'بوعزيزي' الثورة الفلسطينية؟من شاهد جنازة الشهيد عرفات جرادات التي شارك فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قرية سعير قرب مدينة الخليل، يدرك جيدا ان تغييرا كبيرا بدأ يجتاح الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع، وان الاحتقان الكبير اوشك على الانفجار ان لم يكن قد انفجر فعلا. علمتنا الانتفاضتان الفلسطينيتان الاولى والثانية، ان شرارة صغيرة او كبيرة، تفجر مخزون الغضب في الشارع الفلسطيني، وتدفع به الى ذروة المقاومة، فاغتيال مجموعة من الفلسطينيين دهسا من قبل شاحنة فجر الاولى، واقتحام ايرييل شارون لباحة المسجد الاقصى فجر الثانية، واستشهاد عرفات جرادات تحت التعذيب في سجون الاحتلال قد يفجر الثالثة. عرفات جرادات قد يكون 'بوعزيزي فلسطين'، فاذا كان استشهاد الاول حرقا قد فجر ثورة تونس ومن بعدها ثورات الربيع العربي، فان استشهاد جرادات تحت التعذيب، وتضامن آلاف الاسرى في سجون الاحتلال معه قد يفجر الثورة الفلسطينية مجددا ان لم يكن قد فجرها فعلا. هذه الجنازة التي جسدت الوحدة الوطنية الفلسطينية في اسمى معانيها ليست جنازة عادية مثل كل الجنازات الاخرى السابقة، وهذا ليس تقليلا من هذه الجنازات، وانما لاختلاف الظروف والتوقيت، فهذه الجنازة جاءت بعد وصول الاحتقان الفلسطيني الى ذروته بسبب تغول الاذلال الاسرائيلي، ووصوله الى درجات يستحيل تحملها. جميل ان تتعانق اعلام فتح الصفراء مع اعلام حماس الخضراء، والجبهة الشعبية الحمراء، والجهاد الاسلامي السوداء، وكل اعلام الفصائل الاخرى، فهذا عرس الشهادة الفلسطيني، عرس الكرامة والشهامة والتضحية بالارواح من اجل اكثر القضايا عدلا في تاريخ المنطقة. انها ولادة جديدة لحركة 'فتح' بدأ مخاضها في المظاهرة المليونية التي انطلقت في قطاع غزة في ذكرى تأسيسها، وها هي تتبلور وليدا نضاليا مشرفا يذّكر ببدايات هذه الحركة التي حملت النضال الفلسطيني لاكثر من خمسين عاما تقريبا. اسرائيل ستندم ندما شديدا على انتخاب قيادة عنصرية متطرفة تعمدت اهانة هذا الشعب، وممارسة ابشع انواع الازدراء له، من خلال قتل عملية السلام، وممارسة الارهاب الاستيطاني، واخيرا تجويعه من خلال تجميد مستحقاته المالية. الشعب الفلسطيني لن يركع لكل اساليب الابتزاز الاسرائيلية مهما كانت قسوتها وتغولها، ولعل نتنياهو قدم له الهدية الاكبر التي كان ينتظرها عندما قدم له المفجر لانتفاضته الثالثة باغتيال الشهيد عرفات الثاني.