منذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف كانت الدورة الأولى لمعرض الكتاب في شارقة الثقافة ليترجم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة رؤيته للثقافة باعتبارها أهم مفاصل التنمية وبناء الإنسان الواعي، ذلك أن القراءة تعزز حضور الإنسان ووجوده، وبقدر ما يقرأ فإنه يكتسب معرفة جديدة وتتسع آفاق تفكيره، ومن خلال ذلك يستطيع كسب نفسه وذاته، ويوجد لنفسه حياة متجدة تتسم بالاستقرار النفسي والاجتماعي، فلا حياة لمن ليس له علم أو معرفة، ولا يستطيع الإنسان أن يكسب احترام الآخرين له إلا بالقراءة، ولا يستطيع أن يجد له موقعاً في سياحة الحياة إلا بالقراءة، حيث تمكنه من فهم دقيق للحياة . في ضوء هذه المعطيات وأهمية الوعي لفهم المتغيرات السريعة في المفاهيم والقيم التي أصبحت تحكم الإنسان والدول في عالم اليوم، يأتي تنظيم معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الحادية والثلاثين، ليؤكد أهمية استمرار هذا المعرض باعتباره معيناً ثقافياً ومنه نستلهم زادنا الثقافي الجاد الذي نحن في أمس الحاجة إليه ونحن نواجه ظروفاً كهذه . إن هذا المعرض الذي أصبح يشكل نافذة متجددة للثقافة والوعي يستقطب مختلف الفئات العمرية والجنسيات المتعددة المؤلفة لمجتمع الإمارات، والذين يحجون إلى هذا المعرض خلال دوراته الماضية وفي كل عام إنما يؤكد مدى حاجتنا اليوم إلى ثقافة جادة تكون سلاحاً لنا لفهم طبيعة التحولات السريعة التي يشهدها العالم والانقلاب الكبير في القيم والمفاهيم الفكرية التي تشهدها الساحة الدولية، كما تأتي أهمية هذا المعرض من كونه يشكل إضافة نوعية في موسمنا الثقافي، ومن خلاله نتمكن من معرفة موقعنا من خريطة العالم الجديد الذي تحكمه مفاهيم جديدة ومعايير متباينة في بعض الأحيان، وكما يأتي هذا المعرض من كونه يمثل رئة يتنفس من خلالها المتعطشون للثقافة والوعي، لا سيما في ظل رغبة أكيدة لدى مختلف شرائح المجتمع في بناء حوار علمي يسهم في بناء المستقبل ويحصن المجتمع من أية هزات أو يجنبه أياً من حالات الاحتقان . تبقى معارض الكتاب التي تنتظم في دولة الإمارات كأهم الأحداث الثقافية في موسم الثقافة، ويبقى معرض الشارقة الذي تحتضنه عاصمة الثقافة في الإمارات، وإحدى عواصم الثقافة العربية والإنسانية، كأهم الأحداث الثقافية نظراً لما يصاحبه من فعاليات وبرامج ثقافية مصاحبة له حتى أصبح تقليداً سنوياً يستحق أن نتوقف عنده، فلم يعد هذا المعرض مكاناً لعرض كل ما هو جديد من عالم الكتاب والنشر في العلوم المتخصصة، أو المعارف العامة فحسب، ولم يعد معرض الكتاب يروي المتعطشين للثقافة والمعرفة من رواد ومرتادي هذا المعرض رجالاً كانوا أو نساءً صغاراً كانوا أو كباراً فحسب، وإنما تتأكد أهمية معرض الشارقة للكتاب في الندوات والفعاليات الثقافية المصاحبة له، فحينما تستقطب اللجنة المنظمة كوكبة من المفكرين والعلماء والمحللين والمبدعين في الشعر والأدب إنما يعزز أهمية الحدث الثقافي، ومع مرور أكثر من ثلاثين عاماً على هذا المعرض أصبح تقليداً سنوياً ينتظر مختلف شرائح المجتمع إماراتيين وعرب وأجانب . وما كان لهذا العرس الثقافي ليحقق كل هذا النجاح والحضور لولا وجود رعاية كبيرة واهتمام صادق ودعم كبير ومتابعة حثيثة من رجل الثقافة وصانع أجيال المعرفة والعلم والثقافة صاحب السمو حاكم الشارقة الذي آمن بالثقافة طريقاً والوعي منهجاً حياتياً لأولئك الراغبين في التحرر من دياجير التخلف والتبعية، والمؤمن بأهمية الثقافة في حياة البشر والمجتمعات لا سيما أن الثقافة الجادة تعزز الانتماء للعقيدة، وتقوي الولاء للأرض والوطن، وهي سبيل نحو النهوض بالإنسان والمجتمع، هكذا كان ديدنه، وفي هذا السبيل يسعى دوماً . تأتي أهمية هذا المعرض في دورته الجديدة ليمثل عرساً ثقافياً سنوياً يحج إليه المتعطشون للثقافة والمعرفة والحالمون بمستقبل زاهر، وتحت مظلة هذا المعرض يلتقي رواد المعرفة والثقافة، حيث يتحدد اللقاء في هذا العرس ويصبح للقاء معنى، حينما يتطارح أهل العلم والمعرفة حقيقة الواقع بكل تجلياته ومعطياته والمعايير التي تحكمه، كما تأتي أهمية هذا المعرض حينما يتناقش فيه المشاركون في ندوات هذا المعرض وملتقياته قضايا الإنسان العربي والمستجدات التي تشهدها الساحة العربية وتشخيص الواقع العربي في مختلف مساراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية وسبل خروج أمتنا العربية من مأزقها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . ها هو معرض الكتاب في الشارقة يزف إلينا عرساً جديداً، ويعود إلينا هذا المعرض بثوبه المتجدد وعطائه المتدفق، ويحمل إلينا دعوة لتجديد خلايا الفكر والوعي، ويهدينا العلاج المناسب لتحصين الإنسان والوطن من أي تصدع أو وهن، ويقي وطننا وأمتنا تداعيات الصراعات الدولية والأزمات العالمية . لقد قدم هذا المعرض عبر دوراته السابقة عدداً من المفكرين والأدباء والكتّاب من أبناء الإمارات من خلال دعوتهم للمشاركة في منتدياته وفعالياته، كما كان هذا المعرض يشكل فرصة سانحة أمام كتّاب وأدباء الإمارات كي يقدموا ويعرضوا من خلاله إنتاجهم الفكري والإبداعي، فضلاً عن دعوة المنظمين لهذا المعرض كل المؤسسات المعنية بصناعة الكتاب من دور نشر ومطابع ومؤسسات أهلية وحكومية وجمعيات النفع العام لتقدم ما لديها من إنتاج علمي وإبداعي وفكري . راعي الثقافة صاحب السمو حاكم الشارقة يحرص على افتتاح هذا المعرض والمشاركة فيه من خلال إصداراته، ويوجه في كثير من الأحيان بشراء الإصدارات الجديدة من دور النشر لدعم الكتاب والمبدع والناشر ويرفد بهذه الكتب المكتبات العامة والمؤسسات العلمية في الشارقة . ولقد كان لي شرف المشاركة في معرض الكتاب في دورات عديدة باعتباري الناشر الإماراتي الأول من خلال دار المسار للبحوث والدراسات والنشر التي أسستها في الشارقة باعتبارها حاضنة للثقافة والناشرين، وقد وجدت كل الدعم من قبل سلطان الثقافة لا سيما حينما وجه بحضوري والمشاركة في اجتماعات اتحاد الناشرين العرب، وقبولي عضواً في ذلك الاتحاد باعتباري ناشراً إماراتياً . لقد أفرزت دورات معرض الكتاب في الشارقة الكثير من الكتب والإبداعات الإماراتية، وقدم هذا المعرض في كل دورة عدداً من الوجوه الإبداعية التي مع مرور الوقت أصبحت من رموز الثقافة والإبداع في الإمارات . ها هو معرض الكتاب في الشارقة أو العرس الثقافي المتجدد يعود إلينا في ثوبه الجديد وبعطائه الكبير، ليؤكد أهمية معارض الكتب وليمنح الشارقة خصوصية تنظيم مثل هذه الأحداث الثقافية المتخصصة، وليؤكد هذا العرس قدرة أبناء الإمارات على توفير كل أسباب النجاح لمثل هذه الأحداث الثقافية وليؤكد هذا المعرض الحضور المتجدد والنوعي لشارقة الثقافة في الخريطة الثقافية العربية والعالمية .