوامر من الفريق العمري فرفض أبطال السبعين لكن استطاع العمري وفريقه من تجنيد 8000 جندي بعد الاستيلاء على سفينة السلاح من ميناء الحديدة وقام العمري بصرف صفقة السلاح على المشايخ والقوى التقليدية فشكلوا لواء العاصفة والمغاوير وصدر أمر القائد العام بإنزال القوات المرابطة على قمم الجبال في نقم وعيبان ونقل لواء العاصفة من الحديدة إلى صنعاء بهدف الهجوم على القوات التي فكت الحصار وهذا ما عرف بأحداث أغسطس وتصفية المقاومة الشعبية ونزع أسلحتها في الحديدة بأمر مباشر من الفريق العمري كما دخلت مجاميع قبلية مسلحة إلى صنعاء بأمر من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي لعب دور إقناع القبائل بالانضمام إلى الجمهورية وهذا أشبه بما يدور اليوم في صنعاء ، إلى ذلك انفجرت أحداث أغسطس يومي 23و24وبدأ الهجوم على العرضي من حارات صنعاء القديمة والسور المقابل لسلاح المشاة واستشهد محمد صالح فرحان من منزل عبدالله الأحمر في منطقة الأبهر المقابلة للعرضي واستطاعت القبائل المهاجمة التزود بالمدرعات وأثيرت فتنة القتال بين القوات الجمهورية – الجمهورية بفتنة طائفية وطلب من عبد الرقيب السيطرة على الوضع عسكريا لكنه رفض وقال دافعت عن صنعاء خمس سنوات ولا يمكن أن أهدمها في يومين ومع شدة الخلاف بين قوى التحديث والعكفة بدت مساعي الحل بمغادرة الأطراف من صنعاء إلى الجزائر مؤقتا حتى يتم تهدئة الوضع وأبدي القاضي الأرياني والعمري استقالتها من منصبيهما وكان الهدف منها إخراج عبد الرقيب وزملائه من صنعاء بخروج نهائي دون عودة وسافر الطرفين من الضباط الكبار والصغار إلى الجزائر و بعد السفر طلب القاضي الأرياني من القيادة الجزائرية احتجاز عبد الرقيب وزملائه في السجن هناك لكن هذا الطلب رفض برد الرئيس الجزائري بومدين بقوله (إن بلاد المليون شهيد لا تحتجز من قاموا بثورة سبتمبر وحموها ) وأبلغ الوفد بحرية الاختيار بين البقاء في الجزائر أو السفر إلى أي مكان يريدون فالطريق مفتوحة أمامكم فعاد الطرف المقرب من الحكومة إلى صنعاء مباشرة بينما عبد الرقيب ورفاقه الغير مرغوب فيهم توجهوا إلى مصر ومن ثم عادوا إلى عدن أواخر شهر أكتوبر 1968م وقام فيصل عبداللطيف الشعبي بتزويد عبد الرقيب بسيارة للمواصلات وإكرامه وحثه على البقاء في عدن فاختار العودة إلى قريته وسافر إلى تعز ومن ثم عاد إلى صنعاء دون علم القيادة السياسية فوصل إلى معسكر في جبل عيبان وهذه العودة أزعجت القوى القبلية وبموجب تعهد عبدالله بن حسين الأحمر بالحفاظ على حياة عبد الرقيب وعدم مسه بسوء شريطة أن لا يصطحب حراسه معه فهبط من الجبل إلى (سنع حدة) وحضر كل من الشيخ الأحمر والشيخ المطري وعلي نصيب المعمري بهدف حل الخلاف في منزل علي سيف الخولاني فكانت المكيدة المدبرة لقتله وألقيت جثته في ميدان التحرير فتوسط الشيخ أحمد علي المطري وقام بكسر جهازه(غمد الجنبية ) داعياً باسم القبيلة بدفن الجثة إكراماً لهذا الإنسان ونقل جثمانه إلى مقبرة خزيمة لدفنها. ماذا عن موقف والد الشهيد من الحادث؟ حضر والد الشهيد إلى صنعاء لمعرفة الأسباب التي أدت إلى استشهاد ولده ومعرفة الملابسات ومكان قبر الشهيد لكنه تعرض للتهديد بالموت والحاقه بولده ونصحه الشيخ المطري أن لا يكتب اسم الشهيد على قبره مبد ياً حرصه لكي لا يتم إخراج الجثة والتمثيل بها واستمع الأب إلى النصيحة واستمر الاسم المستعار إلى وقت قريب حتى تم تصحيح اسمه الأصلي قبل خمس سنوات في مقبرة خزيمة بصنعاء ..إلى ذلك قام ما يعرف بجهاز الأمن الوطني بتفتيش منزل الشهيد في حي الجامعة القديم بالإضافة لقيام أفراد من الحرس الجمهوري بنهب محتويات المنزل الذي قام الوالد بتأثيثه على نفقته الخاصة كما توقفت كل مستحقاته المالية ومازالت الأسرة تعاني من الظلم إلى يومنا هذا وكان آخرها قيام الأمن تفتيش منزل الأسرة في ذبحان بعد حرب صيف عام 1994م بذريعة البحث عن سلاح وحتى اليوم يتم تهميش دور هذا المناضل الشهيد ولم تكلف القناة الفضائية الأولى نفسها بإنصاف هذا الرمز الوطني وتبيان دوره النضالي ونعتب على بعض القائمين عليها عندما نتصل بهم فيردوا علينا بعدم وجود مادة إعلامية مع العلم أن زملاءه موجودون إلى اليوم لكن للأسف لا يزال التعتيم الإعلامي قائماً. ماهي تركة القائد الشهيد؟ لم يترك مالاً ولا عقارات بل وجدنا وثيقه بخط يده ديوناً للآخرين لأرباب البقالات والمطاعم كان يسددها عند استلام مرتبه الشهري، إضافةً إلى صندوق خشبي به بزته العسكرية والشهادات التي حصل عليها وبعض الوثائق والمراسلات التي كان يجريها مع القادة والأصدقاء وبعض الأوسمة والنياشين التي حصل عليها أثناء أداء واجبه العسكري كما قمنا بتسليم المتحف الحربي منتصف الثمانينات من القرن المنصرم صوراً من مؤهلاته وبدلة عسكرية خاصة بالصاعقة و(كاب) مصري وبطانية وهذه كل ثروته كما ترك سيرة عطرة ومجموعة من المبادئ والقيم النبيلة وحصل عبد الرقيب على وسام السبعين من الدرجة الأولى عام 1985م. خاتمة: دافع عبد الرقيب ورفاقه عن الثورة والجمهورية وفكوا الحصار عن العاصمة صنعاء بعمل بطولي منقطع النظير وها هي ذكرى الثورة على الأبواب ويكرر نفس المشهد ذاته ويموت الأبطال غرباء في هذا الوطن فكم نحن ناكرون للجميل .. ومن سخريات القدر أن المدافعين عن صنعاء بدون مرتبات حتى اليوم ومنهم ما اسلفنا في السطور السابقة وسيبقى عبد الرقيب بطل السبعين رمزاً خالداً في التاريخ اليمني مهما حاول الحاقدون طمس الحقيقة ومآثره البطولية العصية على النسيان ونحن هنا نذكر بأن من يملك جزءاً من الحقيقة أن يدلي بها للتاريخ احتراماً لكل من ساهم في فك الحصار والانتصار للثورة والجمهورية فمن ينصف بطل السبعين من الظلم والتهميش ؟؟ وإنا لمنتظرون