يؤرخ للأدب الباكستاني الجديد منذ منتصف أربعينيات القرن الفائت، وهي المرحلة التي شهدت بدء نهاية الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية، كما أنها المرحلة التي شهدت نشاطاً سياسياً مكثفاً في كل من الهندوالباكستان، يضاف إلى ذلك بدء التفكير جدياً في استقلال الباكستان عن الهند للحفاظ على هويتها الإسلامية الخاصة، ولشعور الباكستانيين بالخوف على مجموعة القيم والعادات والتقاليد التي تختلف عن الثقافة الهندية، والأمر نفسه في الجذر العقائدي والديني وفي مفصل المفاهيم الاجتماعية المختلفة التي شهدت في ظل شبه القارة الهندية الكثير من الصدامات والتناقضات وأثرت في استقرار المجتمع الباكستاني في مختلف قطاعاته وشرائحه الاجتماعية، وكانت مثل هذه العناصر هي التي شكلت ملامح الأدب الباكستاني الذي يمكن رصد أبرز تجلياته، وذكر الأسماء المؤثرة فيه انطلاقاً مما سبق ذكره . وهذا الأدب بالنسبة لأكثر من ناقد منهم محمد عزام وهو أكاديمي باكستاني، وسواء كتب باللغة الإنجليزية أو الأوردية لا يمكن الحديث عنه من دون دراسة الخلفية التاريخية لهذه الأمة، ففي عام 1947 كانت اللغة الإنجليزية تشكل مساحة شائكة ومتناقضة، فمن جهة هي لغة المستعمر البريطاني الذي يتسم بالقسوة والبطش، ومن جهة ثانية فهي لغة السياسيين في شبه القارة غير المقسمة ومنهم (جناح ونهرو وغاندي) . . الذين كانت لهم مطالب ملحة من أجل الحرية والعدالة في الحكم من قبل البريطانيين . لذا، فإن الأدب المكتوب سواء ما قبل أو بعد مرحلة التقسيم، وفي اللغتين الإنجليزية والأوردية، كان نسيجاً لحكايا مؤلمة وفاجعة ولا يمكن وصفها عن أناس يرثى لحالهم في شبه القارة، وقد سجل هذا الأدب حضوره بتسليط الضوء على قصة باكستان التي دخلت في أتون تجاذبات سياسية واجتماعية منها نشوء القومية المتطرفة وغيرها مما يستند إلى قواعد دينية واجتماعية متأصلة وتلك الدعوات التي تنادي بالحرية وحماية التراث الثقافي وغيرها من المشكلات، كما يجب الإشارة إلى أن أدب ما بعد التقسيم كان يتعامل مع مثل هذه القضايا والمشاكل الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والعرقية في المجتمع الباكستاني . لقد سلط أدب ما قبل التقسيم الضوء على همجية السلوك الوحشي للمستعمر البريطاني الذي تخطى الحدود والحواجز، وظهر في هذه الفترة كتاب تناولوا مثل هذه الموضوعات ومنها الصراعات الدينية بين الهندوسية والإسلام وقس على ذلك موضوع الطوائف والعرقيات التي كانت لها طقوسها التي لا تتفق مع طقوس ومعتقدات الطوائف والعرقيات الأخرى، وأول كاتب مسلم يمكن الإشارة إليه في هذه الفترة هو أحمد علي الذي سجل فظائع الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية، فظهرت في أعماله تلك الأحاسيس المفعمة بالحزن والانكسار خصوصاً في روايته (جوهرة في دلهي) التي كتبها في عام ،1940 وهي من الروايات التي يمكن الإشارة إليها لما أبرزته من قضايا تتعلق بالقومية الإسلامية وتلك الحرية المفقودة لدى الشعب الباكستاني، وقد كتبت باللغة الإنجليزية لتقرأها شريحة واسعة من الهنود ذوي الميول الغربية . كما يمكن الإشارة إلى فيروز خان نون وممتاز شاه نواز وخواجا أحمد عباس، وهذا الأخير رسم صورة واضحة ومثيرة للشفقة عن شبه القارة ما قبل التقسيم، أما فيروز خان فعرف من خلال كتابة السيرة الذاتية في كتابه "من الذاكرة"عام 1966 . شهدت مرحلة مطالع الخمسينيات وما بعدها نجاحاً ملحوظاً للأدب الباكستاني، الذي نادى بضرورة السيطرة على مشاعر اليأس وخيبة الأمل، وقد أثار أدب هذه المرحلة ضجيجاً إعلامياً، ونظر إليه بوصفه جديداً ومتميزاً في تاريخ باكستان الحديث . في مشهد آخر من الطيف ظهرت كتابات، تتبنى اتجاهاً أسلوبياً يتعامل مع الواقع الباكستاني بتسليط الضوء على الخبرة الفردية، ويظهر آراء النخبة الديموقراطية والليبرالية، ممن ينادون بالديموقراطية والحرية والمساواة ومراعاة التقاليد السياسية التي تحترم الرأي الآخر، وقد هوجمت هذه التقاليد السياسية من قبل من يتبنون النزعة الاشتراكية الشمولية، وكذلك من قبل الجماعات الأصولية المتشددة . وقد ظهرت مثل هذه الكتابات أكثر ما ظهرت في ترجمات الكتب الإنجليزية التي حضرت فيها منتخبات من الشعر والنثر الحديث، وكان هؤلاء لا يؤيدون الاتجاه الأصولي، تزامن ذلك مع ظهور مجموعة أخرى من الكتاب الهنود الذين يؤيدون المثل الديموقراطية والليبرالية، سيما مع بروز فكرة الواقعية الاشتراكية التي كانت تضغط بقوة . في هذه الفترة نشرت مجموعة من القصص القصيرة لكاتب اسمه سعدات حسن مانتو (1912 - 1955) وهو كاتب جنوب آسيوي أنتج أدباً عظيماً على تماس مع الأحداث التي كانت مسيطرة في تلك الآونة، مثل قضية الاستقلال بين الهندوباكستان، فكانت كتبه التي يمكن الإشارة إليها في هذا السياق تشمل "الدستور الجديد"و"سعيد ولي الله"و"الهروب". في عام 1952نشرت إلزا كازي نائبة عميد جامعة السند رواية تحت عنوان "سيمفونية قديمة للحديقة الإنجليزية"وهي ذات بناء موسيقي متماسك، وفي هذا العقد كانت القصص القصيرة تشهد رواجاً منقطع النظير، لما يظهر فيها من أساليب وأدوات تعبر عن المشاكل الاجتماعية في المجتمع المعاصر، فظهرت أيضاً الكاتبة زيب النسا حميد الله التي ظهرت لها قصة "الزوجة الشابة"وكانت بمثابة شكل جديد في كتابة القصة القصيرة، وفي هذه الفترة أيضاً بدأ بعض الكتاب يتفقون مع الرأي السائد بضرورة أن يكون الكاتب يمارس عملاً نبيلاً في خدمة المجتمع، وقد شاع هذا الأدب في خمسينيات القرن الفائت مع تركيز خاص على قضايا التعليم، وكانت المجموعة القصصية لحميد الله تتضمن 15 قصة قصيرة مقسمة حسب موضوعاتها من مثل قصتي "أشجار البيبول"و"الشهرة"وهما قصتان مختلفتان مكتوبتان بأسلوب أو هنري، وموباسان، وهناك قصتا "الزوجة الشابة"و"المولود الأول"اللتان تظهران حدة الصراع بين القيم التقليدية في المناطق الفردية والنزعة الفردية في حدود ما بدأ يظهر من قيم جديدة في المجتمع الباكستاني . ومن مجموعة حميد الله أيضاً "أزهار موتيا"و"ووندر بلوم"التي لها علاقة بالفتوة والمظاهر الخارقة للطبيعة في مقابل الشيخوخة وأواخر العمر . وكانت زيب النسا حميد الله واحدة من الكتاب الذين دعوا لمثل هذه القصص ذات المغزى الاجتماعي، خصوصاً تلك السلطة الاجتماعية التي ترفع من شأن الفرد الذكر على حساب الأنثى، كما تتناول أعمالهم سلسلة من الموضوعات التي تتحدث عن الرغبة الشخصية وحرية التوجه في مقابل التزمت الاجتماعي والديني . في بعض أعمالها عبرت حميد الله عن نظرة ليبرالية للمثقفين الباكستانيين ذوي الميول الغربية باتباع لغة محافظة بدلاً من الطريقة العلمانية في التفكير، وفي الحقيقة فإن كتاباتها لم تستطع تجاوز الأحكام المسبقة للمجتمع، وهذا الاتجاه فرضته التصورات التي تغلب على حقيقة المجتمع الباكستاني . أما مرحلة الستينيات، وهي الفترة التي شهدت نشاطاً سياسياً واجتماعياً ترافق مع توترات وثورات مناطقية في المجتمع الباكستاني، فقد انتقلت مثل هذه الأحداث إلى الأدب الباكستاني، وكانت القضايا ذات الطابع السياسي والاجتماعي من مثل: تاريخ باكستان، صورتها النقية، ديانتها، السياسات الثقافية، أهوال وفواجع الحروب، المعتقدات، والفساد والمحسوبية لدى السياسيين الباكستانيين من الموضوعات المطروحة بقوة في هذا الأدب . . أضف إلى ذلك عدداً من القضايا الأخرى مثل: تجاهل التراث الباكستاني، التمييز العرقي، التمييز ضد النساء، الصراعات السياسية والعقائدية في شرق باكستان والسعي نحو الليبرالية . وهنا يمكن الإشارة إلى الكاتب ناصر أحمد فاروقي الذي حسب على فترة الستينيات، ولكنه تبنى نموذجاً متطرفاً من صور الليبرالية، فحشر نفسه في كتابات ولغة غريبة عن المجتمع الباكستاني من خلال دعوته لنموذج طائش من الأفكار الأوروبية مثل شرب الكحول في النوادي، وعدم الفصل بين المرأة والرجل في الحفلات العامة والملتقيات، فظهرت روايته الأولى "وجوه الحب والموت"في عام ،1961 التي بينت أحداثها باختيار نماذج من الطبقة الوسطى في المجتمع الباكستاني خلال حقبة الخمسينيات والستينيات، كما أنجز فاروقي "السلم والثعبان"و"حزن في الفجر"التي كتبت في عام ،1967 كما تشمل قصصه القصيرة قائمة ك "أه لا يا حبيبتي"و"مال في البنك"وغيرها، وفي قصص فاروقي نعثر على الملمح الواقعي مع محاولته صنع حكاية تعتمد على الإشارية والترميز، ومما يمكن الإشارة إليه في تجربة هذا الكاتب هو تلك النزعة التي تنحو لأسطرة المجتمع الراقي في باكستان، وهي أسطرة مبالغ فيها، ولم تكن من سمات هذا المجتمع، فاتسمت أعماله بالمبالغة والادعاء ومجافاة الواقع . وفي هذه الفترة كانت موضوعات الإسلام والديموقراطية والاشتراكية من العناصر الرئيسية في الأدب الباكستاني، لكنها وبرغم مناقشتها في أوساط متعددة من هذا المجتمع فقد كانت تفتقر إلى الموضوعية، وغلب عليها النقاش المصطنع أكثر من الاعتماد على مستويات البحث العلمي والمعرفي . وقد اقتحم فاروقي مثل هذه الموضوعات في روايته "وجوه الحب والموت"التي يتظاهر فيها موظفو الخدمة المدنية بكونهم أفراداً من الطبقة الأرستقراطية المثقفة، أما كتابات فاروقي الأخرى فكثيرة ومتنوعة وقد تناول في بعضها عطش الأفراد للسلطة والبيروقراطية، كما عالجت بعض موضوعاته جانباً من جوانب الفساد والأنانية وظهور طبقة متسلطة ونافذة . ظهر في الفترة ذاتها الكاتب ذو الفقار غوس، وهو قاص وروائي وشاعر وناقد أدبي وكاتب سيرة وصحفي، ولد ذو الفقار في 1935 في سيالكوت، ويسجل لهذا المثقف إنتاجه لأعمال مهمة تلامس الواقع الباكستاني الجديد ومنها "اغتيال عزيز خان"التي نشرت في ،1967 وهي أول رواية باكستانية حديثة كتبت بلغة إنجليزية متماسكة، وتدور حول مزارع فقير في البنجاب يتم تدمير أرضه من قبل رجال الصناعة، وخلال الرواية يتكشف مدى تصادم الطبقات، ويظهر في الرواية الأخوة شاه من طبقة الأثرياء الذين يتمتعون بالنفوذ والسلطة، ممن يحيكون مؤامرة للاستيلاء على أرض عزيز خان، الذي رفض بيع إقطاعيته لهم، والرواية تتحدث عن ثقافة انتقالية جديدة في باكستان الستينيات، وكتبت في مستويات متعددة، وترصد قيم التحديث والتقاليد الاقتصادية والتصنيعية التي ترافقت مع مجموعة من الطفيليين والفاسدين، وهي أي الرواية تلعب على هذه الثنائية المتناقضة التي يمثلها هؤلاء الفاسدون في مقابل عزيز خان الذي يمثل النقاء والقيم العريقة التي يراد لها أن تطمس بأي شكل من الأشكال، فبينما كان الموضوع بالنسبة لهذه الطبقة الفاسدة هو سعي للثراء السريع على حساب حقوق الناس وممتلكاتهم كانت الأرض بالنسبة لعزيز خان تمثل وجوده وحياته، وهي بمثابة قيمة مادية ومعنوية لا يمكن التفريط بها والتخلي عنها . قيل عن الرواية الشيء الكثير سيما أسلوبها، الذي يعتمد آليات السرد المباشر في بعض فقرات الرواية، التي لم تخل من مناقشة بعض القضايا الفلسفية، التي تظهر خارج نطاق الشخصيات في الرواية، ولكنها موظفة بذكاء وبشكل يخدم العمل الأدبي، وغوس هو واحد من الكتاب المتأثرين بالتوتر العاطفي وأعمال الشغب التي تحدث في مناطق متفرقة من باكستان، وقد وصف شعوره هذا من مجموعته الشعرية "خسارة الهند"في 1964 وأيضاً رواية "ثلاث مرايا للذات". في أحد اللقاءات التي أجريت معه قال غوس "أن تسكن في البلاد التي ولدت فيها، وأن يقال في صباح أحد الأيام أنها ليست بلادك، فهذا شيء في منتهى القسوة، إنها تجربة مدمرة". اتش كي بوركي هو كاتب باكستاني آخر أصدر مجموعات قصصية قصيرة، تحت عنوان "المبجل ساكيبور"في ،1969 وفي قصصه هناك دائماً صورة للبطل الذي يكافح كافة أشكال القوى التي تجعل من الإنسان كائناً غير مستقر، وله قصة تحت عنوان "بعض الرجال أخوة"التي يدحض من خلالها الأسطورة الباكستانية التي تقول "إن جميع فئة السيخ هم فئة قاسية وغادرة". وهناك الكاتب مهدي علي سلجوق الذي ظهرت أعماله في الفترة ذاتها ونشر قصيدة طويلة بعنوان "طيبتي"كما نشر مجموعة قصصية تحت عنوان "الجثث"وخطابه القصصي يشبه إلى حد كبير أسلوب اتش دي لورنس، وأعمال سلجوق لا تظهر الصراع بين الطبقات بشكل مباشر، وإنما هي تعتمد على التورية والاستعارة، وغالباً ما يركز موضوعه الأساسي على شخصية واحدة، ترفض الواقع المعاش، وغالباً ما يكون مصير هذه الشخصية هو الموت .