حوار حاتم جمال الدين خرج المخرج عصام الأمير رئيس التليفزيون المستقيل عن صمته الذى دام لمدة شهرين، والذى التزمه منذ إعلانه مغادرة المناصب القيادية فى ماسبيرو، ليكشف لنا ولأول مرة عن الأجواء التى تدار بها منظومة الإعلام الرسمى، وحقيقة أخونة التليفزيون، كما أفصح عن رؤيته لتطوير شاشة التليفزيون، والتى عدل عنها عندما شعر بأن الاستمرار فى ركاب النظام الحالى فيه استحالة.. وقال إن من يحترم عقله وتاريخه لا يستطيع أن يعمل فى ظل الأوضاع الراهنة. قال عصام الأمير: كنت على صواب عندما تقدمت باستقالتى من منصب رئيس التليفزيون، وأرى أننى اخترت التوقيت المناسب، فلم يكن يمكننى أن أشارك فى تلك الاحداث الدامية بشكل أو بآخر، ولا أرضى لنفسى بأن أكون رئيسا لتليفزيون النظام بعد ثورة نزل فيها الناس للشارع مطالبين بالحرية واستقلال الإعلام والقضاء، وهذا لا يعنى أننى لم أواجه كثيرا من الاعتراضات داخل ماسبيرو، ومحاولات التدخل فى عملى، ولكنى كنت أعتبرها مناوشات العمل اليومية، والتى كانت طول الوقت، ومنذ أن كانت البلاد تدار من خلال المجلس العسكرى، فكل من يملك مقاليد السلطة تكون لدية الرغبة فى أن يسير التليفزيون فى ركابة، كنت دائما أدافع عن وجهة نظرى، وتمر الأمور. ولكن تردد فى ماسبيرو أن استقالتك جاءت بعد صدام حاد مع وزير الإعلام صلاح عبد المقصود؟ لا أنكر أن هناك خلافات حدثت حول طريقة التناول لكثير من الأمور، وكنت أضعها فى خانة خلافات وجهة النظر، فالوزير كان يريد الالتزام بأن تستضيف البرامج عناصر من الاخوان وحزب الحرية والعدالة تحت مسمى عرض وجهتى النظر، بينما رأيت أنه ليس بالضرورة أن يكون التناول الاعلامى من طرفين، وأن هناك موضوعات تفرض نقاشها من طرف واحد، فعندما أجرى حوارا مع شخصية سياسية لن أستضيف معارضيه لمناقشته، وعندما نتناول رأيا أو مشروعا خاصا بحزب أو شخص نناقشه معه وليس مع جميع الأطراف، ولكن كان الحزب الحاكم وحكومته يريان الإخوان أصحاب الأغلبية وأنه يجب أن يحظوا بحضور أكبر من باقى القوى السياسية، ومن خلال خبرتى المهنية أرى أنه لا يمكن أخضاع شاشة تليفزيون الشعب لنظرية المغالبة، وإنه على الإعلام أن يعرض آراء المصريين بصرف النظر عن حجم اغلبيتهم فى الشارع. ولكن ما هى الواقعة التى يمكن أن نقول إنها قصمت علاقتك بمنصب رئيس التليفزيون؟ عندما تم توفير تلك الامكانيات وفى ساعات قليلة لنقل المظاهرة التى نظمتها تيارات الإسلام السياسى أمام جامعة القاهرة، بينما يعانى زملائى فى التليفزيون العراقيل الكثيرة للحصول على كاميرا لإنجاز عملهم، وتم توافر 12 كاميرا وإمكانيات ضخمة لنقل المظاهرة لأنها تتوافق مع اتجاه من هم فى السلطة، بينما يتم تجاهل احداث أخرى مهمة فى ميدان التحرير، أو التعامل معها على استحياء، وهو ما لا يمكننى التوافق معه، وأشير هنا إلى أننى تقدمت على الفور بالاستقالة ولم يبت فيها، عندما سال دم المصريين أمام القصر الجمهورى، لم أنم طول الليل وقررت فى الصباح إعلانها بنفسى لأبرئ ساحتى. ولكن فى أثناء وجودك بالتليفزيون كانت هناك الكثير من المشكلات. بالفعل كانت هناك مشكلات كبيرة، ولكن والحمد لله لم يخرج العاملون بمظاهرات ضدى كما حدث مع آخرين، كانوا يعلمون بأننى أحارب طول الوقت ليحصل الجميع على حقوقهم سواء بتواجد برامجهم على الشاشة أو بصرف مستحقاتهم المالية، ومنذ أن تم اختيارى للمنصب كنت أعمل على التحول لتليفزيون الشعب، وأن تواكب الشاشة ما يحدث فى الشارع ويعبر عن آراء الناس بمختلف توجهاتهم، وللأمانة فإننا بفترة المجلس العسكرى كنا نفرض هذا التوجه، واعتقد أن الجمهور استشعر هذا.. ولكن منذ أن تولى الوزير صلاح عبد المقصود حقيبة الإعلام تراجع التليفزيون مجددا. وكيف ترى التليفزيون بعد أن أصبحت خارج الكادر؟ الموجود حاليا على قدر المطلوب، فمن فى السلطة الآن يريد دورا محددا للتليفزيون، ولا يفكرون فى التطوير وتقديم شكل ومضمون جديد للإعلام المصرى، والمشكلة أن الحكومة التى جاءت بعد الثورة لم تقدم مشروعا يمكن للإعلام أن يعيش عليه، مثل ما فعل عبد الناصر عندما أطلق قانون الإصلاح الزراعى، ليشعر الناس فى مصر بتغيير، وأن هناك قوانين لصالحهم، وكان ينبغى أن تبدأ حكومة قنديل بثورة على العشوائيات مثلا، فتغير حال سكانها وتشركهم فى مشروع للبناء، ولكنها شغلت بمشروع السيطرة على مفاصل الدولة، وجرت الإعلام لمعاركها كطرف أساسى،. وما رأيك فى محاولات التطوير والبرامج التى أطلقت أخيرا مثل «بيتنا الكبير» و«كشف حساب» و«الآخر» و«أهل مصر»؟ التطوير ليس تغييرا فى الشكل، فلا معنى لأن نغير اسم البرنامج وديكوراته دون حدوث تغيير فى المضمون، وطريقة التناول، وما حدث بقنوات التليفزيون تغيير شكلى من باب أن نقول إن عندنا برامج جديدة، لكن فى الحقيقة هى نسخ ضعيفة من برامج التوك شو القديمة مثل البيت بيتك، ومصر النهاردة، ولم تتمكن من إعطاء شخصية مختلفة للشاشة، وفى اعتقادى أن برامج مثل استوديو 27 كان يؤدى الغرض، وانه ربما كان يحتاج قدر من الحرية بمواكبة أحداث الشارع. ولماذا لم تقم بمشروع تطوير للشاشة بينما كنت فى موقع رئيس التليفزيون؟ بالتأكيد حاولت وكنت أحارب لكى يعمل فريق العمل فى مناخ مناسب، وعملت قدر الإمكان لتوفير الامكانيات والحرية، ولم أتدخل فيما يقدمه الزملاء ماداموا لم يخرجوا على حدود المهنية، ولكن المشكلة المادية كانت هى الهم الأكبر، وأوضح هنا أننا تعاملنا مع الفترة الماضية بأنها فترة انتقالية، وأننا مع بداية الاستقرار فى الدولة سنبدأ مرحلة جديدة، وكنا نخطط لها ببرامج جديدة فى الشكل والمضمون، ولكن ما حدث أننا دخلنا فى أجواء لا تسمح بتقديم أى جديد، وكنت أحلم ببرنامج يحمل اسم «بيت الأمة» يحقق فكرة الزعيم سعد زغلول بأن يكون هناك مكان يسع كل المصريين رغم اختلاف انتماءاتهم، وكان البرنامج سيفتح المجال لمشاركة نجوم الاعلاميين بالاتفاق مع قنواتهم، ليقدم كل منهم حلقة استثنائية كل شهر، بالأسلوب المميز، ويختار موضوعها وضيوفها، ومعه مذيع من التليفزيون يتناسب مع طبيعة النجم والوافد، ولكن تلك الافكار لم يعد لها مكان مع أوضاع السياسة فى البلد. وماذا بعد استقالتك من المنصب؟ قدمت استقالتى من منصب رئيس التليفزيون، ولكنى ما زلت موظفا فيه على درجة مستشار، وهو منصب كما هو متعارف عليه فى الحكومة المصرية ليس له أية صلاحيات، والموظفين يعتبرونه بمثابة «ركنة» لمن لا مكان لهم فى الإدارة، بينما أراه استراحة محارب لالتقاط الأنفاس قبل بداية جديدة، وفى الأغلب ستكون خارج مبنى التليفزيون الذى عملت فى خدمته 30 سنة وهناك عرضان من قناتين أفاضل بينهما، وأيهما سيكون متفقا مع طبيعتى وأفكارى وطموحاتى، وعندما أستقر على واحد من العرضين سأعلن عنه.