بينما تواصل الولاياتالمتحدة حروباً لا نهاية لها، تصفها بأنها "وقائية" من أجل ضمان أمنها، ترتفع أصوات أمريكية لتنتقد هذه الحروب، وتصفها بالعدوانية، وتحذر من عواقبها الوخيمة على أمريكا ذاتها، ومن هؤلاء المنتقدين النائب في الكونغرس رون بول، الذي حاول مرتين "في 2008 و2012" الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، والذي عرف بانتقاداته للسياسات الخارجية الأمريكية . وهجماته على "المجمع العسكري - الصناعي"، وفي مقال نشره في موقع "انتي وور" أطلق بول تحذيراً من عواقب "الحروب الوقائية" التي تخوضها بلاده عبر العالم بذريعة التصدي للارهاب، ودعا إلى اتباع سياسة سلمية وكتب يقول: في العام الماضي، مات جنود أمريكيون انتحاراً أكثر مما مات منهم في القتال الدائر في أفغانستان، ويعود ذلك إلى أن أكثر من 20% من العسكريين الذين يرسلون إلى مناطق قتال يعانون من اضطراب وإجهاد ما بعد الصدمة، في حين أن نحو 32% من الجنود الأمريكيين يشتكون من اكتئاب بعد نشرهم في مناطق قتال، وأكثر من 20% من العسكريين الذين يقومون بمهمات قتالية يخضعون لعلاجات بأدوية نفسانية التأثير، وهي أدوية يمكن أن تكون خطرة، وكثيرون من هؤلاء العسكريين يتناولون أدوية متعددة، ومعدل الجرائم العنيفة بين العسكريين الذين يؤدون مهمات قتالية ارتفع بنسبة 31% بين 2006 و2011 . هذه الاحصائيات وضعها الجيش العام الماضي، وهي كاشفة بقدر ما هي مقلقة، وفي الوقت الراهن، تعمل وزارة الدفاع بجهد كبير لتطبيق برامج جديدة غايتها تأمين علاجات أفضل لهذه الأعراض، وهي تشمل برامج لعلاج الإدمان على مواد خطرة، وبرامج استشارات نفسانية . ولكن لسوء الحظ، فإن أسباب هذه الاحصائيات المنذرة بخطر تبقى موضع تجاهل في كثير من الأحيان . إن هذا الارتفاع الحاد في حالات انتحار عسكريين، وإدمان المخدرات والكحول، والعنف المنزلي وغيره، لهو نتيجة غير مقصودة لسياسة خارجية عنيفة - ل"الحرب العالمية على الإرهاب" التي يتعذر تعريفها والتي تبدو بلا نهاية . وخلال العقد الأخير بصورة خاصة، عشنا في مجتمع يتميز أكثر فأكثر بإيمان في استخدام القوة كخيار أول ووحيد، فقد شهدنا حروباً وقائية وعدوانية في كل مكان، من العراق إلى باكستان، فليبيا، واليمن، وأماكن أخرى، وشهدنا أيضاً ازدياداً غير مسبوق في استخدام الطائرات بلا طيار من أجل قتل أناس في الخارج، ما أدى في كثير من الحالات إلى مقتل مدنيين، وهو ما نسميه "خسائر تبعية"، وشهدنا كيف أن التعذيب، والاغتيال اللذين طالا حتى مواطنين أمريكيين، قد أصبحا سياسة أمريكية رسمية . وعندما طرح السيناتور رون وايدن، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ يوم 7 فبراير/ شباط، سؤالاً حول ما إذا كان رئيس الولاياتالمتحدة يملك حق اغتيال مواطنين أمريكيين داخل الأراضي الأمريكية، لم يستطع جون برينان، الذي عينه الرئيس أوباما مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آيه إيه" إعطاء إجابة صريحة . ان التحذير القائل بأن "من يعش بالسيف يمت بالسيف" لا ينطبق على أفراد فحسب، وإنما أيضاً على مجتمعات بأكملها . هذا إنذار لنا جميعاً، إن بلداً أو مجتمعاً يعيش بالعنف والحرب الوقائية، إنما يدمر ذاته في الواقع . دعونا لا ننسى أن هذه الحرب التي لا نهاية لها قد فرضها علينا في المقام الأول المحافظون الجدد الذين يسيطرون على السياسة الخارجية في كلا الحزبين، والذين لا يكفون أبداً عن الحض على نشر قوات عسكرية أمريكية في الخارج . وهم طبعاً، في ما عدا استثناءات قليلة جداً، كانوا قد امتنعوا هم أنفسهم عن أداء الخدمة العسكرية . وينبغى أيضاً، أن نتذكر أن هذه الحروب التي لا تنتهي ما كانت ممكنة لولا أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" يطبع الأموال اعتباطاً من أجل تمويل امبراطوريتنا في ما وراء البحار، إننا نتجه على عجل نحو الإفلاس الوطني، وفي الوقت ذاته نحن نؤلب العالم ضدنا بسياستنا الخارجية العدوانية وهل يعتقد أحد حقاً أن هذا سيجعلنا أكثر سلامة وأمناً؟ وكثيرون ممن يدعون مساندة الجيش يغضون الطرف عندما يعود جنود إلى الوطن وهم محطمون عقلياً وجسدياً بعد سنوات من الخدمة العسكرية في الخارج . وأنا كنت قد خدمت في الجيش الأمريكي كطبيب ميداني في سنوات الستينات الصعبة، وحتى منذ ذلك الحين شاهدت بعضاً من ذلك مباشرة، وخلال الستينات كانت عاقبة حرب مديدة وغير حكيمة تتمثل بصورة مأساوية بعنف في شوارعنا، حتى أن جيشنا أطلق الرصاص على طلاب في جامعة كنت ستيت في "اوهايو" . الحقيقة هي أن قتل غرباء في حروب غير مشروعة وخرقاء يولد إحساساً بالذنب لدى المشاركين في هذه الحروب، مهما يكن التلقين العسكري الذين يخضعون له مؤثراً . وأولئك الذين يبتلون بهذا الإحساس يمكن أن يحاولوا إغراق ألمهم في الكحول أو المخدرات، أو من خلال سلوكيات مدمرة أخرى، ولكننا نرى أن ذلك لا يؤدي إلا إلى مزيد من المشكلات، والتحدث عن ذلك صراحة قد لا يلقى استحساناً شعبياً، ولكن مما يتعارض مع طبيعة البشر هو قتل بشر لأنهم ردوا انتقاماً ضد أولئك الذين بدأوا حرباً عدوانية على أرضهم . ومن هم أكثر من يغارون على أولئك المجندين في الجيش؟ هل هم الذين يحضون على القيام بالمزيد مما يدمر حيواتهم ويضعف دفاعنا الوطني، أم أنهم أولئك الكثيرون بيننا الذين يحثون على اتباع سياسة خارجية سلمية والامتناع عن التدخلات في الخارج؟ إذا كنا نريد أن نحيا، يجب علينا أن نحترس من العواقب المرئية وغير المرئية للحرب الوقائية .