هل الثقافة في حاجة إلى توطين؟ غالباً ما يكون سؤال مثل هذا مشكلاً لأمرين، الأول في معنى الثقافة عندما تكون مرادفاً للهوية والتراث، والآخر عندما تكون الثقافة إنسانية المعنى تأخذ معناها من التنوع الثقافي والعولمة والحضارة، لكن والأمر معني بالتنمية في التوطين في قطاع الثقافة فالجواب سيحتاج إلى تدريب الكادر الثقافي على الموازنة بين الأمرين بشكل يحافظ على الهوية واللغة والتراث الثقافي الوطني ويقدمها ويستوعب التمازج مع الآخر، ولأن الإعلام صورة عن الواقع ومتكأ الثقافة في هذا الأمر لا نجده يعبر عن واقع مثل هذا، ولا سيما في الصحافة الثقافية، فالإعلام الثقافي أحياناً لا يقدم إجابة صالحة لهذا النوع من الإشكالات، فشرطه أساسه المادة الثقافية، واستكتابات اسماء معينة في صحف معينة ومجلات معينة على الدوام له مبرراته عندهم، والتي لا نناقشها بقدر ما نشير إلى وجودها، لكنها لا تقدم في أغلبها تشخيصاً للثقافة المحلية، أو ربما تعمل على تسليط الضوء على كثير من القضايا في واقعها المعيش واليومي بأسلوب خبري لا أكثر، وهناك أحياناً في بلد المراسل أو المنشأ البعيد، أو قد يصبح الحال من الصعوبة بمكان عندما تصبح الثقافة أخباراً لزواج ممثل أو ممثلة أو شجاراً بين مذيع وضيف وغيرها تحت مبرر الأخبار الطريفة، عندما يمتزج الإعلام بالثقافة نتوقع أكثر من ذلك، ولهذا كانت الثقافة دوماً تصاحب الإعلام في تنفيذ مقومات البرامج وحاجات المجتمع التنموية، وعندما تكون المنفعة مشتركة فإن الحاجات كذلك مشتركة، فهل عندها ما يغني؟ لكن في هذا الأمثال كثيرة وأشهرها المثل الذي نردده حول من يستغيث بمن لا يغني عنه من الأمر شيئاً بل يحتاج إلى ما يبحث عنه الآخرون، فالمثل يقول "عريان لايث على مفصخ" فاللايث في لهجة أهل البحر هو ما يلجئه البحر إلى الشاطئ، والمفصخ هو الذي لا ثوب يستره، ومعناه فاقد الشيء لايعطيه . الخبرات الثقافية نعتز بوجودها أو قد أثرت الساحة ولا تزال تقدم خبراتها التي سنستمر في الحاجة إليها، وعندما يطالب النشء الجديد دائماً بمن يأخذ بيدهم، ويقف معهم ويسدد خطاهم ويطالبون بالدعم، إذ لا عمل من دون تحفيز ودعم وتسديد من أصحاب الخبرات، وحتى أصحاب العصامية والمبادرات الخلاقة والخبرات يحتاجون إلى هذا، ومثلما هو حق يلزم أن نحصل عليه، هو واجب يحتم علينا أيضاً العرفان والامتنان لأولئك الرواد الذين قدموا تجاربهم وحياتهم درجات لصعودنا إلى مراتب أعلى في الابداع، فالممتن شاكر . وإنما الحديث عن تدريب الكادر الثقافي حتى لا تعجزنا الأسباب، وبما يخدم الصفحة الثقافية الإعلامية من دون أن تأكل الأبواب الأخرى من المساحة الثقافية تحت حجج الأخبار الطريفة وإعلانات الصحيفة ولأسباب تحريرية كثيرة، أو أن نعزف على الدوام على مبرر أن المثقف عازف عن الكتابة، وعدا عن شكل الصحف اليومية التي تتغير فيها الصحيفة اليومية نسبة لظروف كثيرة، فإن تأسيس الأقلام ذات الوزن الفكري والثقافي يحتاج إلى تعهد ورعاية وتكوين، كما يحتاج الأمر إلى ملاحق وصفحات ثقافية تصبح بأهمية الصفحة الأولى أو الأخيرة، لكنه ومن دون أن نحقق تمازجاً بهذه الجودة، فإن القارئ سيستمر بالحصول على كثير من الأخبار الطريفة والمنوعة .