يسعى سكان حماة لإعادة كتابة تاريخ مدينتهم وكشف كل ما حاول النظام التستر عليه. وأطلق الناشطون حملة لاحياء ذكرى مجزرة حماة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ورسوم الغرافيتي على الجدران، متحدين السطوة الأمنية التي يفرضها الأسد على المدينة. بيروت: تتناقض ظروف التغطية الدولية والنشاط الإعلامي في سوريا بشكل حاد مع التعتيم الذي كان طاغيًا في العقود السابقة، والذي سمح للنظام السوري مطلع الثمانينات من القرن الماضي بقتل الآلاف في حملة استمرت شهرًا على حماة (وسط) التي تحيي ذكراها الحادية والثلاثين. أصبح لحماة صوة ويقول أبو طارق (43 عاما) المتحدر من حماة والذي نزح منها الى شمال لبنان مع عائلته قبل نحو عام، إن "الفارق بين العام 1982 والوقت الراهن، هو اننا حاليا لدينا صوت، والعالم يستمع الينا". ففي الثاني من شباط (فبراير) 1982، أطلق الرئيس السوري في حينه حافظ الأسد، حملة عسكرية قاسية على مدينة حماة استمرت قرابة شهر، سعيًا الى سحق انتفاضة بقيادة جماعة الاخوان المسلمين. أسوأ عملية منفردة في التاريخ السوري وتقدر منظمات حقوقية إن هذه الحملة أدت إلى مقتل ما بين 10 آلاف و40 ألف شخص، في ما يعد أسوأ عملية منفردة في التاريخ السوري الحديث. كما لاحق القمع في وقت لاحق كل من يشتبه بانتمائه الى الجماعة، وصولا الى فرض حكم الاعدام بحق هؤلاء. لكن الهجوم العسكري الساحق على المدينة لم يحظ بالتغطية سوى من صحافيين اثنين، وصل احدهما الى حماة بعد انتهاء الحملة. ويقول إبو طارق "لسنوات طويلة، كان سكان حماة يهابون مجرد الحديث عن عمليات القتل التي حصلت، خوفا من ان يكون مصيرهم السجن". كسر جدار الصمت لكن منذ منتصف آذار(مارس) 2011، تاريخ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بسقوط الرئيس الحالي بشار الأسد الذي خلف والده حافظ بعد وفاته العام 2000، كسر الآلاف من السوريين جدار الصمت الذي حجب مأساة تاريخية. واليوم، اطلق العديد من الناشطين في حماة، والذين ولد عدد كبير منهم بعد العام 1982، حملة لاحياء ذكرى المجزرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ورسوم الغرافيتي على الجدران، متحدين السطوة الامنية التي تفرضها القوات النظامية على المدينة. "لن ننسى" وملأ الناشطون المقيمون في حماة صفحاتهم الخاصة على موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي، باشرطة مصورة لمقابلات مع ناجين من "مجزرة" 1982، اضافة الى صور لدواليب المياه الرمزية في المدينة مع شعارات كتب فيها "لن ننسى". وفرضت القوات النظامية التابعة للرئيس بشار الأسد سيطرتها الكاملة على المدينة التي تضم عددًا كبيرًا من المعارضين للنظام، اثر حملة عسكرية واسعة في صيف العام 2011. ويقول ناشط ومصور هاو في المدينة عرف عن نفسه باسم "أبو العز"، إنه "ورغم محاولات النظام لاسكاتنا، ثمة نحو 300 ناشط إعلامي ومصور هاو ينشطون في المدينة حاليا". اضاف الشاب البالغ من العمر 24 عاما، ان هؤلاء "يوفرون تغطية متواصلة للاحداث في كل لحظة من اليوم". تحدي النظام ويعتمد الناشطون في المدينة على فايسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، لتحدي القيود التي يفرضها النظام على نشاطاتهم، وللتواصل مع ناشطين في بلدان اخرى. ويقول أبو العز "نسقنا مع ناشطين في مصر وايطاليا ليقوموا بتنظيم وقفات احتجاجية خلال عطلة نهاية الاسبوع احياء للذكرى الحادية والثلاثين لمجزرة حماة". يضيف "في حين كان اهلنا خائفين من التحدث علانية عما جرى، كسرنا نحن الشباب كل المخاوف على رغم الصعوبات" التي يواجهونها. وبالنسبة الى طبيب في حماة تحدث عبر الانترنت شرط عدم كشف هويته، لجأ شباب المدينة الى التكنلولوجيا الجديدة لاعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة، وكشف كل ما حاول النظام التستر عليه من فظاعات الماضي. ويقول "لم يكسر الناشطون الإعلاميون الصمت في سوريا حول الاحداث الراهنة فحسب، بل ابتكروا ايضا وسائل جديدة للحديث عن الماضي". يضيف "انهم يقودون الطريق للشعب السوري للخلاص من الروايات الرسمية عن التاريخ. دورهم ابعد بكثير من مجرد ابقاء وسائل الإعلام العالمية على دراية بما يجري". تعتيم إعلامي لكن ناشطًا إعلاميًا قدم نفسه باسم "مصعب"، يقول إن تسليط الضوء الإعلامي على سوريا، لم ينجح في وضع حد لنزاع مستمر منذ اكثر 22 شهرًا واودى باكثر من 60 الف شخص. ويقول من مدينة حماة عبر الانترنت "ما زال النظام يبذل قصارى جهده ليحافظ على تعتيمه الإعلامي على ما يجري، على رغم ان عددًا كبيرًا من المراسلين دخلوا سوريا في الفترة الماضية". ويعرب عن قلقه لانه "وعلى رغم التغطية الإعلامية لما يجري، ما زال على العالم أن يتحرك تجاه ما يجري في سوريا. الإعلام ولد تضامنًا عالميًا مع السوريين، في حين كان الصمت سيد الموقف في العام 1982". يضيف "لكن التضامن لا يشكل بديلًا عن التحرك الواقعي، وهذا هو المطلوب لوقف القتل".