عبدالله محمد الدهمشي تنتابني مشاعر عصية على الوصف اللفظي، حيث أجد بعض الصحف اليمنية مندفعة بلا حدود نحو نزعات مدمرة للهوية الوطنية ووحدتها الثقافية وسلمها المجتمعي، من خلال تعاملها مع التعددية المذهبية في اليمن بنفس طائفي، ومضمون حربي، عند تناولها، بمناسبة وبلا مناسبة، ملف التوتر في صعدة وما يتصل به من تداعيات وامتدادات. أياً ما يكون عليه الوضع الراهن لجماعة الحوثي، فإن التاريخ والواقع يشهد أن الجماعة، قبل كل شيء وبعد كل شيء، جماعة وطنية، ومجموعة سكانية، ملتصقة تماماً بالأرض وتاريخها السياسي والاجتماعي، وستبقى كذلك مع حركة التاريخ نحو المستقبل محكومة، مثل غيرها، بسنن التاريخ وقوانين حركته الاجتماعية، وهو ما يستدعي التعامل معها من منظور هذه الحقائق التي لا يتنكر لها إلا من بعينه غشاوة، وفي قلبه سواد كالح. على ضوء هذه الصورة التاريخية والوطنية لجماعة الحوثي، يمكن التعامل مع كل الشبهات المثارة حولها بروح وطنية تحفظ للوطن وحدته وسلامته من ويلات العداوة والبغضاء بين فئاته المتنوعة ثقافياً والمتعددة سياسياً واجتماعياً في الوطن الواحد على الجغرافيا وبالتاريخ، ولعل معطيات العبرة في التاريخ القريب لجولات الحرب الست التي شنت ضد الجماعة، تدعونا إلى التمسك بالروح الوطنية في معالجة أزمة صعدة وتجاوز ويلاتها بعدل وسلام. إن مفردات التشيع «الأثني عشري» و« الروافض» والعمالة لإيران، أو حتى المفردات السياسية التي تتحدث عن تحالف غير معلن بين الرئيس السابق والحوثيين، أقول: إن هذه المفردات المشحونة بخطاب التكفير الديني والتخوين السياسي تحوّل أزمة صعدة إلى جغرافيا ملغومة بالعداوة وشواحن الاقتتال الأهلي والتدمير الذاتي، وهي لا تخدم أحداً، ولا تقتصر كوارثها على فريق؛ لأنها تدمر الوطن، وتشمل ويلات مصائبها كل الناس، باعتبارها فتنة لا تصيب الظالمين بها خاصة بل تعم كل من لم يعمل على اتقائها. إنني هنا لا أدافع عن الحوثيين، بل أعبر عما أثارته بعض الصحف المحلية في نفسي من مشاعر القلق، وفي قلبي من بواعث التفكير في قضايا وطنية، تتحول إلى أزمات عاصفة، حين لم نحسن رؤيتها ولم نتعامل معها بروح وطنية مزينة بحكمة العقل ونور الإيمان. ولما كانت هذه الصحف، حتى بصفتها المستقلة، تعبر عن توجه سياسي، أو تخدم هذا التوجه صراحة أو ضمناً فإن الواجب المفروض بمرجعيات الوطن والإنسانية وحتى الأخلاق والدين يحتم عليها أن تنير السبيل الأمثل إلى أمر العدل والإحسان في معالجتها، من باب التسليم باستحالة نفي هذه الجماعة من أرضها، أو التخلص منها بغير مجازر ودمار. من المسلم به بداهة، أن هذا الخطاب موجه لجماعة الحوثي كما لغيرهم، غير أني معني بمصدر الباعث على هذا المقال، وأعني به الصحف المحلية المتفردة بوجه خاص في الاهتمام بالحوثيين على نحو طائفي؛ بهدف دعوتها إلى الكف عن نزوعها نحو إشعال فتيل الطائفية المدمرة للوطن وهويته الجغرافية والتاريخية، خصوصاً وهي تعلم ما نعلم عن تربص ذوي المصالح الكبرى بشعوب الأمة العربية، وتوظيف ما هي عليه من تنوع ديني وتعددية ثقافية واجتماعية لصالح خططها التفكيكية للهوية الوطنية في أقطار التجزئة الأولى للأمة. يمكن أن نختلف مذهبياً وسياسياً في ظل تآلفنا على المشترك الوطني الجامع لنا كيمنيين في جغرافيا اليمن، وهذا ما يسعى إليه الحوار الوطني في مؤتمره الشامل، والذي نتطلع إليه كإنجاز تاريخي، يتمكن به الشعب اليمني، بكل فئاته ومكوناته من تجاوز أزمته المتفاقمة وتحقيق قدر من الانفراج يكفي للانتقال المتدرج نحو الشراكة ونحو المشاركة في وطن العيش المشترك والتسامح والسلام. نعم، هنالك مخاطر قائمة وأخرى قادمة، من كل ملفات الأزمة الوطنية، ولكن هذه المخاطر لا تفرض علينا النزوع نحو التدمير الذاتي للوطنية اليمنية، بقدر ما توجب إدراكها بروح المسؤولية المخلصة لوطنها، والحريصة على تجنيبه كوارث الاحتراب وويلات التدمير، بأمر العدل والإحسان، وبنور البصيرة وحكمة التعقل في التفكير ثم التقدير، ثم التدبير، هذه بداية عامة، لها ما بعدها من تفاصيل. [email protected]