في لحظة صدق مع ذاتك، حاول أن تقف أمام المرآة متجرداً من كل ما يحيط بك من مؤثرات وضغوط تعلمها أو تخفى عليك وتسأل نفسك ثلاثة أسئلة مباشرة: كيف ترى نفسك؟ وكيف يراك الآخرون؟ وما هي فكرتك ومدى إلمامك بفكرة الآخرين عنك ؟ الدراسات النفسية تؤكد أن هناك قلة قليلة للغاية من الناس الذين يدركون مدى سلامة صحتهم النفسية، ومن ثم يمكنهم استقراء أنفسهم، وفهم ذواتهم، بصورة موضوعية ودقيقة وصادقة، إما لعدم صدقهم مع أنفسهم، أو لأن تأثيرات الحياة وضغوطها وهمومها ومشاكلها قد ألقت بظلالها الكثيفة على الشخصية، وأصابتها بضبابية تحجب وتخفي عن صاحبها ما يعتريه، ويعاني منه من أمراض أو اضطرابات، يجهلها تماما، حتى أنه بات لا يعلم حتى عن أعراضها شيئاً! خورشيد حرفوش (أبوظبي) كان ينظر حتى وقت قريب إلى الاضطرابات أوالأمراض النفسية على أنها نوع من الجنون، أو أنها من صنع قوى خارقة أوجدتها، وكان ينظر إلى المريض النفسي بدونية واعتباره من فئة المنبوذين. بل وارتبطت مهنة العلاج النفسي بالدجل والشعوذة وأحيطت بالكثير من الأساطير والخرافات!. فمن السهل على الإنسان أن يستوعب الأمراض العضوية من التهابات وجروح وكسور وآلام بشكل أسهل من استيعابه للأمراض النفسية. لذلك يشعر الكثير من المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم، وبسبب موقف الناس، بل لسوء المعاملة في أحيان كثيرة. فلقد شهدت السنوات الأخيرة تزايدا هائلا في انتشار الاضطرابات النفسية المتنوعة مع التغيرات الحضارية الحديثة السريعة. البعض كان يظن أن التقدم العلمي الذي حقق للإنسان الكثير من الإنجازات سوف يثمر عن استمتاعه بالراحة والرفاهية، لكن كانت النتيجة عكس ذلك تماماً، فقد واكب هذه التغيرات الحضارية تنوع أسباب التوتر للإنسان ومصادر متاعبه حتى أصبح البقاء في حالة من الاتزان و السلام النفسي مطلبا عزيز المنال. قد يكون هناك قلة من الناس لا يعتقدون مطلقاً بمفهوم المرض النفسي ولا يرون أن مظاهر اضطراب المصابين علامات «لمرض»، وإنما هي أساليب متوقعة لسلوك بعض الناس في صراعهم مع ظروف معيشية وحياتية معينة. متاعب الدكتور لطفي الشربيني، استشاري الطب النفسي يوضح حقيقة الصحة النفسية على أنها قدرة الفرد على التعامل مع المحيط الاجتماعي، والتفاعل معها بشكل سليم وايجابي، من خلال إيجاد طرق وقنوات أمنه للتفاعل والاتصال والتواصل، لتحقيق الذات ولعب دور فعال في المجتمع الذي يعيش فيه، حيث « يتأثر الإنسان بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والدينية ويختلف تأثير هذه الجوانب على الإفراد حسب طبيعتهم البيولوجية والوراثية والعمرية، فمنهم من يصل إلى توازن مع ذاته والبيئة المحيطة به دون المرور بحالة نفسية ومنهم من بحاجة إلى تدخل خارجي لمساعدته للوصول إلى توازن مع ذاته ومحيطة». لذا فالصحة النفسية بحسب منظمة الصحة العالمية تعني ما هو أكثر من مجرَّد انتفاء المرض، بل هي تشتمل على كامل طيف الانفعالات، والسلوكيات، والأماني، والمساعي الإنسانية، وتتفاعل معها جميعاً. ومن ثَمَّ، فهي تمثِّل الأساس الذي يقوم عليه بنيان النماء الإنساني. ... المزيد