لقد ارتكزت الفنونُ الإسلاميةُ التاريخيةُ في عمومها على هيئات بنائية تمتاز بالإفصاح المنضبط عن تفاصيل المكون البصري المؤلف لأنسجة المسطحات الحاوية لها، مع الإسهاب في التكرار والارتقاء بصنعة الجمال، على نحو وضع قسماً كبيراً من نتاجات هذه الفنون، ضمن أطر تطبيقية لصيقة بحياة خصوص الناس وعمومهم، خاصة ما يرتبط منها بفن العمران الحافل بالزخرف والنقش ومشغولات الخشب والمعدن إلى جانب الزجاج، وإزارات الخط العربي، وبلاطات الخزف، ونحو ذلك من ممارسات التطبيق اللاحصرية المرتبطة . إلا أن هذا التصور يظل مرهوناً بذهنية وفلسفات سالفة دفعت القائمين على الإنتاج للعمل وفق ضوابط وأسانيد، قليلاً ما تم تجاوزها لمصلحة إحداث فوارق جوهرية، ما جعل سمة التزيين واحدة من نعوت ألصقها المنظرون ومؤرخو الفن الغربيين بعموم الفنون الإسلامية، وهو ما يُعد في وجهة نظرنا جوراً يُجانب الموضوعية، فما يُقال عن الزخرف مثلاً لا يُمكن الاعتداد به في الرسوم والتصاوير الواردة خلال المتون المخطوطة، وإن كانت هناك قواسمٌ مشتركةٌ بينهما، فهي لا تتعدى في مثالنا هذا حدود فكرتي التسطيح واللون، وربما تكرار الوحدة البنائية . وبمتابعة وتحري تأثيرات الفن الإسلامي على ما يُنجز من فنون بصرية سواء في الشرق أو الغرب، نجد أن هناك مساحة مفتوحة وشاسعة تحتاج للتأمل والتحليل والسعي لمقاربتها تنظيرياً في دراسات معمقة لا شك في ندرتها بين ما يكتب بالعربية حول الفنون، ومن هنا تأتي هذه المقاربة الموجزة والمقتضبة بما عند ما يُمكن الاعتداد بانتمائه إلى حيز الصيغ الشكلية المتجددة التي هي بمآل الحال تقود إلى أنواع أخرى من الصيغ المتحركة من الإيمائي إلى الصريح، ومن الواقعي إلى المجرد، وبالعموم من التقليدي نحو المفاهيمي منطلقة في سبلها تلك من المحاكاة إلى الاستلهام سواء كان بادياً أو متوارياً أمام العين الرائية والذائقة المتفاوتة في مستويات التلقي . وعلى سبيل المثال، في لوحة القهوة العربية التي يعود تاريخ إنجازها إلى العام ،1913 وهي من أهم لوحات (هنري ماتيس) المنجزة إبان رحلته إلى المغرب، نجدها وقد أحيطت بإطار بسيط التكوين على غرار ما وجد في منمنمات وتصاوير المدرسة العربية، وهو ما عرف بإطار حبات اللؤلؤ، كما نجد اللوحة تقدم المكان في هيئة تجريدية أو اصطلاحية مقتضبة من خلال بائكة من العقود قد احتلت مساحتها في عمق اللوحة اعتمادا على جملة من خطوط غابت عنها التفاصيل وأوحت بروح المكان على نحو ما بدأت به المنمنمة الإسلامية في عدد كبير من مخطوطاتها الأولى وقد بدت العمارة المطروحة خلالها عمارة خطية النمط واصطلاحية لا تحفل كثيراً بالتفاصيل ومثالاً لذلك منمنمة (الملك بلاذ وزوجته إيراخت) من مخطوط كليلة ودمنة المرسوم في العام الهجري 622 على وجه التقريب، والمحفوظ حالياً في المكتبة الأهلية في باريس، وكذلك منمنمة (مشهد داخل حجرة تعلوها شخشيخة) من مخطوطة مقامات الحريري برسوم الواسطي في العام الهجري ،634 وهي محفوظة في المكتبة الباريسية ذاتها، إضافة إلى نماذج عديدة أخرى كمنمنمة (أبوزيد وزوجته أمام القاضي) من نسخة مقامات الحريري المنسوبة إلى سوريا، والتي يرجع تاريخها إلى القرن العاشر الهجري، ومنمنمة (زيارة جامباسب لأسفنديار في سجنه) من مخطوطة الشاهنامة المرسومة في القرن الثامن الهجري . محمد مهدي حميدة