الحرية منحة إلهية, وضرورة أخلاقية, وطريق التقدم والازدهار, وسبيل العزة والفخار, وروح الرهبان بالليل الفرسان بالنهار, لا تعطي إلا لمن دفع ثمنها, وأراد أن يستظل بظلها, فهناك من دفع حياته, وهناك من أصبح معاقا, وهناك من تغيب, مثل محمد الشافعي الذي خرج مثله مثل آلاف الشباب ليحتفل بالذكري الثانية لثورة25 يناير, تلك الثورة التي أعادت لنا عزتنا وكرامتنا وريادتنا, خرج محمد فرحا نشيطا; ليقابل معشوقته التي انتظرته سنوات طوالا, كان محمد- ومعه آلاف الشعب المصري- علي موعد مع الحرية في ميدان التحرير, تلك الحرية التي لوعتهم وعذبتهم وجمعتهم وفرقتهم; نعم محمد الشافعي لم يعد, ولكن الذي عاد هو الغياب.. فمن منكم يا سادة ذاق طعم الغياب.. هذا الحنظل ذاقته كل أم خرج ابنها إلي ميدان التحرير ولم يعد, كان محمد الشافعي يمثل لأمه الابن والأب والأخ والصديق, فقد هجرها الزوج في ريعان شبابها منذ سنوات طويلة, تاركا لها ثلاثة أطفال صغار, تفانت في تربيتهم وتعليمهم, وضحت بالغالي والنفيس من أجلهم, حتي كبروا, وأصبح محمد الشافعي طالبا في معهد الحاسبات والبصريات, وكان يتمتع بقدر كبير من الشهامة والحكمة والفلسفة والذكاء, قال محمد لأمه يوما بعدما أفرطت في عقاب أخته الصغري: إن أشد عقاب هو الغفران يا أمي, وأقوي عذاب هو عذاب الضمير, وكان عندما يفرح يشرك أمه وأختيه فرحته كي يدخل الفرحة إلي قلوبهن البريئة, وعندما يحزن يواري حزنه, كما يخفي الربيع آثار الخريف, كان محمد يقابل الخير والشر بالخير, والإحسان والإساءة بالإحسان, كان قنوعا كأوراق الشجر, التي تكفيها قطرات الندي لترتوي. هذا هو محمد الشافعي الذي خرج إلي ميدان التحرير في29 يناير2013 ليحتفل بالثورة, ولم يعد حتي كتابة هذه السطور; نعم عادت الحرية للشعب المصري, ولكن محمد وغيره كثير من الشباب لم يعودوا.. فمتي يكون الإياب؟! هذا السؤال توجهه كل أم مكلومة في ابنها إلي الرئيس الدكتور محمد مرسي.. فهل من جواب؟!