ربما كانت أبرز التحديات التي تواجه الشرطة حاليا هي تفسخ العلاقات الداخلية في جهاز الشرطة نفسه. أو ما يعرف في المصطلحات النظامية والعسكرية بانعدام الضبط والربط, فلا نعرف كيف تعمل الوحدات الداخلية في الجهاز, ولا طاعة للأوامر التي هي عصب البنيان الشرطي. ولا يخفي علي أحد, ان الأفراد في جهاز الشرطة نالوا حقوقهم المالية, وأصبح الخفير النظامي يتقاضي ما يتقاضاه خريج الجامعة. وتزداد القيمة مع الصعود حتي رتبة المقدم في سلك الضباط, ومع ذلك فإن غياب الانضباط الداخلي أسهم إلي حد كبير في تفشي ظاهرة الانفلات الأمني. الظاهرة التالية في الأهمية في التحديات هي ظاهرة البلطجة وانتشار السلاح, وهي ظاهرة وإن كانت معروفة قبل ثورة يناير, ولكنها كانت علي نطاق ضيق, وأحيانا كانت الشرطة تبرز لهم أنيابها لو تجاوز أي منهم الخطوط المتفق عليها. أما الآن فقط توارت أفعال هؤلاء خجلا أمام بلطجية اليوم في القاهرة والمحافظات, وأصبحت البلطجة تشكل عبئا ثقيلا علي الاقتصاد الوطني, فما بين خوف المستثمرين علي مشروعاتهم ومعداتهم, وسرقة منتجات المصانع, والعربات التي تنقل أنابيب الغاز, إلي منع عمال بعض المحطات الكهربية التابعة للحكومة من إنشائها وتشغيلها, والاعتداء اليومي علي الممتلكات. والتعرض للأطباء في المستشفيات وتحطيم معداتها, وإرهاب القضاة في المحاكم. والتخوف من لجوء بعض المتقاضين ممن صدرت لهم أحكام قضائية ولم يتمكنوا من تنفيذها بسبب الانفلات الأمني وضعف رجال الشرطة, فإن احتمال لجوء هؤلاء المحكوم لهم الي البلطجة لتنفيذ تلك الإحكام وارد, بل من المحتمل لجوؤهم بالفعل الي هذا الأمر. وخصوصا أن بعض مكاتب المحامين كانت تستعين ببعض رجال الأمن السابقين من العاملين في شركات الأمن من أجل إجراء التحريات علي أماكن تواجد المحكوم عليهم واقتيادهم الي رجال الشرطة للتنفيذ عليهم. ولعل ما رأيناه من قيام بعض الأهالي من تنفيذ بعض العقوبات علي بعض المجرمين بأنفسهم كقطع يد اللصوص, وجلدهم, وقطع أذان البعض مما ينبئ عن خطورة. وصلب البلطجية في الشوارع. مما ينبئ عن تفشي ظاهرة العقاب الشعبي, وهي أخطر من ظاهرة البلطجة ذاتها. والسلاح لا يؤدي إلي ترويع الآمنين فحسب, ولكنه يهدد الأمن بصفة عامة, وهو ما ساعد علي انتشار ظاهرة الاعتداء علي مراكز وأقسام الشرطة. والظاهرة الثالثة, هي ظاهرة تسييس الأمن. أي إجبار الأمن علي الدخول في اللعبة السياسية التي تمر بها البلاد حاليا, والانحياز لقوة سياسية بعينها ضد قوي سياسية أخري مناوئة. ونري هذا التحدي الأخير هو أخطر التحديات علي الإطلاق, وللخروج من هذا الأمر ينبغي التركيز علي فكرة إعادة بناء الشرطة لتصبح شرطة لتنفيذ القانون وتطبيقه.