قد يبدو عنوان هذا التحقيق “مبالغ فيه” ولكنه للأسف يعبّر عن حقيقة لا مفر منها, فضعف الجانب التربوي في مدارسنا وجامعاتنا أضحى السمة الأبرز في معاملات الطلاب مع بعضهم البعض ومع مدرسيهم, فتارة نسمع عن وقوع جريمة في مدرسة ما, وعن انتشار سلوكيات منحرفة عند بعض الطلاب في مدرسة أخرى, وهكذا حتى بات موضوع انعدام أو لنقل ضعف الجانب التربوي عند طلابنا أشبه بالظاهرة الأهم المؤرقة للمجتمع اليمني, وقد يذهب البعض إلى القول: إن المشكلات التي نعاني منها اليوم إنما هي نتاج لمخرجات مدارسنا ومعاهدنا التعليمية, قصص يندى لها الجبين تعكس واقع طلاب المدارس والجامعات اليمنية نناقشها معكم ومع المعنيين في هذا التحقيق.. «هنجمة» منير، طالب في الصف السادس من المرحلة الابتدائية يدرس في إحدى المدارس الحكومية في العاصمة صنعاء, يشكو أقرانه ومدرسوه من تصرفاته التي وصفوها ب«الرعناء» والألفاظ “البذيئة” التي تصدر منه كل يوم, يدخل منير الصف الدراسي وفي فمه وريقات القات, وأحياناً يدخل الصف متباهياً أنه يحمل في جيبه سلاح ناري “مسدس”, وعندما بدأ يخًوّف زملاءه بالمسدس, ووصل الموضوع إلى أحد مدرسيه الذي منعه من أن يأتي إلى الصف بالسلاح, لكن الطالب منير قابل منع المدرس بالتهديد والوعيد، وأنه لا يحق للمدرس أن يمنعه.. فأبلغ المدرس مدير المدرسة بما حدث إلا أن مدير المدرسة لم يكن مهتماً, توالت الأيام وبإلحاح شديد من المدرس, قرّر المدير استدعاء ولي أمر الطالب منير إلا أن منير قابل ذلك الاستدعاء بتجميع عصابة من خارج المدرسة, وإذ بالعصابة تعتدي على المدرس نبيل الشماحي الذي أخبرنا بالواقعة, لم يجد الأستاذ نبيل من ينصفه، فذهب إلى أحد أقسام الشرطة بالعاصمة، لكن القسم لم يتعاون معه كون والد منير من الشخصيات القبلية النافذة في البلاد, وبعد أن قدّم المدرس نبيل شكوى لأحد شيوخ القبائل تم إنصافه من ولي أمر الطالب. ومخدّرات ليست قصة الطالب منير إلا نزراً يسيراً من قصص تبين ضعف وانعدام الجوانب التربوية في مدارسنا, ففي إحدى المدارس الأهلية بمدينة عدن كشفت الأجهزة الأمنية عن وجود مجموعة من طلاب المدرسة يقومون بترويج الممنوعات, ولم يتم اكتشاف هذا الموضوع الخطير إلا بعد أن قام الطالب محمد الذي يدرس في الصف الأول ثانوي بسرقة خاتم الذهب المملوك لوالدته, حيث قام بتسليمه لزميله المروّج أثناء اجتماعهم لتناول القات بحجة مذاكرة الدروس, كانت مجموعة الطلاب هذه بداية ونواة لإنشاء عصابة خطيرة قد تمتد لبقية المدارس لولا عناية الله بحسب إفادة ولي أمر أحد الطلاب. وفي محافظة حضرموت كشف مدير أمن منطقة القطن عن انتشار تعاطي القات في مدارس المنطقة, وهو الأمر الذي أصبح مؤرّقاً لهم. انحراف ولا تخلو مدارس البنات من القصص التي يتسبب بها ضعف الاهتمام بالجوانب التربوية في مدارسنا, ففي إحدى مدارس البنات بصنعاء تحدثت ل«الجمهورية» الأخصائية الاجتماعية والمدرسة إيمان واصل: إن بعض الطالبات تقدمن بشكوى ضد طالبه تقوم بابتزازهن وطلب أموال منهن بحجة عدم فضحهن, حيث قامت الطالبة بتصوير زميلاتها بكاميرا التلفون المحمول الخاص بها, ومن ثم تقوم بعمل تعديلات على الصورة بواسطة تطبيق الفوتوشوب بالكمبيوتر, وتهدّد الطالبات بنشر صورهن التي تم تعديلها. وتضيف الأستاذة إيمان: وعندما حققنا مع الطالبة وجدناها تضحك وتستهتر بالموضوع و كأنه شيء عادي, فقمنا باستدعاء ولي أمرها, الذي جاء إلينا وكان في حالة هيستيرية عند سماعه بتصرفات ابنته. وقتل وقد تصل بعض المشكلات الناجمة عن ضعف الاهتمام بالجانب التربوي في مدارسنا إلى حد جريمة القتل، فإقدام الطالبة سارة على قتل زميلتها سهام في إحدى المدارس بصنعاء كان بسبب اللا مبالاة من قبل الأسرة وإدارة المدرسة التي من المفترض أن يكونوا رقباء على تصرّفات الطالبات. فبحسب مسؤول أمني في العاصمة صنعاء، فقد انتهى خلاف وعراك بالأيدي في الفصل الدراسي أمام طالبات إحدى المدارس الثانوية للإناث في صنعاء، بين الطالبة الجانية (سارة) والمجني عليها (سهام) على إثره هدّدت بموجبه الأولى زميلتها بالقتل إن هي تلفظت بأي سر بينهما، في إشارة إلى علاقة (سارة) بشاب. وأضاف: إن مديرة المدرسة طردت (سارة) من المدرسة، ورفضت عودتها إلا ومعها ولي أمرها، خاصة بعد توزيع صورها مع الشاب من قبل زميلتها (سهام) عبر ‘'بلوتوث'' الجهاز المحمول. ووفقاً لتحقيقات النيابة، فإن الجانية سارة بعد انتشار صورها ظلت تراقب زميلتها (سهام)، ثم قامت في أحد (أزقة) الشوارع بقتلها بسكين، وشاهدها طفلان مصادفة، وظلا يلحقان بها حتى دخلت منزلها، وأبلغا الأمن بذلك. واليوم تطالب أسرة الطالبة (سهام) المحكمة المختصة التي تُحاكم الطالبة حالياً بإعدام الجانية، تعزيراً أمام الطالبات حتى تكون عبرة للأخريات. أسباب قصص كثيرة جُلّها توضح حجم المعاناة التي يعاني منها المجتمع اليمني في الآونة الأخيرة نتيجة ضعف الاهتمام بالجوانب التربوية في مدارسنا لأسباب كثيرة منها أن المناهج الدراسية مفرغة من غرس القيم الأخلاقية والوطنية، وأغلب المعلمين المفتقدين لأساليب فن التعامل التربوي مع الطلاب، وكذلك غياب دور الأسرة في تعزيز الجوانب التربوية، إضافة إلى التأثير السلبي للإعلام, بحسب كلام مختصين تربويين, مضيفين أسباباً أخرى كانعدام الثقافة العامة في أوساط الطلاب، مؤكدين على أن يُترك المجال لصياغة مناهج ثقافية يشترك فيها المجتمع والآباء وكل مديرية على حدة وكل محافظة على حدة وإعادة رسم خارطة المناهج التعليمية من جديد، وأن يكون هناك توجه من قبل وزارة التربية والتعليم في تغيير السلوكيات الخاطئة والتي شاعت في الآونة الأخيرة بين طلابنا. أخلاقيات مهنة التعليم الدكتور. صالح النهاري - نائب عميد كلية التربية بجامعة صنعاء, يقول: بالنسبة لموضوع الاهتمام بالجوانب التربوية في مدارسنا اعتقد أن المسألة تكاملية، فنحن في كلية التربية لدينا مواد تربوية مكثفة, 40%من المواد تربوية, تصب في خدمة الطالب وتنمية الجوانب التربوية للطالب في علم النفس والطفولة والصحة الإنجابية وفي التربية الجمالية والتربية البيئية، وغيرها من المواد التي تنمي عند الطالب الجانب التربوي, كما أن جميع أساتذة كلية التربية تربويون وجلّهم يعملون على تعميق الجانب التربوي لدى الطلاب, فالجانب التربوي عندنا شيء مهم لذا نقوم بتنظيم أنشطة صفية ولا صفية تسعى إلى تعزيز ما يجب أن يكون عليه الطالب الجامعي, وأنا أعتقد إن الدكاترة والمعلمين والمدرسين يجب أن يكونوا قدوة، لأنه إذا وُجدت أزمة في الأخلاق فهذه كارثة, ومؤخراً أدخلنا مادة بعنوان أخلاقيات مهنة التعليم, لا يجب أن نتحمل مسؤولية تعزيز الجوانب التربوية والأخلاق عند الطلاب وحدنا كمؤسسة أكاديمية, يجب على وزارة التربية والتعليم أن تولي اهتماماً كبيراً في هذا الجانب لأنها هي المؤسسة المنظمة لشؤون التربية والتعليم في البلاد. تعزيز الجوانب الأخلاقية وتؤيد المعلمة فايزة الحكيمي ما قاله نائب عميد كلية التربية, وتقول: موضوع تعزيز الجوانب التربوية والأخلاقية عند طلابنا أمر يخص الأسرة والمجتمع والأصدقاء بجانب المدرسة والكلية, فنحن كمدرسين نلتزم بقوانين من خلالها نعلم الطلاب النظام، ولكننا لا نتعمق في معرفة نفسيات كل طالب على حدة، فالمدرس يجلس مع الطالب 45دقيقة ماذا يقول له, وهل المدة الزمنية كافية لتعزيز الجوانب التربوية فيه مالم يكن هناك منهح تعليمي حديث يهتم في هذا الجانب؟، إضافة إلى رقابة وزارة التربية والتعليم وتعاون الأسرة ووسائل الإعلام، ولذا كتربويون نحن ننصح وزارة التربية والتعليم بتحسين الأداء والتركيز على جوانب الفساد في المدارس الحكومية والأهلية. ضرورة بناء شراكة حقيقية وبدوره يقول نائب وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله الحامدي: الموضوع شاسع وذو شجون، والتعليق هنا غير كافٍ خاصة من قيادة الوزارة, أنا أدعو الجميع إلى أن يتعاونوا مع الوزارة في شحذ الهمم والعمل على استغلال إعلان الحكومة السابقة للعام القادم عاماً للتعليم في النهوض بالعملية التعليمية وتصحيح اختلالات العملية التربوية والتعليمية, وضرورة بناء شراكة حقيقية مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لضمان النهوض بالعملية التعليمية, وتعزيز الجوانب التربوية وتصحيح الاختلالات في العملية التعليمية, وللأسف عندما نجد مدارسنا فقدت حيويتها وجاذبيتها في موضوع الأنشطة التي تعزز الجوانب التربوية فإن ذلك يعود إلى انعدام نفقات التشغيل، لذا نطالب وزارة المالية بتوفير الإمكانات اللازمة في هذا الجانب, والأهم من ذلك هو أن تخرج اليمن من أزماتها المتلاحقة، وأن ينعم الوطن بالخير والأمن والاستقرار.