بيان مجلس الوزراء العماني الذي تزامن مع جلسة وزير القوى العاملة أمام مجلس الشورى يحدد بعض الخطوات التي من شأنها الحد من العمالة الوافدة والتجارة المستترة لتحقيق التوازن المأمول في التركيبة السكانية الموشكة على الاختلال، بعدما اقترب تعداد الأجانب من الوصول إلى النقطة الحرجة، لكنه لم يفصح عن برنامج زمني محدد، مكتفياً بالإشارة إلى مجموعة آليات من أهمها مراجعة قانون الاستثمار الأجنبي لسد الثغرات التي يجري استغلالها لجلب هذه العمالة، والنظر في التصاريح الممنوحة لاستقدامها في جميع التخصصات وصولاً إلى تقييم وتنظيم سوق العمل، ومراجعة إجراءات منح السجلات التجارية، واعتماد آلية جديدة للحد من ظاهرة التجارة المستترة، التي لم يحددها أو يكشف عنها أيضاً، وربما يفعلها لاحقاً بعد دراسة تفاصيل وأبعاد أوضاع سوق العمل بشكل أكثر دقة، خاصة أنه يتضمن تكليف المجلس الأعلى للتخطيط بإعداد وتقديم خطة واضحة بالمشاريع القائمة والمستقبلية المولدة لفرص وظيفية للمواطنين مع تحديد الفترة الزمنية لذلك، كما تقرر تشكيل فريق عمل يضم مختلف الجهات الحكومية المعنية، إضافة إلى غرفة تجارة وصناعة عمان يتولى رفع تقارير دورية للمجلس حول سير التنفيذ للآليات التي تخدم هذا التوجه . ولعله من الضروري التأكيد في هذا السياق على عدد من النقاط المهمة التي من بينها أن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص يستدعي المواءمة بين واقعين مختلفين، أحدهما يتمثل بالمؤسسات والشركات الكبرى القادرة والفاعلة، بينما الآخر يتعلق بنظيرتها التي ربما لا تمكنها ظروفها وأوضاعها المالية من الالتزام بتنفيذ القرار، والبحث عن بدائل واقعية للتعامل مع حالات كهذه بعيداً عن مزيد من الالتزامات الحكومية التي من شأنها إرهاق الموازنة العامة للدولة، حيث لا توجد حكومة في العالم تسهم في دفع رواتب العاملين في القطاع الخاص، كما أن الحديث عن منح الموظف الحكومي إجازة لمدة عام مدفوعة الأجر بحجة تشجيعه للإقدام على "العمل الحر" يستوجب الأخذ بالاحتياطات الواجبة فيما إذا فشل المشروع الخاص لهذا الموظف الحكومي، فهل يعود مرة أخرى إلى عمله بعد استراحة طويلة من عناء الوظيفة وصداع المراجعين، أم أنه سيجد نفسه مضطراً إلى البحث عن وظيفة بالقطاع الخاص؟ الثانية، أن مراجعة إجراءات منح السجلات التجارية نظنها تشكل محوراً أساسياً في الجهود المبذولة للحد من التجارة المستترة، التي تشير التقديرات الرسمية إلى أن نحو ستمئة ألف وافد يعملون تحت مظلتها، حيث بات ضرورياً فض الاشتباك بين العام والخاص، فإذا كان مفروضاً على المواطنين العاملين بالقطاع الخاص عدم تسجيل أنفسهم كباحثين عن عمل في القطاع الحكومي، فسوف يكون من المناسب حظر منح تراخيص تجارية لموظفي الحكومة أياً كانت مواقعهم حتى تتوقف حالة الاختلاط من دون تمييز بين الخاص والعام بكل ما سيحمله ذلك من حسنات أبسطها تجنب تضارب المصالح . ثالثاً، أن المراجعين لقانون الاستثمار الأجنبي مطالبون بسد الثغرات التي تسمح بما يمكن تسميته "صورية الاستثمار"، حيث بدت في الأفق بوادر تجارة مستترة جديدة من نوع خاص، مفادها أن يقوم المواطن بإيداع المبلغ المطلوب من الجهات المعنية لفوز الوافدين بلقب "مستثمر" يحصلون بموجبه على الشهادة البنكية، ثم يعاد سحب المبلغ من جديد بعد الوفاء بالغرض المحدد، في مقابل مبلغ مقطوع يحصل عليه المواطن من الوافد . . المستثمر . أخيراً، إن ترجمة النسبة المطلوب خفضها من العمالة الوافدة للوصول إلى الحد المأمول في سقفه الأعلى - والمقدرة بثلاثة وثلاثين في المئة - تعني أن السلطنة بحاجة إلى الاستغناء عن نحو نصف مليون من الوافدين الذين تصل أعدادهم حالياً إلى مليون وأربعمئة وثمانين ألفاً يشكلون نصف إجمالي عدد السكان البالغ مليونين وسبعمئة وثلاثة وسبعين ألفاً وأربعمئة وتسعة وسبعين نسمة استناداً إلى نتائج آخر تعداد رسمي قبل عامين، الأمر الذي يستوجب "الفرز الدقيق" لتحديد الفرق بين العمالة الضرورية لإنجاز المشروعات الاقتصادية الكبرى، وتلك التي تتصف بالطفيلية المتسترة خلف قناع المواطنين من أصحاب السجلات المؤجرة . المهمة صعبة . . لكنها ليست مستحيلة . [email protected]