المعارضة السورية وامتحان مبادرة الخطيبشن المجلس الوطني السوري، احد ابرز مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هجوما عنيفا امس على الشيخ محمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف بسبب مبادرته التي طرحها باستعداده للقاء ممثلين عن نظام الرئيس الاسد لحقن دماء الشعب السوري. بيان المجلس نسف مبادرة الشيخ الخطيب هذه، ووصفها بانها قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف الوطني ولم يجر التشاور بشأنه، ويتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف، التي تنص على هدف اسقاط النظام القائم برموزه وحل اجهزته الامنية ومحاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري وعدم الدخول في مفاوضات مع النظام القائم. العلاقة بين المجلس الوطني السوري وبين الشيخ الخطيب لم تكن جيدة، ولا نبالغ اذا قلنا ان المجلس دخل تحت مظلة الائتلاف مكرها، لانه كان يعتبر نفسه، اي المجلس، التنظيم الاكثر تمثيلا للمعارضة السورية. اكثر من مسؤول في المجلس الذي يشكل الاخوان المسلمون الفصيل الاكبر فيه، عبر عن عدم ارتياحه لوجود الشيخ الخطيب على رأس الائتلاف، ولكن ضغوطا عربية ودولية املت هذه الخطوة، واضطر المجلس لقبولها مكرها، ولا نستغرب ان يكون هؤلاء المعارضون لرئاسة الخطيب استغلوا مبادرته هذه للعمل على الاطاحة به. المشكلة الاساسية لم تكن رئاسة الخطيب للائتلاف، ولا حتى مبادرته للحوار، وانما الدول الغربية والعربية التي خذلت المعارضة السورية، واوقفت الدعم المالي والعسكري لها، وطالبتها بالدخول في مفاوضات مع النظام للتوصل الى حل سلمي. فقبل اقل من عام كانت هذه الدول تهدد بالتدخل العسكري الخارجي على غرار ما حدث في ليبيا، وايدت ارسال صفقات اسلحة حديثة لدعم الثورة المسلحة، واعترفت بالائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري في مؤتمر مراكش لتجمع ما يسمى باصدقاء الشعب السوري. ولكن جميع هذه المواقف انقلبت رأسا على عقب، وجرى استبدالها بضغوط على الائتلاف المعارض لمحاربة التنظيمات الجهادية الاسلامية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، والدخول في حوار مع النظام. الشيخ الخطيب عرف هذه الحقيقة المأساوية، وقرر ان يطرح مبادرة الحوار لحقن دماء الشعب السوري، ووقف اعداد الشهداء عند ستين الفا، وهو رقم مرعب بكل المقاييس، بعد ان وصلت الاوضاع الى حالة من الجمود، فلا المعارضة استطاعت الاطاحة بالنظام بعد عامين من الثورة المسلحة، ولا النظام استطاع القضاء على الثوار او المخربين مثلما يصفهم في ادبياته. المجلس الوطني السوري بمثل هذا الهجوم الشرس على مبادرة الخطيب ورفضها بقوة اعفى النظام في دمشق من حرج كبير، فلو انتظر ساعات لجاء الرفض منه لها، اذ كيف سيقبل هذا النظام مفاوضات مشروطة بخروجه من السلطة، وتسليم الحكم لخصومه؟ لا نستبعد ان يؤدي بيان المجلس الوطني السوري هذا الى اضعاف، بل ربما انهيار الائتلاف الوطني، او استقالة الشيخ الخطيب من رئاسته او الاثنين معا، فمن الواضح ان المعارضة السورية تعرضت لخديعة كبرى، وجرى استخدامها من قوى عظمى في لعبة امم لتقسيم النفوذ والغنائم في المنطقة العربية.