سالم سالمين النعيمي لماذا يشعر الإنسان بالحاجة إلى الإنتماء لحزب أو جماعة أو تنظيم سياسي ديني؟ يبدو لي أن هناك حاجة نفسية ملحة للإنتماء لهذا الإنسان لم يشبعها المجتمع الذي يعيش فيه، عندما يشعر بالتغريب وأنه خارج المجموعة، وإنْ لم يكن جسدياً فروحياً وفكرياً، فنرى أن لديه حاجه ماسة لإثبات الذات والتعبير عما يدور في خلجاته من فكر وإحساس يراه بأنه الصواب والطريق الأمثل للوصول للمجتمع المثالي. هؤلاء في العادة يعانون من مشكلات نفسية في طفولتهم ونشأتهم وعادة ما يكون الشخص غير اجتماعي أو تعرض لإيذاء نفسي أو جسدي أو ضغوط مجتمعية وأسرية مؤثرة ويصرخ بصوت داخلي يتمنى أن يسمعه كل أهل الأرض "أريد الخلاص من تداعيات الماضي". وبالتالي يكرس حياته لإشباع حاجة القيادة الجماعية لمجتمعه أو الفردية لتنظيمه والشعور بالأهمية والتقدير. وفي حقيقة الأمر، يعيش ذلك الفرد دور المتوهم بأنه صاحب ثقافة ورؤية لا يملكهما غيره، ويردد دائماً لنفسه ويكتب ويصرح بأنه إنسان حر صاحب كرامة ولا يرضى بالهوان، فبالنسبة له تعد القوانين والأنظمة جزءاً من منظومة الكبت وسلب الحرية. وها هي الفرصة تسنح ليبدأ من جديد حياة تتناغم مع قناعته، ففي هذه المرة لم يمل عليه نظام ليتبعه، فلا يقبل الإنصياع للسلطة لغياب الهرم النظامي السلطوي عن نشأته أو هيمنة تلك السلطة وطمسها لشخصيته، فيقدم نفسه عندها قرباناً لحلم وأفكار وضعها منظر يؤمن بالمثالية السياسية الدينية وتحقيق حلم العودة لأمجاد الإمبراطورية الإسلامية وإنهاء ضعف ووهن الأمة وبدء مشروع إعادة إحياء نهضة الحضارة الإسلامية، ليقع ذلك الشخص ضحية لجلد الذات، ويغرق في تبني رؤى وهمية وفريسة سهلة لتخبطات عقله الباطن وخربشاته الفكرية باحثاً عن طوق نجاة للوصول إلى توازن نفسي وهوية خاصة تجعله مختلفاً. إن المنتمي للأحزاب الدينية السياسية يرى في نفسه مسؤول ضبط قضائي لضمير الأمة الإسلامية وقاضي قضاة محكمة وما الحكم إلا لله، وإنزال الصبغة البشرية على حكم الذات الإلهية للبشر والبحث المضني عن ممثل الحاكم على الأرض حسب فهمه وتفسيره لنصوص وحسب معاييره الموضوعة للراسخين في العلم ، فهو يعتقد بأن الشعوب الإسلامية غير مدركة لما يدور حولها من أخطار وتحتاج لوضعها تحت الوصاية حتى تبلغ سن الرشد في فهم القرآن والسنة النبوية. ولكن لا آذاناً صاغية ليطمس عندها الشعور البطولي لديه مما يزيد من سخطه وحقده على كل من لا يتفق معه قاطبةً وتأزم أبعاد الصراع الداخلي، وتمكن قوى الطاقة السلبية منه، عندها يبحث ذلك الشخص عن حلول ترجعه للشعور بالانتماء والأهمية والفخر الذي كان يسيطر عليه كطفل يقرأ ويسمع عن تاريخ أمته العظيم. فوفق معطيات تطور المجتمعات الإنسانية يصبح أمر إعادة سيناريو الحياة السياسية إلى حياة الصحابة رضي الله عنهم مستحيلاً، فحياتهم السياسية كبشر سادها الصراع والنزاع على أحقية تولي السلطة، ومن العبث أن نقول إن السبب كان في عدم تطور وتأصل مفهوم الحاكمية لديهم ليضع الأمور في نصابها دون نزاع وقتال! فالغاية تبرر الوسيلة لديهم باستبدال المسجد بالبرلمان كدار حكم، وفي الغالب يبدأ حلم الخلافة والعودة للإمبراطورية الإسلامية في نظر المنتمي لتلك الجماعات بإصلاح مجتمعه والإنتماء لخلافة مصغرة تتمحور في التنظيم الحزبي، فيكره حقيقة أن هناك حدوداً رسمية بين الدول، وبأنه يملك جواز سفر يذكره دائماً أن حلم الخلافة الإسلامية بعيد المنال، ومع ذلك يشعر بتلك النشوة الخاصة بالتفوق على أفراد مجتمعه لأنه ممثل للفضيلة والمثل العليا. ومن جهة أخرى لا يزال الصراع الداخلي يعيش وينمو في نفوس المنظرين والمنتمين لجماعات الإسلام السياسي لخلق توافق بين الإنتماء للقبيلة والعزوة والقومية والإنتماء للأمة الإسلامية ، فالحزب الإسلامي في الوطن العربي هو القبيلة الحديثة، فإن في هيكلة الأحزاب الدينية في معظم الحالات روح التنظيم القبلي التقليدي بجانبه السلبي فقط، فهو تنظيم قبلي "مودرن" مغلف بطابع ديني خاص لتجد الطاعة العمياء للقيادات في التنظيمات والولاء لتنظيم يأتي فوق الولاء لمؤسسات الدولة الرسمية وقوانينها. نعم تختلف تلك الأحزاب الدينية عن التنظيمات الإرهابية التقليدية، ولكنها تمارس الإرهاب المعنوي والفكري ونظام فصل عنصري حزبي ديني فيه السلطة والمال والأضواء ويحصن زعيم التنظيم نفسه في منصبه حتى الموت بالرغم من أنه أول ما يتحدث عنه في الصحافة وأدبياته هو أهمية تداول السلطة. وطوال تاريخ التنظيمات والأحزاب الدينية السياسية لم يتنازل أي قيادي ولا النخبة المحيطة به عن المناصب والسلطة حتى الممات، وقراراتهم دائماً فوق الجميع بالرغم من الهيكل المقر للتنظيم، ولم نسمع عن زعيم تنظيم مات فقيراً معدوماً بل مليونيراً، تاركاً وراءه زوجات في ريعان الشباب وتدير أسرته إمبراطورية تجارية كبرى. فالمنتمي إلى أي تنظيم أو حزب سياسي ديني تجد منه السمع والطاعة في كل الأحوال، ويعاهد ويبايع أمام الله سبحانه وتعالى القائد على السمع والطاعة ما كان على قيد الحياة، فمسألة خروجه من التنظيم تمثيلية قبيحة تسوق للإعلام لتوجيه رأي العامة وإشغالهم عن القضايا الجوهرية، وتقسيم المجتمع إلى قوى تصب معظمها في الأخير في مصلحة هدف الحزب الأم، فكلما تعرضت أحد هذه التنظيمات والأحزاب للنقد افتعلت أزمة لتمارس بحنكة فن إدارة الأزمة بالأزمة. ويتسائل كثيرون لماذا يكون معظم قيادات التنظيمات السياسية الإسلامية والمستفيدين من وجودهم من الإقطاعيين أصحاب المال والنفوذ؟ ويدور في فلكهم الموالون لتتطور بينهم علاقة تشبه علاقة الأسرة الواحدة حيث تلعب القيادات دور الأب والموالين الأبناء البارين، ولا يقصر الأب في توفير ما يلزم لإبنه من احتياجات والإبن بدوره يقدم له الولاء والطاعة لتتحول تلك العلاقة لرابطة وجدانية، ولا يقبل العضو بتوجيه أي نقد لقياداته ورموز فكر التنظيم والأطروحات التي يتبنونها ويدافع بضراوة شديدة عنها تصل لحد التضحية بالنفس. ومع مرور الوقت تتحول العلاقة لعلاقة نفعية متبادلة تدخل بها هموم ومسائل الدنيا اليومية ليشعر الإبن بأنه لا وجود له منفرداً بدون حماية الأب والسكن في ظل بيته (الحزب) مما جعل الكثير من الانتهازيين ينضمون لهذه التنظيمات وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل .