600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    أقذر أنواع الحروب هي حرب الخدمات... بريطانيا وإسرائيل أشرف من الاحتلال اليمني    تسليم الجنوب لإيران "لا يجب أن يتم عن طريق دول الجوار"    للجنوبيين: أنتم في معركة سياسية تاريخية سيسقط فيها الكثير وتنكشف أقنعتهم    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الجنوبية.. حتى لا نكرر الأخطار القاتلة
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 04 - 2012


الخميس 14 فبراير 2013 11:20 صباحاً
عبدالله سلام الحكيمي
إن بقاء القضية الجنوبية معلقة دون حل حقيقي وحاسم وشجاع، من شأنه إبقاء اليمن، جنوبه وشماله.. شرقه وغربه، في دوامة عاصفة من التوترات والاضطرابات والفتن المهلكة المدمرة إلى ما لا نهاية.. ولا يتوهمن أحد أن بمقدور معالجات تلفيقية أو حلول تكتيكية مسكنة إخراج البلاد من دوامة مشكلاتها وأزماتها المتفاقمة والمستفحلة، بل على النقيض من ذلك تماما سيزيدها تفاقما واستفحالا واستعصاء وصولا إلى البديل الأسوأ والأخطر الذي لا نتمناه لا للجنوب ولا الشمال معاً..
إن حل المشكلة الجنوبية حلا موضوعيا وصائبا وجذريا يتطلب قادة وطنيين يتحلون بأعلى مستويات الوعي الوطني المدرك والمستوعب، وشعور عال وعميق بالمسئولية الوطنية، وتجرد تام عن المصالح والأهواء والحسابات الشخصية أو العصبوية، ويتصفون قبل هذا وذاك بالشجاعة والإقدام وروح المبادرة، قادة تاريخيون ينتشلون البلاد والعباد من دوامة المشاكل والأزمات التي تعصف بحاضرهم ومستقبلهم، ويضعونهم، جنوبا وشمالا، على عتبات آمنة وصائبة لصنع الحياة الجديدة، حياة التطور الطبيعي والتقدم والنهوض الحضاري الشامل والمستقبل المشرق والواعد..
وعلى امتداد السنوات القليلة الماضية اكتظت الساحة السياسية والإعلامية، ولا تزال، بالكثير من التصورات والمعالجات والحلول ووجهات النظر، على تبايناتها واختلافاتها ومنطلقاتها ومقاصدها، حول كيفية وأسس معالجة القضية أو المشكلة الجنوبية.. منها من يعتبر الوحدة الاندماجية المركزية مسألة "مقدسة دينيا" محرم المساس بها أو مجرد الاقتراب منها، وعلى نقيضها من ينادي بانفصال الجنوب واستعادة دولته مع استحداث تاريخ وهوية سياسية وثقافية جديدة ومختلفة تماما لها، معتبرا الوحدة التي أُعلن عن قيامها في 22 مايو 1990م بمثابة احتلال واستعمار شمالي للجنوب!! وبين هاتين الرؤيتين أو الحلين المتناقضين، تطرح رؤى ومعالجات وتصورات حلول تتفاوت ما بين إعادة صياغة دولة الوحدة على أسس ومضامين "فيدرالية" متعددة الأقاليم، وفيدرالية ثنائية الإقليم، الجنوب والشمال، بوضعهما وجغرافيتهما السابقة للوحدة، أو إقامة دولة "كونفدرالية" إلى آخر هذه التصورات والرؤى المطروحة التي تحاول حل ما أطلق عليها "القضية الجنوبية"، والغريب أنها جميعا أو أن أصحابها جميعا، يؤكدون، كل على حدة، بأنه يعبر أو يمثل رأي وإرادة شعب الجنوب، رغم تناقضاتها وتبايناتها الكاملة، ورغم ذلك لم يطرح أحد أو يقترح العودة، ديمقراطيا، إلى صاحب الشرعية والحق الوحيد وهو شعب الجنوب لمعرفة رأيه واستبيان إرادته ومشيئته الحرة في الاختيار بين البقاء في دولة الوحدة، بأية صيغة من الصيغ السياسية للدولة، أو فك ارتباطه بها واستعادة دولته من جديد، وفق عملية استبيان أو استفتاء حر وشفاف ونزيه تديره وتشرف عليه منظمات دولية محترمة، على أن تلتزم جميع الأطراف والقوى السياسية في الساحة احترام نتائجه المعبرة عن الإرادة الحرة لشعب الجنوب.. لكن المعضلة تتمثل، أساسا، في أن كل القوى والجهات التي تطرح كل تلك الرؤى والتصورات والحلول المشار إليها آنفا، تدعي كل منها شرعية تمثيل شعب الجنوب والتعبير عنه، في الوقت الذي يجري فيه تغييبه وإقصاؤه والتهرب، المتعمد، عن ضرورة العودة إليه وتقرير مصيره بنفسه.. نحن هنا لسنا، ولا ينبغي لنا، الانحياز أو دعم أي من تلك الآراء والتصورات المطروحة، ولكننا فقط ندعو ونطالب ونلح على ضرورة العودة إلى شعب الجنوب، باعتباره صاحب الشرعية والحق الوحيد، وتمكينه من التعبير عن إرادته الحرة وتقرير مصيره كيف يشاء.. ونعتقد، جازمين، بأن أي حل أو معالجة للقضية الجنوبية يجب أن يمر ويبنى على نتائج استفتاء شعب الجنوب، ابتداءً، وإرادته الحرة في تقرير مصيره ومستقبله السياسي، سواء بالبقاء في دولة الوحدة أو بفك ارتباطه بها، وبدون المرور عبر هذا الطريق الصائب والسليم، أو بتجاوزه أو الالتفاف عليه، فإن القضية الجنوبية ستصبح، يقينا، أكثر تفاقما واستفحالا وخطورة، ليس هذا فحسب، بل سيؤدي إلى إثارة وتفجر مشكلات وأزمات اجتماعية وسياسية أكثر خطورة وأفدح أثرا على امتداد الأرض اليمنية برمتها، وحينها سيصبح الكيان الوطني لليمن بكامله في مهب الريح..
إن ما يبعث على القلق العميق والمخاوف الجادة لدى مختلف شرائح الرأي العام اليمني عامة، يتمثل، اليوم، فيما نسمعه ونشاهده ونلمسه من محاولات مستميتة تقوم بها رموز السلطة السياسية الحاكمة، والتي يمسك بها ويتحكم في مفاصلها الرئيسة والحساسة قادة سياسيون وعسكريون جنوبيون، عبر سلسلة متواصلة من التكتيكات الآنية والعروض والإغراءات غير السليمة من الناحية السياسية الوطنية التي تقدمها لقوى الحراك الشعبي السلمي في الجنوب، لاستدراج قبوله بالمشاركة فيما سمي بمؤتمر الحوار الوطني الشامل! والذي سيمثل الجنوب، بموجب "حسبة" المبعوث الأممي الشيخ جمال بن عمر، بأكثر من نصف أعضائه إضافة إلى هيئة إدارته العليا، وهذا ما يمكن تفهمه والقبول به باعتباره حوارا وطنيا، بيد أن الخطر الداهم والمدمر يأتي من وعود غير معلنة تقدمها السلطة الحاكمة وتعهدات لقوى الحراك الشعبي السلمي الجنوب، مؤداها أن مؤتمر الحوار الوطني هذا سيخرج بصيغة سياسية لإقامة "دولة فيدرالية" بين إقليمين، إقليم الجنوب كما كان قائما قبل الوحدة أي "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وإقليم الشمال كما كان قائما قبل الوحدة أي "الجمهورية العربية اليمنية".. بحيث يتم تقاسم سلطاتها وأجهزتها ووظائفها على المستويين الرأسي والأفقي، ومن الأعلى إلى الأدنى بالمناصفة بين الإقليمين أي الشمال والجنوب، وهي وعود وإغراءات هدفها الوحيد جذب واستمالة وجر أرجل الحراك الجنوبي للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني المرتقب.. والواقع والمتعارف عليه في العالم أجمع بأن أسس ومعايير ومقومات بناء الدولة الوطنية الحديثة، سواء أكانت فيدرالية أو مركزية، تتناقض تناقضا صارخا وكليا مع شكل ومضمون وأسس ومعايير وآليات مثل تلك الدولة الفيدرالية تعد وتتعهد بها السلطة الحاكمة لقوى الحراك الجنوبي كأسلوب تكتيكي لاسترضاء ورشوة الحراك الجنوبي حتى يتخلى عن هدفه بفك الارتباط واستعادة الدولة مجددا في الجنوب.
وقبل الدخول في مناقشة خطورة وكارثية هذا السيناريو المطروح وراء الكواليس، في إطار مناقشتنا لعموم الرؤى وتصورات المعالجات والحلول المطروحة لحل القضية الجنوبية والتي أشرنا إليها، إجمالا، في بداية هذا الحديث، دعونا نستبعد من مناقشتنا الآتية، ابتداء، الخيار المطروح المنادي بالكونفدرالية، لأنه خيار غير واقعي وغير ممكن تطبيقه، فالكونفدرالية، من حيث هي، صيغة سياسية بين دولتين أو أكثر من الدول كاملة السيادة والاستقلال الوطني والتمثيل الخارجي تتفق فيما بينها على التنسيق العام فيما بينها كدول مستقلة وسيادية، من خلال شخص ملك لأكبرها وأقواها في بعض الشئون والمجالات التي تتفق فيما بينها وبناء على إرادتها الحرة المستقلة على التنسيق بشأنها، إن الصيغة الكونفدرالية هذه كانت قائمة في بعض الملكيات الأوروبية فقط، وانتهت وتلاشت تماما في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولم يعد لها أي وجود في أي مكان من العالم اليوم، وبالتالي فإن طرحها كخيار غير وارد ولا منطقي على الإطلاق.. وبهذا يبقى أمامنا الخيار الفيدرالي بشقيه فيدرالية متعددة الأقاليم أو فيدرالية ثنائية الأقاليم..
والدولة الفيدرالية يطلق عليها، كما هو معلوم في الفكر السياسي والقانون الدستوري، الدولة المركبة، في مقابل الدولة المركزية التي يطلق عليها الدولة البسيطة، والدولة الفيدرالية هي دولة واحدة موحدة من حيث، دستورها وعلمها وسلطتها السياسية الحاكمة وتمثيلها الدبلوماسي الخارجي الواحد وسيادتها الوطنية الواحدة ونشيدها الوطني...الخ، فقط تختلف عن الدولة المركزية البسيطة في أن إدارة شئونها الداخلية المحلية تتم عبر سلطات وأجهزة إدارية محلية منتخبة من خلال مواطني كل إقليم أو ولاية أو منطقة من أقاليمها أو ولاياتها أو مناطقها الفيدرالية، إلى جانب السلطات والأجهزة الوطنية المنتخبة هي الأخرى من خلال مواطني الدولة جميعا، وينظم دستورها سلطات ومهام السلطات المحلية والوطنية وعلاقات كل واحدة منها بالأخرى عبر المؤسسات الدستورية القائمة، وعادة ما يتم تقسيم أقاليم أو ولايات أو مناطق الدولة الفيدرالية الواحدة وفقا لأسس ومعايير جغرافية وسكانية واجتماعية إلى حد ما أو، أحيانا، لاعتبارات تاريخية متوارثة، ويتوخى تحقيق أكبر قدر من التوازن بين سلطات الأقاليم وسلطة المركز بحيث لا تطغى واحدة منها على الأخرى وبما لا يهمش أو يقصي هذا الإقليم أو تلك الولاية بفعل العامل السكاني أو الاقتصادي أو الجغرافي، فالكل شريك ومساهم في الإدارة العامة للدولة بكليتها..
وعلى ضوء هذه الخلفية المعرفية العامة لطبيعة الدولة الفيدرالية، ومن خلال التجارب الناجحة والإيجابية لأكثر من مائة دولة على امتداد العالم تقوم على الفيدرالية، فإن ما أشرنا إليه، آنفا، من وعود وتعهدات غير معلنة تعرضها السلطة الحاكمة حاليا في بلادنا لاستمالة وإرضاء قوى الحراك الشعبي السلمي الجنوبي واستدراجه للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، بإعادة صياغة الوحدة اليمنية وإقامة دولة فيدرالية بين إقليمين (الشمال والجنوب)، وتقاسمها مناصفة وبالكامل (رأسيا وأفقيا) ومن أعلى هرمها إلى أدنى قاعدتها، لا تعد وكونها مجرد معالجة انتهازية حمقاء ومدمرة تتعارض وتتصادم تصادما كاملا ومطلقا مع أبسط الأسس والمعايير والمقومات التي تنشأ وفقا لها الدولة الفيدرالية المتعارف عليها والقائمة في أنحاء العالم، وهي إلى ذلك تتناقض تناقضا صارخا مع أبسط معايير وأسس ومضامين إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة دولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والحرية والكرامة الإنسانية، بل وتؤسس لدولة فصل أو تمييز عنصري أو مناطقي بغيض، أي دولة "ابرثايد" على نحو أو آخر، وهي أسلوب قاصر ومتخلف يتصور أو يسعى إلى حل مشكلة قائمة بالفعل عبر إثارة وتفجير مشكلات وأزمات وطنية أخطر وأوسع وأعمق، بل إنه أكثر من ذلك يشعل، من حيث يدري أو لا يدري، نيران حرب أهلية طاحنة وشاملة..
إن مؤتمر الحوار الوطني الذي يجري سلق خطوات تحضيره وانعقاده، وفي ظل الأجواء والظروف والمناخات غير الطبيعية والبالغة السوء التي تشهدها البلاد، ليس مؤهلا ولا قادرا، ولو بالحدود الدنيا، لا على حل القضية الجنوبية ولا انتشال البلاد من دوامة المشاكل والأزمات والاضطرابات والفوضى والانفلات التي تعصف بها وتكاد تدفع بها إلى حافة الانهيار الشامل، إذ لا يملك عصا سحرية يضرب بها لتحل كل المشاكل والأزمات.. إن مؤتمرات الحوار الوطني عادة ودائما لا تأتي إلا في أعقاب تهيئة ظروف البلاد وأوضاعها وإعدادها تماما لمرحلة تحول تاريخي جديد وليس قبل ذلك أبداً..
لقد كان من المفترض والواجب لزاما في بلادنا، عقب أعظم ثورة شعبية سلمية جرى تجميدها أو إجهاضها والالتفاف عليها رغم تضحياتها الجسام، أن تتولى مقاليد الأمور لمرحلة التحول التاريخي، قيادة وطنية قوية تملك رؤية ومشروعا وطنيا جادا للتغيير الشامل وتتسلح بإرادة سياسية صلبة وواضحة لإحداث ذلك التغيير أو على الأقل الشروع العملي في تنفيذه، فتعيد بناء سلطات الدولة وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية، وتقضي على بؤر الفساد ومستنقعاته المنتشرة في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتضع حدا للمحسوبية والتسيب والانفلات والفوضى، وتفتح أفق الأمل في التخفيف من البطالة والفقر، وغير ذلك من المهام الرئيسة والأولية لتهيئة البلاد وإعدادها ووضعها على أول طريق النهوض والبناء الوطني الحقيقي والملموس، بعد ذلك وليس قبله يكون انعقاد مؤتمر للحوار الوطني الشامل انعكاسا لهذه البيئة والأجواء والمناخات الإيجابية الملائمة وتجسيدا لها، ويكتسب مصداقية وثقة وتأييدا شعبيا جامعا، وحينها فإن كل المشاكل والأزمات والإخلالات التي تعصف بالبلاد والعباد، وعلى رأسها وفي مقدمتها المشكلة الجنوبية، سوف تتخذ، يقينا، مسارات أكثر إيجابية وسلاسة ومسئولية في حلها ومعالجتها، أما في ظل الأجواء والظروف والأوضاع السائدة حاليا في البلاد، والتي يرى الكثيرون أنها باتت أكثر سوءاً وتدهوراً من ذي قبل، أو في أحسن الأحوال لا تزال كما كانت عليه من قبل على وجه العموم، فماذا سيكون، يا ترى، بمقدور مؤتمر حوار وطني أن يفعل، وهو اختارته وشكلته وعينت أعضاءه ذات القوى والمكونات النافذة، السياسية والعسكرية والقبلية، القديمة الجديدة، التي أوصلت البلاد خلال الثلاثة العقود الماضية إلى ما وصلت إليه؟، وهو مجرد انعكاس دقيق وأمين لتلك القوى والمكونات من حيث أجنداتها ومصالحها وصراعاتها التنافسية المدمرة، وليس أدل على مدى هيمنة السلطة الحاكمة على اختيار أعضاء مؤتمر الحوار هذا من أن تشترط على الأحزاب والمنظمات والقوى المشاركة فيه أن تقدم كل واحدة منها للسلطة الحاكمة كشفا بأسماء ممثليها في المؤتمر يضم ضعفي أو ثلاثة أضعاف العدد المخصص لها لتتولى السلطة الحاكمة اختيار من تريد من بينهم!! هذا في حين كان الأسلوب والمنهج الأسلم والأدق أن يكون أعضاء المؤتمر منتخبين انتخابا شعبيا حرا من مواطني المحافظات مباشرة!!
ونعود إلى القضية الجنوبية فنقول بأنها قضية تكتسب خصوصية وفرادة من بين كل مشاكل وأزمات البلاد، وهي قضية حساسة للغاية وبالغة الأهمية وحلها حلاً صائبا وسليما من شأنه أن ينعكس إيجابيا على كامل مشاكل وأزمات البلاد، وبقاؤها معلقة دون حل نهائي وحاسم لن يؤدي إلاّ إلى إشعال وتفجر مشكلات وأزمات أخطر وأوسع وأعمق على امتداد البلاد كلها، وليس من الحكمة ولا من المسئولية الإصرار على عقد مؤتمر الحوار الوطني قبل وضع الحل الجذري والشامل للقضية الجنوبية وحلها لا يزال متاحا وممكنا إذا صدقت النوايا واعتصمنا بالمسئولية.. والحل الممكن والوحيد، من وجهة نظري، أن يدعى شعب الجنوب إلى الإدلاء بصوته والتعبير عن رأيه في استفتاء نزيه وحر وشفاف بإدارة إشراف الأمم المتحدة، ولا غضاضة في ذلك لأن اليمن أصبحت كلها تحت الوصاية الدولية المباشرة، ليختار بملء إرادته بين الاستمرار في الوحدة أو فك الارتباط واستعادة دولته ويجب احترام ما يختاره ويقرره لنفسه، فإذا ما أظهرت نتائج الاستفتاء رغبته الحرة في الاستمرار في الوحدة حينها ينعقد مؤتمر الحوار الوطني ليناقش ويحدد معالم وشكل وطبيعة الدولة الفيدرالية، التي يجب إقامتها على أسس ومضامين جديدة وحديثة وديمقراطية، أما في حالة كانت النتائج بفك الارتباط واستعادة دولة الجنوب، حينها ينعقد مؤتمر حوار وطني خاص بالشمال وحده ليناقش ويحدد أيضا معالم وطبيعة وشكل الدولة الفيدرالية الحديثة والديمقراطية التي تختار إقامتها في الشمال.
هذا هو الحل الممكن والوحيد، من وجهة نظري، لمعالجة وحل القضية الجنوبية، وبغيره فإننا لا نرى في الأفق أمامنا سوى الدماء والقتل وعواصف المشاكل والأزمات هنا وهناك، مع كل ما يخلفه ذلك من تعميق الجراح والأحقاد والكراهية والعداء بين الشعب في الشمال والجنوب وداخل كل واحد منهما، وحتما سنصل في الأخير إلى الحل ولكن عبر جبال من الجماجم والأشلاء والدماء، وكان بمقدورنا الوصول إليه قبل تلك الكوارث والمآسي في إطار من الود والإخاء والمودة، وذلك ما ندعو إليه ونلح عليه أكثر من أي وقت مضى بأن نغلب جميعنا منطق العقل والحكمة والشعور بالمسئولية الملقاة على عواتقنا بعيدا عن أهوائنا ومصالحنا وحساباتنا الذاتية والفئوية الضيقة والزائلة.
ونختم بالتحذير والتنبيه للسلطة الحاكمة والقوى والأحزاب السياسية والاجتماعية في البلاد، بأن لا تكرر أساليب الماضي وتجاربه وأخطائه القاتلة، فإن مسئولية بناء الأوطان والدولة هي أعظم وأسمى وأقدس كثيرا من أساليب السلق والتكتيكات الآنية الانتهازية والمساومات والصفقات والمعالجات التلفيقية والترقيعية التي لم نجن منها سوى المحن والمآسي والكوارث المدمرة، وكان متيسرا لنا تحاشيها وتجنبها، لكن الزعامات البائسة والمطامح المجنونة والحسابات الذاتية الضيقة أعمت الأبصار والبصائر والقلوب فكانت الشعوب وقود جنوننا وهوسنا المهلك.. ونأمل أن لا يكرر اللاحقون ما صنعه السابقون، وما زلنا نكتوي بناره ونعاني من آثاره حتى اليوم..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
عبدالله سلام الحكيمي
شيفلد - بريطانيا 3 فبراير 2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.