لا يمكن فصل الفن والثقافة بوجه عام عن التجربة الشخصية، ولأن الإنسان محكوم بالضرورة لتاريخه الشخصي، فإن في ثنايا هذا التاريخ ما هو مرتبط بالطفولة، حكاياها وقصصها، وشغبها ولهوها، ومشاهداتها . في تلك المساحة الشاسعة من الهواجس والرؤى تكمن إنسانية الإنسان ويكمن شوقه لاختبار قدرته على ممارسة الحرية من خلال الإبداع، وفي هذا السياق يمكن توصيف تجربة التشكيلي الإماراتي ناصر نصر الله الذي شكلت ذاكرة المكان بحكايته وتجاربه موضوعاً رئيسياً في كل أعماله حتى اللاحقة منها التي ذهبت باتجاه محاكاة عناصر الطبيعة واستخدامها في أعمال لها خصوصية تنفتح على كل ما هو فطري وله علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحياة . بدأت تجربة نصر الله الفنية في عام 2000 من خلال معرضه "تجارب" الذي وصف بأنه محاولة لمحاكاة ما اختزن في ذاكرته بمقاربة الكثير من الموضوعات والأفكار من خلال الفن، بعد ذلك ألف نصر الله كتاباً في أدب الطفل لمصلحة "دار كلمات" وأتبعه بآخر أسماه "أبجد هوز فنان" متضمناً سبعة نصوص وكل نص يقابله رسم يقاربه، وهو موجه للأطفال من سن 10-14 عاماً، كما نفذ مجموعة من الرسوم أسماها "سيرة ذاتية" يقول عنها التشكيلي د . عبد الكريم السيد "هي بالفعل سيرة ذاتية تمتاز بالعذوبة والرقة وغنى العواطف اللونية التي تملأ اللوحة" . غير أن التجربة اللافتة في مسيرة نصر الله بدأت أثناء وجوده في النمسا مشاركاً في تجربة "الفنان المقيم" في سبتمبر/أيلول 2011 وعن هذه التجربة يقول نصر الله "التقيت بفنانين من مختلف الدول من اليابان وتركيا وأذربيجان فسنحت لي الفرصة للاطلاع على أفكار وثقافات متنوعة، الأمر الذي أفادني في تكوين انطباعات ومدني بأفكار انعكست في أعمال أنجزتها في تلك الفترة، فكانت مختلفة عن أعمالي السابقة" . يسلط نصر الله الضوء على تجربة "عناصر" خلال إقامته في النمسا ويقول "هي عبارة عن مجموعة كتب تحوي أشياء التقطتها من الطبيعة وبعضها من المواد التي تركها زميلي الأذربيجاني فرهاد في الاستديو، كما قمت باستخدام مواد أخرى اشتريتها من محال القرطاسية والتنزيلات" . وقام نصر الله في "عناصر" باستخدام الصمغ والأشرطة اللاصقة وتثبيت هذه الأشياء في دفتره، وحتى هذا الدفتر قام بصناعته من مواد معادة التصنيع لينتج مجموعة الأشكال والشخصيات مختلفة الشكل واللون والملمس . في التجربة نفسها ثمة جزء بعنوان "نطير شرقاً"، وفكرة الطيران هي فكرة حلمية تراود مخيلة الطفولة كما ترواد مخيلة البشر، لما فيها من أبعاد مجازية، وعن هذه التجربة يؤكد نصر الله أن فكرة الطيران هي رمز للحالمين، وهي دلالة قابلة للتأويل في فضاء الرسم، حيث يقوم نصرالله بتجسيد هذا الحلم في أشكال مختلفة، فثمة فتاة تطير من خلال جديلتيها، وثمة مركب شراعي يطير، وثمة كائنات جامدة كإبريق الشاي، وثمة أسماك وطيور وخلافها . في تجربة "المدينة التي هي أنت" والتي نفذها باستخدام مادة الأكريليك على ورق معاد تصنيعه، يحاكي سطراً أدبياً كتبه صديقه سالم المنصوري . وفكرة قراءة النصوص من خلال الفن استخدمها نصر الله في أعمال عديدة، وفيها يلجأ إلى محاكاة بعض الحروف والكلمات، كأن يصف كلمة "اختراع" بقوله "الاختراع هو وسيلة محددة لتنفيذ مهمة، ويمكن اعتباره تطويراً مبدئياً أو تعاون أفكار وأحياناً يحمل تطوراً جذرياً في التكنولوجيا، ما يساعد على تمدد حدود المعرفة البشرية"، في السياق ذاته يأتي استدعاؤه المعاني القاموسية لبعض المفردات والكلمات التي تحملها النصوص الشعرية، كما هو حال تعامله مع كلمة "هيمان" التي وردت في قصيدة الشاعرة العراقية نازك الملائكة، ينظر التشكيلي إلى محطات تطور تجربته الفنية بوصفها سلسلة من التراكم والتعلم ومنها تجربة المشروع بيت الفنان، وهي فرصة للتعامل مع المحيط وبناء أفكار جديدة من خلال الرسم . يشارك ناصر نصر الله في آذار في العام الحالي في بينالي الشارقة الدولي الذي تنظمه مؤسسة الشارقة والإعلام بعمل عنوانه (محول القصص) وهو عمل ينبني على فكرة تفاعلية محورها اختيار لمجموعة من النصوص التي كتبت من قبل أصدقائه ومعارفه وكذلك النصوص التي يختارها هو، وهي بالضرورة كتابات تحمل معاني ودلالات وأفكاراً متنوعة وسيقوم بتحويلها إلى مخرجات فنية تعيد صياغة هذه النصوص تبعاً لفهمه للفن . وبشأن جديده أيضاً سيشارك نصر الله في المعرض السنوي الحادي والثلاثين الذي يقام في هذا العام تحت عنوان (وحوش صغيرة) وسوف يقوم في هذا المعرض الذي يتألف من 100 لوحة صغيرة بحجم 18 في 21 بدمج عنصرين أو ثلاثة عناصر من البيئة المحيطة في إطار فني مفترض، ويوضح فكرة هذا العمل بإعطاء توضيح للوحة من اللوحات التي ستشارك في المعرض، وهي عبارة عن زجاجة ماء رأسها يظهر على شكل بومة . جدير بالذكر أن المادة الخام المستخدمة في المعرض تتكون من الحبر الأسود على ورق . وفي ختام حديثه يؤكد نصر الله على أن العالم باب مفتوح على التجربة والمحاكاة وهو لا يقف عند حدود واحدة، كما أنه ميدان مقترح لإعادة توصيفه من خلال الفن بناء على ثقافة ومعطيات العصر، وبحسب ما يكتسب الفنان من مهارات وتجارب تساعده على الاستمرار والإيمان بدور الثقافة والفن مجتمعين في رسم مستقبل الإنسان وتطوره . يشغل نصر الله حالياً منصب نائب رئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وهو سفير لمؤسسة كتب اليافعين بالفرع الخاص بدولة الإمارات العربية المتحدة . شارك في معارض عدة داخل الدولة وخارجها، و له معرض شخصي في متحف الفن المعاصر في الشارقة عام ،2009 كما أسهم في تقديم العديد من الورش الفنية في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية .