أقامَ مخيمُ الفنونِ ضمن فاعلياتِ معرضِ القاهرةِ الدولي للكتابِ أمس ندوةً تحت عنوان "الدراما التاريخية والثورة" شارك فيها الناقدُ الأدبي مدحت الجيار والمؤرخُ خلف عبد العظيم الميري وأدارَ الندوةَ محيي عبد الحي المشرف العام على النشاط الفني بالمعرض الذي أوضح أن قضية الدراما التاريخية والثورة موضوعٌ غاية في الحيوية ولم يتعرض له الكثيرون. وأشار محيي إلى أنه لتعريف معنى كلمة التاريخ نحتاج لسنوات طويلة وما ستفعله الندوة هو إلقاء الضوء على نقاط حول التاريخ وأضاف محيي أن الدراما بدأت منذ بدأ الخليقة مع سيدنا آدم عليه السلام. بدأ المؤرخُ خلف الميري حديثة قائلا: "في أمسية جميلة سعدَ فيها بملاقاة رواد معرض الكتاب وقدم الشكر لكل القائمين على التنظيم لما يبذلونه من جهد كبير ووجَّه التحية لجمهور المعرض المنْجِح الحقيقي لأنشطة المعرض، مضيفًا أن القوى الحقيقية الباقية الآن لمصر هي الدراما. وعبر خلف عن قلقة بشأن زحف الدراما غير المصرية إلى شاشتنا التليفزيونية وهي ما تسمى بالقوى الناعمة. وعن تعريف الدراما قال خلف: إنها تسلسل العمل الفني الذى لدية القدرة على نقل ما يحدث فى دائرة الإبداع إلى المُشاهد أي صياغة عمل إبداعي مكتوب أو مسموع أو مرئي، والدراما هي مرآة الواقع وكما قال يوسف وهبي: "وما الدنيا إلا مسرح كبير" وهذا يعنى أن الدراما لديها القدرة على طرح تصورات لنقل المجتمع ككل لرحاب أوسع ومستقبل أكثر إشراقا. وأضاف أن المنجزات المصرية تستحق أعمالًا درامية تعبر عنها والموجود حاليًا أعمال متنافرة فرادية، وفي عصر عبد الناصر كانت مصر مالكة للقوى الناعمة التي اخترقت كل الأرجاء العربية وأصبح لها دور مهم في العالم الثالث، ومع ذلك عجزت الدراما المصرية على مجارت إنجازات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر باستثناء فيلم ناصر 56 لمحفوظ عبد الرحمن الذي يرفع له القبعة على تناولة الراقي لهذه الجزئية من حياة ناصر. وأكد خلف أن مصر لديها الطاقة الخلاقة فى إطار المبدعين والنقاد والمخرجين وما ينقصها في تصوره إلا وجود دور للدولة في دعم الدراما المصرية وكان للدولة في الفترة الناصرية دور مهم وكبير وبالتالي ظهرت الأعمال الضخمة العظيمة؛ لتعبر عن الواقع بشكل ملحمي ومع فترة المخلوع حسنى مبارك غاب دور الدولة تماما وتركت للمنتج الخاص الذى هدفة الأساسي تحقيق المكسب بخلاف القيمة الفنية، ويجب أن تتضافر الدولة مع القطاع الخاص لإنتاج أعمال درامية محترمة. وعن تاريخ ثورة يناير قال خلف: إنه لا يمكننا الآن فعل ذلك لأننا لازلنا في محترك الأحداث، ولكن يمكن للمؤرخ أن يرصد الواقع ويناقش الأسباب التي أدت لاندلاع الثورة وأهم دوافعها ويرصدها من خلال عمل درامي فى جزء أول وجزء ثان عن كيفية اندلاع هذه الثورة ويستطيع أن يقدم من خلال جزءًا ثالثًا الوثائق السرية والكواليس لهذه الثورة المجيدة. وعن حقيقة تعرض الدراما المصرية لأزمة قال خلف: إن الدراما المصرية جزء من مصر، ومصر كلها في أزمة. وعقب عبد الحي أنه يمكن للدراما أن تتناول التاريخ أكثر من مرة بأساليب مختلفة وحرفية والمؤرخ له دورة فى مراجعة المادة والحقائق التاريخية للخروج بعمل محترم. ثم بدأ دكتور مدحت الجيار حديثه قائلا: إن موضوع الدراما التاريخية متشعب جدًّا ويحتاج وقتًا طويلًا للمناقشته، ولكن فى البداية يجب أن نعرف ماذا تعني كلمة تاريخ؟! التاريخ هوحركة الزمان وحركة الإنسان داخل هذا الزمان وإذا تحركا معًا قوي المجتمع وازدهر، وطرح مدحت سؤالًا: لماذا تلجأ الفنون والآداب للذهاب إلى مرحلة تاريخية لتقديمها، وأجاب بأن الحقيقة أن مع مرور لحظات ضعف بأي أمة يستتبع هذا الضعف باستعادة فترة تاريخية كانت الأمة فيها مزدهرة لبث روح التفاؤل والٌإقدام لدى هذه الأمة، والتاريخ يساعد في حل مشكلات الواقع الراهن. وعن استرجاعنا لتاريخنا العربي والإسلامي المزدهر قال الجيار: إن هذا نتيجة وقوع العالم العربي الإسلامي تحت الاستعمار الذي أول شيء يفعله أن يقطع الصلة ما بين الشعوب المستعمرة وتاريخها القديم حتى تيأس الأمة من الخروج من الاستعمار، والمستعمرون في لحظات التخلف والضعف الأولى لهم وعندما كان العرب يمتلكون حضارة عظيمة أخذوا أفكارًا من تاريخنا استخدموها في بناء حضارتهم التي علت فيما بعد فما وصلو إليه من الأصل يؤول إلينا، وبالتالي ينظر المؤرخ إلى لحظات القوة فى التاريخ ليؤرخها وأيضا يحلل لحظات الضعف لمعرفة أسبابها. وأضاف الجيار بأن تأريخ الفترة مابين ثورة 1919 وثورة يوليو 1952 يثبت أن الفكر المصري رغم الاستعمار نجح فى عمل ثورة ودستور وتاريخ يفخر بة ولولا الحرب العالمية الثانية لتغير وجه التاريخ والمسألة ليست أن يأتي التاريخ حشوًا فى النص الدرامي ولكن يأتى بميزان الذهب. وعن النماذج التاريخية فى درامتنا المصرية قال الجيار: إن المسلسلات التاريخية في درامتنا إما أنها مسلسلات الجاسوسية التى تلاقي نجاحًا كبيرًا مع المتلقي وتعمل على إيقاظ الوعي القومي، أو تقديم شخصية تاريخية مثل أدهم الشرقاوي وهو بطل من أبطال التاريخ الحديث الذي مجَّد هذا البطل من خلال العمل الدرامي فى حين أن مجلة اللطائف المصورة في عددها المهم عن مقتل أدهم الشرقاوي كان المانشيت الرئيس لها مع صورة أدهم "سقوط الشقي أدهم الشرقاوي" ومن هذا نستنتج أن المجلة كانت تحت ضغوط وسيطرة كاملة من القلم السياسى آنذاك. وشكر عبد الحي الجيار على إبحارة السريع عن بعض الالتباسات التى تدور بأذهاننا حول تزاوج التاريخ بالأدب والدراما من خلال النقاط المهمة التي تطرَّق إليها. وعن سؤال أحد الحضور حول مسلسل الجماعة قال الجيار: إن مسلسل الجماعة لوحيد حامد كان في ظل تنامى القوى الإسلامية على الصعيد السياسي والمسلسل محاولة لإعادة تاريخ الجماعة والنظر إليها نظرة مختلفة عن السائدة فى المجتمع المصري.