د.أشرف الكبسي عندما ينخفض معدل (الذوق) في الدم ، فذلك مؤشر لا يقل خطورة عن كثير من الأمراض كالسكر والضغط وغيرهما... ، فأثاره المجتمعية تكاد تكون كارثية ، ولاسيما حينما يتحول إلى وباء متفش ، تنتقل فيروساته المعدية بين الأفراد والجماعات بمجرد المشاهدة عدى عن الملامسة..! ومن الواضح أن أعراض هذا (المرض) القاتل ، لا تقتصر على ارتفاع حرارة الأنا ، وفقدان الشهية نحو الأدب ، وإنما يمكن تشخيصه أيضاً عبر مظاهر من الجفاف الأخلاقي ، وسوء الهضم القيمي ، يصاحبها ارتخاء في عضلات القلب والضمير.. عندما يتوقف أحدهم بسيارته وسط الشارع المزدحم ، ليجري حديثاً ودياً مطولاً عبر النافذة ، أو يترجل منها بلا مبالاة لشراء حاجياته ، وكأنه ورث الشارع عن أبيه ، فهو وبلا شك يعاني قلة الذوق في الدم ، وعندما ينصب آخر خيمة (عرسه) قاطعاً للطريق ، ويستقدم (فناناً) ومكبرات صوت ، تؤذي بضجيجها حياً بأكمله ، حتى ساعات الليل المتأخرة ، مصحوبة بطلقات نارية مدوية ، فهو أيضاً وبدون ريب يشكو هبوطاً حاداً في مستويات الذوق ، ما يتطلب سرعة تزويده – وعبر الوريد – بجرعة مضاعفة ، مالم فلا مفر من التدخل الجراحي الفوري..! قد يقابلك بائع متجول ، يأبى إلا أن يستوقف عربته الصغيرة ، ومفردات تجارته ، قريباً من مركز الطريق ، فلا تحسبن أنه يعاني قلة الرزق ، ما يعانيه بالفعل هو قلة (الذوق) ، تماماً كذاك الذي لا تفارق أصبعيه سيجارته ، وتتصاعد أدخنتها أينما كان ، وصولاً لحافلات النقل ، أو كهذا الذي يتوسط جموع الناس ، ليصرخ – مزاحاً أو خصاماً- بشتى أنواع السباب القبيح وألوان الشتائم البذيئة ، دونما مراعاة لحرمة ، خادشاً بغبائه – وانعدام ذوقه – كل مظهر للحياء العام. تنظم القوانين والتشريعات طبيعة المعاملات المجتمعية ، وترسم ملامح العلاقات البشرية ، لكنها لا يمكن أن تشمل كل صغيرة وكبيرة ، وأن تحوي كل شاردة وواردة ، في معجم السلوك ، فالقانون الإنساني العام يعول كثيراً على ارتفاع منسوب الذوق في الدم ، والذي تغذية منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية ، فإن غابت هذه وتلك ، يمكن للمرء أن يجد نفسه وهو يعيش ، باحثاً عن بقعة ضوء ، بحثه عن بقعة ذوق.!