منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن شاهدنا عددا كبيرا من التجارب السينمائية ، الطويلة والقصيرة ، التسجيلية والروائية، لكن الكثير من النقاد والجمهور اعتبروا أنهم لم يشهدوا تجربة سينمائية واحدة تعبر بشكل حقيقي عن روح أحداث الثورة . البعض أرجع ذلك إلى عدم اتضاح الرؤية السياسية وعدم اكتمال مطالب الثورة ، لذا لا يمكن انتاج فيلم عن حدث غير مكتمل . وعلى الرغم من تلاحق الأحداث السياسية على الساحة خلال العامين الماضيين من عمر الثورة إلا أن التجارب التي قدمت في الأفلام التسجيلية تفوقت بشهادة النقاد على التجارب الهزيلة التي قدمت في الأفلام الروائية الطويلة ، وأجمع النقاد أن الثورة أعادت انتعاش الفيلم التسجيلي على مستوى الكيف والكم مقابل تراجع الفيلم الروائي الطويل. في هذا الصدد قال الناقد السينمائي وليد سيف إن بعض الأفلام السينمائية استغلت حدث الثورة في البداية وقامت بإدراج بعض المشاهد والأحداث على السيناريو الأصلي مثل فيلم "صرخة نملة" ، الذي قام صانعوه بتحويل أحداثه الدرامية في النهاية ليتناسب مع حدث الثورة، رغم أنه مكتوب قبلها. وأشار إلى أن هناك أكثر من فيلم جمع أكبر أحداث الثورة لكنه فيلم وصفه سيف بالهزلي والرؤية الساذجة وهو فيلم "تيك تاك بوم" - للفنان محمد سعد - ، الذي لفق بعض الأحداث على سيناريو الفيلم ليرضي الجميع وليظهر من وقفوا ضد الثورة في بدايتها إلى جانب الثوار، أي الفلول الذين دافعوا عن نظام مبارك اثناء الثورة. وتابع سيف أن من الظواهر الملفتة أن يعتلي السجادة الحمراء في أكبر مهرجانات السينما في العالم مجموعة فيلم "18 يوم" ومنهم من لم يمثلوا الثورة بل منهم من هاجمها. وأشار سيف إلى أن فيلم الفاجومي المستوحى من حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم كان من الممكن أن يكون وثيقة هامة وملحمة شاعرية لهذا الشاعر الكبير، لكن الفيلم لم يكن على المستوى المناسب من حيث الدراما التي قدمها أو على مستوى الإخراج. وأوضح وليد سيف أن فيلم "الشتا اللي فات" للمخرج إبراهيم البطوط كان الأقرب بين الأعمال التي تناولت ثورة يناير، واعتبر أن المخرج إبراهيم البطوط قدم فيلماً تنبأ بالثورة في نهاية فيلمه السابق "حاوي" واستكمله بفيلم الشتا اللي فات ، مضيفاً أن الفيلم تجربة جديرة بالاحترام شكلاً وموضوعاً. أما الناقد عصام زكريا فقد قال إن الإنتاج الفني وخاصة السينمائي أكثر الفنون تركيبا وتعقيداً لأنه يحتاج إلى عوامل انتاج كبيرة، لذا لابد لهذا الإنتاج ان تتوافر له مجموعة من الظروف ، مثل التي توفرت عقب تنحي مبارك ولكن سرعان ما اضطربت الأحداث ودخل الصراع منحني اكثر تعقيد، فتلاحق الأحداث السياسية وضبابيتها لم نستطع تحديد وجهة نظر واحدة، الأحداث غير مستقرة، ولا يوجد شخص قد حافظ علي وجهة نظر واحدة، مما قد لا يوفر ظرفا مناسبا للإبداع ، اذناء الثورة حدث ازدهار للأفلام التسجيلية وهناك مواد كثيرة صورت ولكن القليل منها تم استخدامه حتي الآن. واعتبر زكريا ان الفيلم التسجيلي نص ثورة للمخرج كريم الشرقاوي من أوائل الأفلام التي صورت عن الثورة لأن هناك مسافة بين صناع الفيلم والحدث سمحت لهم ان يشاهدوا بعض الأحداث التي لم نرها، مثل موقف الجيش من الثورة والعنف الذي كان يدار في الشوارع الجانبية للميدان، كما اشاد بالفيلم التسجيلي "العودة الي الميدان" لأن الفيلم تناول فترة ما بعد الثورة، بعدة اشهر،وأوضح ان معظم الأفلام التي صورت خلال فترة 18 يوما ، كانت احداثها واضحة اما بعد ذلك دخلنا في متاهات الأحداث السياسية. واضاف انه يحسب لفيلم "بعد الموقعة" للمخرج يسري نصر الله انه لم يكن فيه ادعاء ، وكان محاولة للتعبير عن الواقع وليس عن الأمنيات، واشار ان الفيلم رصد فترة المشاكل التي وقعنا فيها بعد تنحي مبارك وحتي حادث ماسبيرو. واعتبر الناقد عصام زكريا ان الفيلم الروائي "الشتا اللي فات"، الي حد ما يقدم نوع من التصور الناعم للثورة ووصفه انه نسخة احادية من وجهة نظر الثوار. وطالب زكريا ان يكون الفن شيئا اضافيا وليس شيء دعائي مثل الافلام التي صنعت عن حرب اكتوبر، وقال ان فيلم بعد الموقعة به مشاكل فنيه في البناء والتتابع ولكنه يقدم محاولة اكبر لتخطي الانبهار والدعائية للثورة ليقدم الواقع بشكل أفضل. من جانبها اعتبرت الناقدة ماجدة موريس ان الافلام الروائية لم تتناول الثورة بشكل جاد سوي فيلمي بعد الموقعة والشتا اللي فات، حتي لو قدم الفيلمين جزء تسجيلي في احداثهما،فهو نوع من التوثيق في الافلام الروائية ، لكن تقديم دراما حقيقية عن الثورة لم تأتي بعد ،ولكن هناك محاولات لاقحام الحدث في بعض الاعمال لغرض تجاري وهذا ليس مقبول. واشارت ان الافلام التسجيلية والوثائقية هي المادة الأهم التي قدمت عن الثورة، كما انها قدمت اسماء جديدة لمخرجين لم يصنعوا أفلام من قبل، فالمستوي العام للأفلام التسجيلية يعدي مستوي المتوسط ولكن ايضا ليس فيهم تحفة فنية حقيقية، وعملية الفرز ستأتي بعد ذلك، واضافت انها اعجبت بالفيلم التسجيلي "الطيب والشرس والسياسي" خصوصا الجزء الاول الذي قدمه المخرج تامر عزت والجزء الخاص بشخصية الشرس الذي قدمته المخرجة ايتن امين، وأوضحت ان الجزء الأخير الذي قدمه المخرج عمرو سلامة بعنوان السياسي كان من الممكن ان يكون افضل خصوصا انها المرة الاولي الذي يتهكم فيها فيلم تسجيلي علي شخصية مبارك، لكنه قدمها بتنويعات ساخرة لم تكن هناك رصانة في الصورة السينمائية. واعتبرت موريس ان الفيلم الروائي القصير "برد يناير" هو اقرب الافلام القصيرة التي حاولت الاجابة عن سؤال من اجل من قامت الثورة؟ ، حتي وإن لم يكونوا يدركون انها قامت من اجلهم، كما اشادت بفيلم المخرج علي الغزولي " الشهيد والميدان" وبفيلم المخرج احمد رشوان "مولود في 25 يناير" ، وفيلم اسمي 25 يناير، وهو الفيلم الوحيد الذي انتجه التليفزيون المصري عن الثورة. وعلقت أن الثورة قدمت هدية إلى السينما التسجيلية للتعامل معها من كل الاجيال والاجناس، وقد تكون هناك افلام افضل لكنها تحتاج لفرز، فأبلغ تعبير عن علاقة السينما بالثورة قدمته الافلام التسجيلية حتي الآن. وستظل هذه الثورة ملهمة للسنوات القادمة لصناع السينما الروائية والتسجيلية ، واشارت ان فيلم الشتا اللي فات ينتمي الي نوعية الافلام التي تتحدث عن المؤشرات والمبررات التي ادت الي اندلاع الثورة، رغم ضيق العملية الانتاجية الا ان سهولة صناعة فيلم تسجيلي اعتقت السينما التسجيلية من قيد البحث عن منتج، فالسينما التسجيلية هي اكثر من استفاد من الثورة وليست الروائية حتي الآن.