ارتأى مرصد الأعمال المعادية للإسلام التنازل عن دعوى رفعها ضد فرانسوا كوبي اليميني المعارض، على خلفية تصريحاته حول "الخبز بالشوكولاته"، بعدما التمس هذا الأخير أن يحصل هذا الأمر. بوعلام غبشي من باريس: قال رئيس مرصد الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين في فرنسا، التابع للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، عبد الله زكري، إن كوبي طلب أن يلتقي مكتب المجلس الذي قبل بذلك، "فأبدى أسفه حول ما صدر منه، وبإلحاح من بعض الإخوان في المكتب، قررنا التنازل عن الدعوى". ولفت في الوقت نفسه إلى أن كوبي عرض على مسؤولين في المكتب في بادئ الأمر مناصب انتخابية رفضوها كليًا. وأضاف: "كان مبرمجًا أن نتذاكر حول تصريحات كوبي أمام مكتب المجلس، قبل أن نصدر موقفًا نهائيًا، إلا أن رئيس المجلس وعدداً من الإخوان الآخرين في المكتب فضلوا أن نطوي هذه الصفحة حتى لا يفهم بأن المسلمين غير متسامحين". لكن يتابع زكري: "تفاجأ الجميع عندما أعلن كوبي الذي حل ضيفاً على برنامج في إذاعة إر ثي إل أنه لم يقدم اعتذارًا للمجلس، وكنت قررت أن أعاود فتح القضية من جديد، إلا أن الإخوان في المجلس طلبوا مني طي هذا الملف حتى لا نعطي لكوبي أو لغيره فرصة لخلق انقسامات في المجلس أكون أنا سببًا فيها". خلط الاسلام بالتطرف أكد زكري، الجزائري الأصل، أن كوبي قال عند استقباله في مكتب المجلس، إن هذه الواقعة "ستكون بالنسبة إليّ بمثابة درس"، مشيرًا إلى أن جره إلى القضاء بعد تصريحاته الشهيرة سيجعل السياسيين في فرنسا يحترسون عند حديثهم عن المسلمين عوض إطلاق الكلام على عواهنه. وكشف زكري أن شخصيات سياسية كبيرة في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، الذي يقوده كوبي، اتصلت به وحثته على عدم التنازل عن الدعوى، إلا أنه يرى في هذا الأمر حسابات سياسية، وليس لأجل قضية المسلمين والإسلام. وحول ما يمكن للمرصد أو المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية القيام به ضد سياسيي اليمين المتطرف الذين يعرفون بتهجماتهم على المسلمين في فرنسا، يقر زكري بأن "هؤلاء معتادون على مثل هذه الممارسات ويخلطون كثيرًا بين الإسلام والتطرف". كما كشف أنه مباشرة بعد خروجه برفقة رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من لقاء جمعه مع الوزير الأول جان مارك إيرولت، وجّه رسالة عن طريق الصحافيين الحاضرين بشكل فردي إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يدعوه فيها إلى إعلان "معاداة الإسلام والمسلمين في فرنسا قضية وطنية". وكان كوبي أطلق تصريحًا ناريًا في وقت سابق، قال فيه إن بعض الأحياء لا يمكن أن يمر بها طفل وهو يحمل خبزاً بالشوكولاته خلال شهر رمضان وإلا انتزع منه، في إشارة إلى التجمعات السكنية التي تقطنها الجالية المسلمة. الفهم الخاطئ للإسلام يربط مصطفى موفق، رئيس مركز الدراسات الأوروبية العربية، ومقره باريس، تصاعد العداء للإسلام والمسلمين في فرنسا بالفهم الخاطئ للإسلام، وأخذ جميع المسلمين من طرف بعض الأوروبيين بجريرة انحرافات المعتنقين لقراءة إسلامية لا تخص أحدًا إلا هم، تدعو إلى العنف والتطرف، وليس للتسامح والتعامل الراقي مع الإنسان. ويعبر موفق عن أسفه لتعاطي الإعلام في الغرب مع الإسلام على اعتبار أنه يروج لصورة معينة عن هذا الدين، "ما يوقع الإنسان الغربي العادي في التباس بين الإسلام بقيمه السمحاء وما يدعو له من محبة وتآخٍ وسلام وتعاون، ونسخة من إسلام آخر صنيع الجماعات المتطرفة ومن يدور في فلكها". وأكد رئيس مركز الدراسات الأوروبية العربية في باريس أن الإسلام دين وسط واعتدال، وأن العداء للإسلام والمسلمين أفرزه التزمت الزائد الذي يمارسه بعض المحسوبين على المسلمين،"إذ ظهرت مفاهيم ضيقة تريد النيل من كافة المسلمين، كاعتبارهم غير قابلين للاندماج في المجتمعات الغربية". ويوضح موفق أن سلوك المسلم هو سلوك ونموذج أخلاقي متحرك، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المتطرفين أساؤوا كثيرًا للإسلام. ولتأكيد الصورة الحقيقية لهذا الدين لدى المواطن الغربي، والترويج لمبادئه الجوهرية والسامية، يعتقد موفق أن الطريق نحو ذلك يكون عبر الحوار، من خلال الإطارات التي توفر ذلك، كالجمعيات مثلًا. ويستحضر موفق ما حدث أخيرًا في مالي، عندما قامت الجماعات الإسلامية المتطرفة بإحراق مخطوطات لها تاريخ طويل تكتنز حضارة إنسانية، وكيف التقطت وسائل الإعلام في الغرب مثل هذه الممارسات الإجرامية التي وصفها بالهمجية، مشددًا على ضرورة مضاعفة المسلمين جهودهم لتصحيح الصورة الخاطئة لدى البعض من الأوروبيين عن الإسلام والمسلمين. ورقة سياسية يستخدم بعض السياسيين ورقة الإسلام في خطابهم السياسي لأنهم يرون فيه عنصرًا مهمًا في المعادلات الانتخابية التي لا يمكن تجاهلها، وذلك للإحساس بالقلق تجاه هذا الدين لدى الغالبية العظمى من الفرنسيين، إن صدقت آخر استطلاعات الرأي في هذا الموضوع، التي تفيد أن الكثير منهم له حساسية خاصة، وإن لم تكن مفرطة، تجاه كل ما يرتبط بالإسلام. أفاد استطلاع للرأي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية الجادة، وكان من إنجاز مركز إبسوس، بأن 74 في المئة من الفرنسيين يرون أن الإسلام لا يتماشى مع قيم الجمهورية وتقاليدها، بل الأخطر من ذلك أن ثمانية من أصل عشرة فرنسيين يعتقدون أن الديانة الإسلامية تحاول فرض شريعتها ونهجها الحياتي على الآخرين. وفي سؤال حول تسامح الإسلام، أجاب 21 في المئة منهم بأنه ليس دينًا متسامحًا، فيما كان ل 39 في المئة من الفرنسيين رأي آخر، إذ يرون أن الإسلام متسامح ومنفتح على الآخرين. كما يعارض 72 في المئة منهم وجبات في المطاعم المدرسية بمواصفات الأكل الحلال. واعتبر هذا الاستطلاع من طرف بعض المحللين بمثابة ناقوس إنذار يجب الانتباه إليه، سواء من قبل السلطات الفرنسية أو من طرف المسلمين أنفسهم، ويردون وصول الوضع إلى ما هو عليه إلى مطالبة المسلمين الدائمة في فرنسا بأشياء لها ارتباط مباشر بالدين، كبناء المساجد، والوجبات الحلال، وفصل الجنسين في المسابح وغيرها، زيادة على ما يثيره الإسلام السياسي، الراديكالي تحديدًا، من قلق في الأوساط الدولية.