مع تقلص عدد الأشخاص من كبار السن الذين لا يستخدمون الإنترنت في الأعم الأغلب لصالح الجيل الحالي الذي يتعامل مع الشبكة العنكبوتية ونوافذها المتعددة المتحررة من مقص الرقيب والتي تتميز بسحرها النشط وتأثيرها السريع والقوي, بات من المقطوع به يقيناً أن لهذه المنصات الإلكترونية دور محوري في صناعة وتشكيل الرأي العام وإعادة إنتاجه، غير أن اتساع نطاق التدفق الحر للمعلومات وبشكل قياسي غير مسبوق في ظل التطور التكنولوجي العنيد يجعل من المستخدم أكثر من كونه مستقبلاً عادياً، وعليه فإن ما يٌعرض عليه وما يتعرض له من معلومات يعد أحد أهم التحديات في تكوين رأي عام إيجابي يخدم القضايا المجتمعية على اختلاف ضروبها..استخدام متزايد قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع لابد من إيراد نوع من التفصيل عن مستخدمي وسائل الاتصال الجماهيرية، حيث تشير التقارير المختصة تجاوز أعداد المستخدمين للإنترنت إلى أكثر من 3.29 مليار مستخدم حول العالم منهم أكثر من 135 مليوناً في الوطن العربي، ويبلغ عدد مستخدمي الفيس بوك في العالم 1.23 مليار شخص، منهم 81,302,064 مستخدمًا عربياً 42 مليون شخص منهم يستخدمون الفيس بوك من خلال الهواتف الذكية و945 مليوناً حول العالم يحصلون على الخدمة عبر هواتفهم المحمولة، في حين بلغ عدد المستخدمين الفعليين العرب لموقع التواصل الاجتماعي تويتر 5,797,500 مستخدم في شهر آذار/مارس من العام 2014، وعدد مستخدمي تويتر وصل شهرياً إلى 255 مليون مستخدم حول العالم ، منهم 198 مليون مستخدم يدخلون إلى الخدمة عبر الجوال، بنسبة تقترب من 78 % ،. و يصرح 63 % ممن يمتلكون الهواتف الذكية أنهم يستخدمونها لتصفح المواقع الإلكترونية المختلفة. منصات الكترونية تنوّعت وسائل الإعلام الجديدة المتزامنة مع تزايد أعداد المستخدمين لها عبر خدمة الإنترنت التي أصبحت متوفرة أكثر من أي وقت مضى، وعملت هذه الوسائل على إضفاء عوامل كثيرة للمستخدم منها صنع وسيلة إعلام خاصة سهلة الانتشار ورخيصة التكلفة، وتتميّز بالتنوُّع الإعلامي على شكل نص أو صوت أو صورة أو فيديو، وتضم الشبكة العنكبوتية عدداً من قنوات التواصل الاجتماعي منها الفيس بوك (Facebook) وتويتر (twitter) وماي سبيس (Myspace) وفليكر (Flicker) واليوتيوب (You Tube) والوتس آب (Whatsapp) وتانقو (Tango) وفايبر (Viper) ناهيك عن الصحافة الإلكترونية، وغيرها الكثير من الوسائل التي أصبحت تعتمد عليها شرائح عريضة من المجتمعات المتحضّرة والنامية أو الأقل نموّاً وبالذات شريحة الشباب. وسائل فاعلة وبإجمالي هذه التحوّلات أو معظمها لم تعد الرسالة الإعلامية تقليدية تضبطها وزارة إعلام البلد، أو تصيغ مضامينها الموجّهة للرأي العام؛ بعد أن ظهرت مراكز إعلامية جديدة تحرّكها أجندة خاصة مستفيدة من هذه الوسائل؛ ودخول لاعبين جدد في دائرة التأثير على مجمل القضايا. مستغلين سرعة انتشار المعلومة ورخص مربع الآلة الاتصالية وتنوعها لصناعة أفكار وتوجهات تختلف مضامينها وأبعادها الخطية أو غير الخطية التي قد تتسق أو لا تتسق مع الهوى الرسمي لمجمل السياسات الإعلامية والسياسة الوطنية أو الهم المجتمعي. كل ذلك بالتزامن مع انحسار دور الرقيب المتمثّل في الحكومات التي يكلّفها كثيراً من الوقت المسخّر والجهد والمال المبذول، لتحديد اللاعبين والمتابعين والمحترفين والهواة سواء من النُخب أم من السواد الأعظم الذين يقومون بالأدوار المتوقّعة أو غير المتوقعة. انفجار وعشوائية ومع تزاحم النوافذ الجديدة عبر الإنترنت أصبحت المعلومات والأخبار والآراء الفردية والنتاج الفكري مورداً لاينضب بغثه وسمينه لمن يجيد ويمتلك الرغبة في توجيه الاتجاهات كلٌّ حسب رؤيته ورسالته وأهدافه ومصالحه الفردية أو الجماعية. فهذه المعلومات تجد أُذناً وعقلاً صاغيين،حيث أثرت ولا زالت تؤثر في تصرفات الفرد و سلوكه التي يحكمها حزمة العوامل النفسية والصور الذهنية ومستوى التعليم والثقافة و النسق السياسي وغيرها من مكونات الرأي العام، فكل هذه العوامل مجتمعة أو منفردة تؤسس أرضية التعامل مع الآخر ومستوى القبول به بالسلب أو الإيجاب. تساؤلات وبتأمل ديناميكية عمل العمليات التشغيلية لصناعة الرأي العام الإلكتروني من خلال ماطرح آنفاً ثمة رزمة من الأسئلة تطرح نفسها في هذا الواقع الذي ينطق بمفارقة افتراضية واقعية: مامدى مصداقية الرأي الإلكتروني؟ هل ينفع المجتمع أم يصادر فعالية عقله ويخلط أوراقه ؟ هل يلعب صانعو الأفكار دور النبيل أم الضحية لتحريك الطاقات والقدرات سلباً أو إيجاباً ؟. معارك الأدلجة تطالعنا أساطيل المواقع الإلكترونية يومياً بكم مهوول من الأخبار, وعلاوة عن الأخبار الرسمية ثمة معلومات يتم قولبتها على شكل خبر ما تلبث أن تأخذ حيزاً كبيراً من حجم القراءات كونها تأخذ عنواناً جاذباً. ما يهم أن مصدر هذه المعلومة هو تغريده أو تعليق من صفحة الفيس بوك أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي عن موضوع معين لأحد الشخصيات له غاية أو مقصد أو لايكون, وبعد مرور ساعة زمنية تصبح هذه التغريدة أو التعليق محط اهتمام الكثير هذا يقرأ وهذا يشارك، ما تلبث أن تتحوّل إلى فكرة أو رأي يشوبه الكثير من الغموض. وبما أن الكثير يتفق أن كل مايتم إنتاجه وتبادله من معلومات وأخبار لاتعني الحقيقة المطلقة، إلا أن كل مايُنشر منها بصرف النظر عن حقيقتها له خاصية يدركها صانعو الأفكار، هي الترويض الذي بات اليوم أحد سمات الواقع الافتراضي للرأي العام الإلكتروني في ظل الانفراد الإلكتروني الصادم لقواعد حرية النشر والتعبير والفكر الديمقراطي وغيرها كثير. من نصدق ؟! مع انتشار التقنية منها الهاتف الذكي واستجابته للإنترنت وارتباط المستخدم بهما معاً جعل المتلقي للمعلومة متعاملاً مستكفياً ومستهلكاً خاضعاً للتضليل يتورط في فعل التصديق أو الإنكار، فالغموض أو التعميم المرتبط بالسطحية للمعلومة أو الخبر قد لايتكئ على مصادر موثوقة أو موثّقة في ظل البيئة التنافسية بين من يمتلكون هذه الوسائل الإعلامية مع ما تشهده خارطة المهنة الإعلامية من تزايد أعداد الهواة الذين لايمثلون الوسط المهني الإعلامي؛ ولا تمتلك منتجاتهم الإعلامية المقوّمات التحريرية المتعارف عليها؛ لا تخطئ العين أشكال التحيز أو الاعتدال أو الوسطية في الطرح وكذلك التفضيل بين خبر أو مقطع فيديو أو صوت، والتغاضي عن أمثالها أو إحالتها إلى أجل غير مسمى, وكل ذلك لايخرج في أحيان كثيرة عن الأحداث اليومية وآثارها الفورية، الأمر الذي يجعل المتلقي محتار في التمييز بين الخطأ والصواب، والحصول على المصداقية في القضايا التي تنفع المجتمع وتنهض به، بدلاً من التجاويف المجتمعية والتباساتها التي باتت تقارب الحرب النفسية. ماذا نصدق؟! بعد أن تعاظم دور الأفراد والجماعات الذين يجتمعون اليوم حول قضايا مشتركة يتأثرون بها ويؤثرون في إعادة انتشارها بعيداً عن الفواصل الزمنية والحواجز المكانية فمن الثابت أن لهذا التواصل والتشبيك طابعه الفردي المبطن بمعارك الأدلجة التي لا تخلو غالباً من شن هجوم شخصي أو جماعي مشبع بمعلومات وأخبار تعكس أضرار لا تفرح الكثير على نسيج التفاعلات الاجتماعية والتعايش السلمي المرتبط بالأمن والسلم الاجتماعيين. ولكي لانسقط في التعميم اللامنصف، هناك من المعلومات والأخبار والآراء الفردية والنتاج الفكري تحمل قيم اجتماعية وتتبنى هموم تطلعات المجتمع تجاه قضايا معينة تلامس ما هو كائن و مايجب أن يكون، ترفع من مستوى الوعي وتعزيز الدور الإيجابي للفرد الذي يدرك الخيط الناظم من بين كل ما يٌعرض عليه وما يتعرض له، خاصة مع امتلاك الفاعلين القدرة على مخاطبة الرأي العام وصوغ أهدافه بدرجة أكبر وأسرع من المؤسسات التقليدية, وغني عن الذكر فإن الوعي بطبيعة الأجندة الخاصة أو الأفكار الدخيلة متعددة الأهداف والأغراض هو الكافي والكفيل الذي يشبع حاجة الفرد الاجتماعية وتطلعاته في تكوين رأي عام إيجابي ملتصق بمستقبله ومستقبل الأجيال القادمة. الاختلاف في الرأي لايُفسد للود قضية صفوة القول إن الفضاء الإلكتروني أعاد تشكيل خارطة العمل الإتصالي في المجتمعات المعاصرة وأحدث نقلة غير مسبوقة على صعيد المشهد الرقمي ومنه الرأي العام الإلكتروني متعدد الأهداف والأغراض والمتكئ على مورد المعلومة وتنوع وسائل الاتصال الناقلة والمنتجة, جعلت من المواطن المتلقي يعيش حالة من الالتباس وعدم التمييز بين الخطأ والصواب وقد ينتابه الإحباط أحياناً، الأمر الذي تزايد معه القلق لدى الجميع خاصة وأن حارس البوابة لم يعد يستطيع أن يتحكم بالهواء المتخم بقضايا العديد منها انتقائية لا تعبر بوضوح عن القضايا الملتصقة بالهوى الرسمي أو التي يعيشها المواطن على أرض الواقع، فالرقابة التي تتم عليها تحتاج إلى إجراءات ولوائح جديدة لأن الحالية لم تعد مهيأة لهذه النقلة التكنولوجية الهائلة.. وفي هذا السياق تؤكد نتائج البحوث والدراسات أن المواطن يثق في مصادر الأخبار الرسمية أكثر من غيرها من المصادر، إلا أن المقاربة الرسمية تبدو خجولة ومحتشمة جداً فيما يتعلق بوضع استراتيجية واضحة من قبل الحكومة تتضمن وضع آليات للتواصل بين الفاعلين السياسيين ووسائل الإعلام, وكذلك تقوية قنوات التفاعل بين المؤسسات الوسيطة والمواطنين تفضي إلى إقامة بناء قيمي أخلاقي ومعايير مهنية وسياسات تحريرية لتحقيق المصداقية المهنية في الفضاء الإلكتروني، لضمان نقل المعلومات بشكل متوازن يفيد الرأي العام. ومهما يكن من أمر, فإن عصر السماوات يبقى متوقفاً على قدرة الحكومة ومصداقية الفاعلين في الحقل الإعلامي في توظيف هذه النقلة النوعية في تاريخنا المعاصر تضمن إنتاج رأي عام إيجابي يستجيب و يخدم مسار الوعي المنشود لمساعي التجديد الحضاري، فبرغم كل الاختلافات إلا أنها لاتفسد للود قضية..