في حوار مع "إيلاف" تحدَّثت الإعلامية ميسون عزام عن العائلة، وطنها فلسطين، العمل السياسي والإعلامي، وخبرتها التي تخطت السنوات في هذا المجال. دبي: محامي الشيطان كما يحلو للبعض تسميتها، والمحاورة الجريئة التي تعرف كيف تقتنص الأفكار وتوقع من تستضيفهم من سياسيين ومحللين في فخ الأسئلة النارية التي تنصبها لهم ليضيعوا بين طيات الحديث فلا يجدون أنفسهم إلا أمام محاورة شرسة ترفض التلاعب على الأسئلة واللإنحياز لطرف دون الأخر. خلف تلك الشخصية القوية تختبئ امرأة رقيقة هادئة وأم أعطت كل حنانها ووهبت حياتها لطفليها "ريان وجنى"، ولكن أصبح عملها جزءًا من شخصيتها ودخيلاً على حياتها ليكون هو الهاجس الدائم. تهتم بالسياسة بشكل كبير ولكن لن تحترفها لأنها ترى أن العمل السياسي أصبح تهمة بعدما كان ميزة. من عالم الفروسية الذي تعتبره عالمًا خاصًا بها تهرب إليه كلما احتاجت إلى الإبتعاد عن الحياة وضوضائها، ومن بين الخيول التي تعشقها تواجدنا لنخوض حديثًا خاصًا ل"إيلاف" مع الإعلامية ميسون عزام. ماذا تعني العائلة بالنسبة لكِ ؟ الاستقرار والامان والحب والحنان، وكل ذلك تشربته من والدتي أمدّها الله بالصحة والعافية وطول العمر واتمنى أن ازرعه في اطفالي. هل تخافين على أطفالك من الشهرة، وهل تشجعينهم في دخول مجال الإعلام مستقبلاً؟ لابنائي كامل الحرية في اختيار التخصص الذي يريدون فقد مررت بتجربة الإكراه في التعليم ولن أرضى ان يمر ابنائي بها. والدي أصر أن ادرس ادارة أعمال باعتباره تخصصًا مناسبًا لفلسطينيي اللجوء في ما يتعلق بإيجاد عمل في لبنان بلد اللجوء، كنت اتفهم مخاوفه لكني كنت أميل للصحافة ولم أتردد في المجازفة وبمباركة الوالدة غيّرت التخصص خلال فترة الجامعة من دون علمه الى أن حان وقت التخرج فأخبرته. والدتي اعطتني كل الدعم في اختياراتي وهذا ما اريده لأبنائي ولكن هذا لا يمنع ان اقدم لهم النصيحة. هناك في الإعلام بعض الحالات التي شوهت صورته ليصبح وكأنه وظيفة من لا وظيفة له، واذا اصبح الامر ظاهرة منتشرة فلن اتردد في ثني ابنائي عنه ولكن من دون ارغامهم على ذلك. تعشقين الفروسية وركوب الخيل ما هو سر ذلك الحب الكبير ؟ لا أعلم ما الذي شدني لعشق ركوب الخيل، ربما أسطورة الفارس على الحصان الأبيض لا ادري، كل ما اعرفه هو ان ركوب الخيل كان امنية استطعت تحقيقها في وقت متأخر٫ لأن الامكانيات لم تكن متوفرة في البدايات. تربطني بالخيل علاقة جميلة لأنه الوحيد القادر على ابعادي عن الضغوط اليومية. هو ملجأي للدخول في صفاء فكري وروحي وجسدي. اعشق ركوب الخيل وقد عشقها أولادي وهذا يسعدني. إذا تطرقنا للحديث عن لهيب الشارع العربي وهذا التجاذب حول الربيع العربي، هل هناك ربيع حقاً أم أنه خريف بدأت تتضح معالمه؟ لا أعلم إن كان ما يحدث في عالمنا العربي ربيعًا أم خريفًا لأننا رأينا كل الفصول في فترة زمنية واحدة وبالتالي الأيام المقبلة هي التي تحد، لكن مهما كانت النتائج والتحولات ايجاباً أو سلبًا، فلا شك بأن الارض كانت خصبة جداً ومهيئة لمثل هذا الحراك الذي شهدته مجتمعاتنا. ففي ظل التقدم التكنولوجي والإنفتاح على العالم المتحضر ووعي المواطن بحقوقه بقيت أنظمتنا تمارس الديكتاتورية والقمع وتتعمق بالفساد اكثر فاكثر، كان لابد من التغيير الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه خصوصًا في ظل غياب الأسس الإجتماعية والسياسية والثقافية التي تدفع نحو انجاحه. نحن لا شك أمام تغيير ولكن الأيام ستحدد إن كان ما حدث هو استبدال لاستبداد بآخر شبيه وان بوجه وإيديولجية مختلفة، أو بفوضى لن تحمد عقباها، أو أننا بصدد ربيع سيحمل معه بشائر الأمل بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كما كان الشعار الأول للحراك. وعلى الرغم من ضبابية المشهد الا أنني اجزم أن الشعوب العربية قادرة على معرفة ما لا تريده، لكنها لم تصل بعد الى المرحلة التي تحدد فيها ما تريد. واذا عرفت فإنها لا تملك آليات التطبيق والانتقال الى دولة المواطنة والمؤسسات. ما هو شعورك وأنتِ تقرأين أخبار الثورات العربية على الهواء مباشرة؟ لم أمر في حياتي كلها بحالات متقلبة غريبة من المشاعر ويصعب وصفها إلا ثلاث مرات فقط، الأولى عندما توفيت اختي رؤى في حادث سير، الثانية عندما زرت بلدي فلسطين لأول مرة، والثالثة عندما أنجبت طفلي ريان وجنى، واعتقد ان الحراك العربي كان الرابع في التأثير على مشاعري فلم يكن من السهل التأقلم مع المتغيرات المجتمعية. كما القذافي في نظرته لشعبه تساءل من انتم؟ أعترف انني في البداية لم أختلف في مشاعري لما يحدث عما قاله وإن كان لأسباب مختلفة. فالقذافي لم يكن يتوقع ان يثور شعبه الخانع عليه وهو ملك الملوك وشعور العظمة ربما أعماه عن الواقع فعاش في انكار لما حدث، أما أنا فلم اكن اتوقع ان في عالمنا العربي من هو قادر على إحداث تغيير أكان ايجابيًا أو سلبيًا. مفهوم القبول بما هو الوضع عليه كان سمة مجتمعاتنا الرئيسية، جميعنا نرفض ما يحدث ولكن لا نتحرك وان فعلنا فبالهمس. تضاربت المشاعر بين مصدق ومكذب بين فرح وخوف. لا انكر ان مشاعري تبعثرت واحتجت لبعض الوقت حتى بدأت أتأقلم مع ما يحدث على الأرض. وما يحدث على الأرض هو حراك لن أؤمن به كثورة إلا عندما تتحوَّل الى كائن قادر على التأثير على ما حوله، فبعد أن ضاعت فلسطين ولم يبق منها إلا صدى شعارات ثورية فارغة، خرجت من جلد المرأة التي تنفعل من كلمة أحبك وأصبحت أبحث عن أفعال لا أقوال. إلى أي مدى استطعتِ التزام الحياد وأنتِ تحاورين ضيوفك من أقطاب السياسة في البلدان العربية؟ في الكثير من الاحيان، خصوصًا خلال نشرات الأخبار يضطر المذيع أن يلعب دور محامي الشيطان، فالوقت قصير ووجهة النظر واحدة وبالتالي لابد أن تقدم حججاً عن وجهة النظر الغائبة. وانا في كل الأحيان كنت محامي الشيطان، فيما البعض يصفني بالشيطان اذ يروا بي الحدة، ولكن هذا لا يعني ابداً انني التزم الحيادية فهناك مواضيع انسانية وقضايا عادلة تجمع عليها الأعراف والقوانين الدولية لا يمكن لي إلا ان ادعمها وبقوة. واذا اعتبر البعض ان دعم ما هو انساني انحياز، فيمكنك ان تعتبرني منحازة في هذا السياق وأطلق الحياد. ما الذي يمكن أن يجعل ميسون عزام لا تتمالك نفسها في حديث مع ضيف أو تغطية لخبر ؟ لا أتمالك نفسي عندما أجد من المفترض أن يكون محللاً سياسياً لكنه من خلال أجوبته لا يقوم الا بالدفاع عن جهة حزبية او إيدولوجيا معنية. اعتقد اننا بحاجة لإعادة النظر بتسمية العديد ممن يقال أنهم "محللون" لان دور المحلل من المفترض ان يتركز على قراءات لأحداث بناءً على معطيات سابقة وحالية، وان يبني عليها توقعاته أو آراؤه لما سيحدث لا أن يجير الاحداث لصالح جهة معينة. نحن نفتقد للمحلل المحايد. ويثير غضبي أيضاً من يقرر ان يستغل وجوده في لقاء معين لإرسال رسالة معينة متجاهلاً تماماً الأسئلة الموجهة اليه. كل انسان لديه رسالة ولا مانع من تمريرها ولكن مع احترام الإجابة على ما يطرح عليه. هل يؤثر الإعلام المسيس على الشعوب، أم أن هذا الأمر صعب في ظل وجود هذا الكم الهائل من المحطات الإعلامية الكبرى؟ فلنكن واقعيين الكم المتوفر ليس بقدر النوعية المطلوبة، ولكن لأسباب اخرى أولها مواقع التواصل الاجتماعي التي حدت من تقنين المعلومة او التلاعب بها لا يستطيع احد ان ينكر ان الكم الهائل من المعلومات التي سربت من الناشطين خلال الثورات العربية دفعت العديد من المحطات الاعلامية لإدراجها في الحسبان مهما اختلف خطها التحريري. أضف الى ذلك دور "الصحافي المواطن" الذي بدأ ينافس في مجال التغطيات الميدانية. علينا أيضًا ان لا ننسى الوعي الذي بدأ ينتشر في عالمنا العربي ان كان بسبب مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الانسان، أو التكنولوجيا والانفتاح الثقافي والمجتمعي مع الآخر. هل وصل إعلامنا العربي الى مرحلة ينافس بها الإعلام الغربي ؟ لا ميسون عزام الإعلامية المشهورة وصاحبة الفكر المتميز هل وصلتِ الى ما تطمحين اليه ؟ الطموح كنز لا يفنى وفي كلّ مرة أصل الى ما أطمح إليه أجدني تواقة لما هو جديد. احب النجاح ولذلك اكون دائمًا في تحد مع نفسي لأني اعتقد اني استحق الأفضل فأسعى دائمًا نحو الاحسن واتعلم من اخطائي. طموحي لا يقتصر علي وعلى عملي فهو يسيطر على مساحات شاسعة من حياتي تبدأ مما اطمح إليه ليصل الى طموحي بالعودة الى فلسطيني يومًا ما. هل يمكن أن تحترف ميسون عزام العمل السياسي في يوم من الأيام ؟ في هذه الايام اصبح العمل السياسي تهمة بعدما كان صفة وميزة، اعتقد اني سأبقى جزءًا من الحدث٫ ولكن الايام ستحدد الكيفية. سانشغل لكن لا اعتقد اني سأشتغل، في ظل غياب الوطن تصبح السياسة لعبة في أيدي اصحاب المال والنفوذ والمصالح، وبالتالي سأجيبك عن السؤال حين يحين وقت العودة. لكِ كتابات كثيرة، هل تشعرين بأن الكتابة هي عالم خاص بعيدًا عن الكاميرا ؟ وماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟ الكتابة بالنسبة لي هي نقل خواطري وأفكاري ومحاولة إيصال ما لا يمكنني إيصاله عبر الشاشة. هي طريقة لنقل رسالة أو فكرة أو هم اجتماعي وفي كثير من الاحيان تجربة او مشاهدات خاصة تثير في داخلي ثورة لا تنطفىء إلا اذا كتبت عنها للناس. أعترف اني مقصرة في هذا المجال، كان السبب في السابق لضيق الوقت أما الآن فاجزم ان توافر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ملاذًا لإيصال رسائلك بطريقة اسرع وقابلة للنقاش والجدل. هناك تغير في طرق التواصل اعتقد انه بحاجة لدراسة خصوصًا أن بمقدور 140 حرفاً ان يؤثر على اجيال وليس افكار فقط. هل تنقلك الكتابة الى عالم خاص بميسون عزام بعيدًا عن الإعلام والحياة ؟ في الحقيقة اعيش الواقع والتجربة عند الكتابة، لكني اعيش عالمي الخاص عند قراءة الروايات. ما هو الشعور الذي انتابك عندما زرت بلدة حطين في فلسطين؟ هل يملكك الحنين الى هناك؟ لقد اختزلت مشاعري عند زيارتي بلدي فلسطين في مقالين أعتقد أنهما اختصرا ونقلا مشاعري دون تحفظ "رحلة في ذاكرة لا أملكها" و"كان اللقاء". أما في ما يتعلق بحطين فلقائي مع من بقي من أقربائي هناك اعاد لي هويتي التي شتتها اللجوء في بلدان اختزلتك بوثيقة سفر لم تعترف هي نفسها فيها ولا بي كانسان، فحرمتني من حقوق مدنية بحجج واهية يجب ان تحاسب عليها في يوم من الايام. احتضنتني عشيرتي التي لم التق بها من قبل أكثر من لبنان الذي عشت فيه فترة لابأس بها من اللجوء. كلما شعرت بالضيق اعود بأفكاري الى أهلي في فلسطين على امل أن اعود يومًا ما لأعيش بينهم على ارضي. في ظل تزايد البرامج الفنية والاجتماعية المستنسخة من الغرب هل يمكن استنساخ برامج سياسية ؟ استنسخوا "دولي" وبالتالي كل شيء وارد، ولكن مهما فعلنا ان لم تتوفر الامكانيات المادية والبشرية وهامش الحرية المتوفر في الغرب فلن ينجح لا الاستنساخ ولا الابتكار. هل تشعرين بأنك راضية عن مسيرتك الإعلامية الى اليوم ؟ دائمًا أبحث عن الأفضل وأسعى نحو التقدم، ولكن اذا نظرت الى ما أنجزته في المجال الإعلامي فأعتقد انه كان يماشي مع ما أصبوا اليه في تلك الفترة، في بعض الاحيان اجدني تفوقت على نفسي. هل سرقك الإعلام من حياتك؟ والى أي مدى يمكنك التضحية من أجل هذه المهنة ورسالتها ؟ لم يسرقني، فقد اصبح جزءًا مني وانا جزء منه. هل من شائعات تعرضت لها خلال مسيرتك؟ كثير فهي جزء من تركيبة مجتمعنا ولكن " يا جبل ما يهزك ريح". كيف ودعتِ عام 2012 وما هي أمنياتك للعام الجديد؟ على الصعيد العام ودعتها وانا فخورة بإنجازات دبي التي ابهرت العالم واتمنى ان تحذو دولنا حذوها في الرؤى.