GMT 0:05 2013 الخميس 14 فبراير GMT 0:30 2013 الخميس 14 فبراير :آخر تحديث مواضيع ذات صلة أمينة أبو شهاب هنالك وعد مفترض في الأفق ينتظر التحقيق، وهو أن يعيش الإسلام فترته الذهبية في ظل حكومات حالية تقول إنها جاءت للحكم باسمه وباسم شريعته ومرجعيته، وإن كان هذا الوعد المنتظر هو ما يشكل واجباً دينياً لدعم تلك الحكومات لدى قطاع لا يستهان به من الشعوب، وما يشكل سبباً تلقائياً للالتفاف حولها، فإن الدلائل والإرهاصات تشير إلى عكس ذلك، وإلى أن أكثر محن الإسلام على مستوى التاريخ ربما كانت في سبيلها إلى أن تكون طابعاً لهذا العصر الموصوف بأنه "ديني"، وليس ذلك لأن القوى السياسية الإسلامية الحاكمة قد تَسنّى لها الحكم في المنطقة عبر مساومة غدت واضحة وليست خفية على الإسلام، وعلى أساسياتٍ وأصولٍ فيه، وذلك مع الغرب، وتتم التغطية على هذا عبر لغة التحايل والمسميات الفارغة، ومن خلال الذرائعية وأسلوب "الغاية تبرر الوسيلة" . وليس العامل أيضاً في توقع محنة إسلامية قادمة، أن المجتمع المحكوم من هذه القوى باسم الشريعة يعيش أقوى التناقض مع هذا المفهوم من خلال واقع اجتماعي غارق في الفوضى الأخلاقية . إن امتلاك برنامج للتغيير الأخلاقي هو أقل المتوقع من تلك القوى الإسلامية حين تفشل في البرامج الاقتصادية والتنموية . وبدل هذا التغيير في قيم المجتمع باتجاه الأخلاق والسلوكيات المؤسّسة للنهوض والتنمية، نجد فقدان الأمن على المستوى الفردي والجماعي، وتتفجر ظواهر التحرش الجنسي والسرقات والقتل لأقل الأسباب . يحدث هذا الانحطاط المجتمعي والتردي وكأن الحكم لم يأخذ صبغته الإسلامية، وهذا الانفصال في الواقع عن التغيير المتوخّى في أكثر صورة بداهة . لكن ما هو أبعد أثراً وأكثر حسماً من العاملين المذكورين في الحكم على التجربة السياسية للقوى التي تسمي نفسها إسلامية، هو أن الخطاب أو الصيغة المتداولة للإسلام قد أصبحت أكثر خضوعاً من ذي قبل للمتطلبات السياسية والأغراض الحزبية بما لا يقارن بالديكتاتوريات السابقة . لقد كانت قدرة تلك الديكتاتوريات على استخدام الدّين لمصلحة سياساتها محدودة عملياً، ومحدودة كذلك بآثارها مادامت أنها لا تمثل سلطة دينية بحتة ولا تدعي ذلك . أما القوى الدينية وعلى رأسها الإخوان فقد استحلّت لنفسها الحكم باسم الدين ومنذ زمن طويل قبل أن تصل إليه . وعند وصولها إلى الحكم فهي تستخدم الإسلام أولاً لتبرير وتأويل سياساتها، وبخاصة سياسة "الاعتدال" المطلوبة غربياً وغير المحبذة والمرفوضة شعبياً، وتستخدم الدين ثانياً، لتعزيز صورة الصلاح والحكم الرشيد المبني على أسس الشريعة ومتطلبات الفقه . وثالث الاستخدامات لقهر المخالفين في الرأي والمعارضين السياسيين وإقصائهم سياسياً وشعبياً . ورابعاً، فإن الدين يتم استخدامه لإعطاء صورة مغايرة وزائفة عن الوضع السياسي والاقتصادي لدى الجماهير وشلّ حركتها لتغيير وضعها، وخاصة في هذه المراحل الانتقالية التي تعيشها دول عربية عدة تحكمها القوى السياسية المتحدثة باسم الإسلام . كما يشهد واقع مصر وتونس بالدرجة الأولى وواقع دول عربية أخرى على نفس الشاكلة بدرجة ثانية، فإن الإسلام في صيغته الاجتماعية وتفعيلها العملي لن يوضع موضع التطبيق أبداً، نظراً للعلاقة المشروطة بذلك مع الغرب، وهو يحول فقط إلى مادة للولاء للسلطة والتجييش لها . إنه، أي الإسلام، كما نراه في هذه الدول، مُفرّغ من محتواه ومعانيه في العدالة والحق الاجتماعي وفي لحمة الجماعة ومفاهيم الأمة ومكوناتها السياسية والجغرافية، وعلاقاتها مع الخارج بعيداً من حلقة الارتهان . هذه الصيغة قيد التداول للدين وهذا الخطاب هو ضيق الأفق والحدود بالضرورة ومغلق ويتحول شيئاً فشيئاً إلى أن يكون أكثر انتقائية وأكثر تأويلاً وإبهاماً . إنه ليس الإسلام الحضاري المستنير وغير المحكوم بأهواء السياسة، بل هو للاستبعاد والإقصاء ولوضع المعارضين السياسيين والفكريين على حد السكين وحد الحرابة والتكفير . في عصرنا "الديني" هذا، تتحدد آفاق الإسلام الواسعة والرحبة وتقيد، مثلما أن وعوده في حياة العدالة والكرامة الإنسانية تجهض، والخلاصة أن صورة الدين الحقيقية الكونية والحضارية لا تعود تظهر أو تعرف . ومن لديه شك في علامات المحنة الحاضرة والقادمة للإسلام، فلينظر إلى التلفزة الدينية بقنواتها الخاصة حيث الخطاب الإسلامي في مصر مثلاً، قد أصبح امتلاكاً ل"مشايخ" لغتهم هي التهديد لخصوم السلطة السياسية والحكم عليهم بالنفي من حياض الإسلام، والانحدار كذلك عن الخطاب الإسلامي العالي والحضاري المستنير الذي عهده الناس سابقاً . إن مفرداتهم في جزء غير يسير منها، هي تناول للأعراض وسب للأمهات، وهي الابتذال والإفلاس التام عن الإسلام الحقيقي، وكأنهم يقدمون صورة موازية للدراما التلفزيونية وبرامج "التوك شو" بما تحتويه من إسفاف في اللغة السياسية . وغير هذا، فإن هنالك، بالطبع، فتاوى القتل على الهوية السياسية لمجرد الاختلاف في الرأي الذي يُصّور على أنه خروج على الحاكم وولي الأمر . ينسب كل هذا الكم من الضيق الفكري والغوغائية وكذلك استرخاص الدماء والحياة الإنسانية، إلى الإسلام مثلما ينسب إليه النظام السياسي بكل ممارساته، وهنا انعكاس ذلك على الإسلام كنظام للحياة ظلّ عالياً في العصر الحديث عن احتكار السلطات السياسية بالشكل الذي يحدث به الآن .