مثلما كانت القبائل العربية تتفاخر حين يولد لها شاعر، وتقدم الولائم والأفراح، وتقيم الدنيا على رجليها ولا تقعدها، فإن هذا الأمر ينسحب على من يتعاملون مع الشعر ويكتبونه، فالفرحة قاسم مشترك بين القبيلة والشاعر، فحين تولد للشاعر قصيدة يحتفي بها احتفاء القائد المنتصر في المعركة، ويحاول أن ينشرها أو يوصل مشاعره للآخرين من خلالها، يبدأ أولاً في قراءتها للمقربين منه، ثم يحاول الاتصال بالبعض ويقول له: "اسمع الجديد" أو يطلق لطموحه الريح ويجري مسرعاً إلى أقرب مطبوعة لمقابلة المشرف على الملف الخاص بنشر الشعر، أو ينشرها على موقع الكتروني، أو يعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يحولها رسالة بث جماعية عبر جهاز البلاك بيري، وهو ينتظر بكل تأكيد التعليق عليها . الشاعر المبتدئ أو صاحب التجربة الضحلة يتمنى أن يجد سيلاً من التعليق المغلف "بشوكولاتة" المديح، وبعدها ينشر ذلك التعليق على الجميع وكأنه يحمل شهادة التفوق في الدراسة، أو كالذي يكذب كذبة ويصدقها، فضلاً عن أنه يسبق الجميع في الحكم عليها، ولا ينتظر منهم التعليق إلا إذا كان في حدود الإطراء، متناسياً المثل القائل "مادح نفسه يباله رفسه" . والحقيقة أن الخطأ لا يعود على الشاعر المبتدىء، فنشوة الانتهاء من إفراغ شحناته الحسية أو العاطفية وصبها في قالب القصيدة، تشعره أنه حقق منجزاً مهماً للأمة تفاخر به، ويشعر أنه سيدخل التاريخ من أوسع الأبواب، وسيحظى بشهرة كبار الشعراء في الوطن العربي، وربما يتطلع إلى وجود مسابقة للقصائد الأكثر إبهاراً ليفوز ويدخل قصيدته الفائزة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، أو يسير إلى ما هو أبعد من ذلك في حصول تجربته التي يعدها منجزاً مهماً للبشرية على "جائزة نوبل" للآداب، كما أن الخطأ لا يعود على المتلقي الذي يردد أحياناً نصاً مترهلاً ضعيفاً سلط الضوء عليه أو لاقى مديحاً من شخص يفترض فيه الصدق . أرى أن الخطأ يعود إلى المختصين في الشعر، سواء كانوا من الشعراء أصحاب التجارب، أو القائمين على الملفات المختصة بالنشر، أو المشرفين على البرامج الشعرية في القنوات الفضائية، والذين يتطلع الجميع إلى أن يقولوا كلمة حق من دون مجاملة، لكن الواقع يصدمنا ببعض الأسماء الشعرية التي نالت صيتاً وسمعة في الساحة الشعرية، وأصبح اسمها يتردد في الإعلام أكثر من تردد اسم المتنبي وشوقي والسياب والماغوط وغيرهم من الشعراء العظام، يصدمك أحد هؤلاء حين يعلق على مساهمة ضعيفة جداً، وبها بعض العيوب في القافية والوزن، ولا تحتوي على وحدة موضوعية ولا لغة ولا خيال، مساهمة أكل الدهر على مفرداتها وشرب، وليس لها أي علاقة قرابة أو رحم بالصورة الشعرية أو الخلق والابتكار، ثم يعلق عليها بكلمة "صح لسانك" ولا يكتفي بتمرير هذه الكلمة إلى كاتبها، بل يتعدى هذا إلى أن يوزع هذه القصيدة التي أُسمّيها مجازاً بهذا الاسم في رسالة بث جماعي من خلال جهاز البلاك بيري الذي ساد في هذه المرحلة، ويكتب تحت القصيدة "لافض فوك، صح لسانك يا فلان أو يا فلانة، قصيدة رائعة وما عليك زود" . لا يعني ما أقول أن نحمل فأساً لنكسر به شجرة زرعها إنسان، أو تشريح مساهمة أحد، واعتبارها جثة ميتة، فالمشاعر يجب أن تقدر وتحترم، لكن لا يجب الخلط بين تقدير المشاعر وإبداء الرأي حول المنجز الأدبي، فهذا التضليل لن يخدم القصيدة أبداً، وليت مثل هؤلاء الذين يبدون هذه الآراء يكرمون الجميع بسكوتهم، أو ليكتبوا تحت تلك القصائد "صح لسان العاثر" .