ومن هنا تتضاعف صعوبة ومسئولية المخرجين الشباب في تقديم الأعمال الكوميدية ويتزايد احترامنا لتجاربهم غير النمطية مثل تجربة خالد جلال في ورشة الابداع الجماعي بمركز الابداع بالأوبرا والتي كان من نتاجها عدة عروض رائعة لعل أبرزها قهوة سادة.. ولأن مصر ولادة والمبدعون فيها يظهرون في أصعب الظروف فالساحة المسرحية رغم ضعف الامكانيات تبشر بظهور جيل رائع من المخرجين الشباب أذكر منهم علي سبيل المثال محمد الصغير ومعتز مغاوري واسلام أمام مخرج مسرحية حنظلة علي مسرح الطليعة ورغم انني لم أشاهد لإسلام إلا عرضين اثنين هما السفينة والوحشين وحنظلة إلا أنه استطاع ان يلفت النظر بقوة إلي وجود مخرج واع صاحب رؤية وفكر وتذوق عال للكوميديا وجرأة في تسكين الممثلين في ادوارهم في البداية هو اختار نصا للكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس يرجع تاريخه إلي عام1978 يرصد فكرة القمع في حد ذاته وتهميش دور المواطن والقضاء علي احلامه حتي البسيطة منها والذي يشاهد مسرحية حنظلة يتصور أنها كتبت أخيرا لشدة تماسها مع الواقع المعاش وهذا هو حال النص الجيد بشكل عام حافظ المخرج علي روح المسرحية وافكارها الأساسية لكنه أطلق الحرية لنفسه ولمجموعة الممثلين في تعصير وتمصير الحوار حتي يبدو موائما للظروف الحالية. المسرحية باختصار تتناول مشكلة عامل نظافة بسيط اسمه حنظلة يخرج من بيته لشراء مجلة تتحدث عن الأبراج والتنجيم أرضاء لزوجته المفتونة بهذا العالم وفي الشارع يجد نفسه عرضة للاشتباه الأمني ويسجن ظلما لمدة ستة أشهر قيد التحقيق ثم يخرج بعد تقديم رشوة لجندي الأمن فيجد زوجته قد تحولت إلي بائعة هوي ويجد المصلحة التي كان يعمل فيها تفصله لتغيبه عن العمل ولا يقبل أحد تشغيله لأنه رد سجون فيمرض ويعاني الأمرين من سماسرة الطب وتجار المستشفيات الخاصة, ويذهب إلي رجل صالح ليشكو حاله ويكتشف انه دجال وتاجر وهم وهكذا سلسلة من المواقف الكوميدية حتي يضطر حنظلة إلي الثورة علي كل شئ لكن الثورة تسرق منه وتنسب لغيره وتظل الأوضاع معوجة كما هي فقط يعطون لحنظلة اكليلا من الورد كالذي يوضع علي شواهد القبور.. قدم دور حنظلة أحمد فتحي الذي اشتهر كثيرا بتقديم الأدوار الكوميديةالصغيرة والقدرة علي الارتجال لكنه في هذا العرض يقدم النموذج التراجيدي الوحيد في المسرحية وقد نجح في أداء المونولوجات الجادة بنفس قدرته علي الاضحاك وأثبت أنه ممثل حقيقي يصلح لجميع الأدوار وقدم ياسر عزت شخصيتي الدجال والطبيب المستغل بحضور مسرحي ودون مبالغة كما نجحت سماح سليم رغم ملامحها الطفولية الطيبة في تجسيد شخصية الزوجة المنحرفة والممرضة في المستشفيات الخاصة وهي ممثلة مجتهدة يرتفع مستواها مع كل عرض جيد تقدمه أما مفاجأة العرض فهما الثنائي أحمد عبدالهادي الذي لعب دور جندي الأمن المرتشي والطبيب الجاهل ببراعة وخفة ظل غير عادية وأمجد الحجار الذي ظل متمسكا بشخصية مغني الأفراح الغلبان الذي أقنع نفسه أنه المطرب الأوبرالي بافاروتي أما شادي عبدالسلام فرغم اجتهاده في التمثيل الكوميدي إلا أن صوته القوي الجميل يعرض عليه أن يعيد التفكير في اختيار أدواره قام بأدوار الرواة الفنان الموهوب محمد علي رزق الذي سيؤكد نفسه ضمن نجوم الكوميديا في القريب العاجل ورشا جابر التي تمتلك موهبة كبيرة وقدرة علي تقمص شخصية الرجل في صوته وحركته.. وبقي أن نحيي الفنانة آيات مجدي التي تؤدي دورها جالسة وتنجح في إثارة الضحك رغم اصابتها بكسر في قدمها لكنه عشق المسرح والاحساس بالالتزام أمام الجمهور.. بقي أن نشير إلي كلمات الأغاني خفيفة الظل لعبدالله الشاعر وموسيقي وليد الشهاوي والديكور البسيط المعبر لمحمد هاشم وتصميم الملابس لمها عبدالرحمن وأخيرا تصميم الدعاية الفكاهي المبتكر لأحد نجوم العرض وهو أمجد الحجار.