| بيروت - «الراي» | بدا المشهد الداخلي اللبناني بعد يومين من استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي غارقاً في غموض كثيف يصعب اطلاق أيّ توقّعات او سيناريوات حيال ما يمكن ان يتطوّر اليه الوضع السياسي والأمني في البلاد. ورغم ان «الموجة الاولى» عقب صدمة الاستقالة أدّت الى تجميع انطباعات متناقضة بين التوقعات الايجابية والمحاذير السلبية، فإن اللافت في هذا السياق ان احداً من المراجع الرسمية والقوى السياسية لا يبدو مالكاً خريطة طريق واضحة في شأن المخرج المحتمل لأزمةٍ تشابكت فيها لمرّة نادرة حالة شغور حكومي على مشارف انتخابات نيابية مرجحة بدورها للتأجيل. ولفتت مصادر على صلة بقصر بعبدا والسرايا الحكومية في هذا المجال ل «الراي» الى ان ملامح الإرباك السياسي الواسع ظهرت في الساعات الأخيرة على نحو واضح مع تريُّث رئيس الجمهورية ميشال سليمان في تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة من اجل تكليف رئيس الحكومة الجديدة الى ما بعد عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، اي الى مطلع ابريل، مشيرة الى ان هذا الامر لا يعود فقط الى سفر الرئيس سليمان غداً الى الدوحة للمشاركة في القمة العربية، وانما ايضاً الى انتظار بلورة المشهد السياسي المربك والمتعثر بعد استقالة ميقاتي بحيث تشكل المهلة الفاصلة عن الثاني او الثالث من ابريل فسحة لسليمان من اجل التشاور مع مختلف القوى السياسية ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري لبلورة الاتجاهات المحتملة قبل تحديد مواعيد الاستشارات. وتقول المصادر نفسها ان بري شرع عملياً في الإعداد لهذه المرحلة بطرحه مشروع «خريطة طريق» لمرحلة ما بعد الاستقالة الحكومية يقوم على عقد طاولة الحوار في قصر بعبدا ولو في جلسة واحدة قبل بدء الاستشارات النيابية للتكليف، للاتفاق على بندين حصرييْن هما الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية. ودللت مسارعة بري الى طرح هذا المشروع، في رأي المصادر، على حجم الحرَج السياسي الكبير الذي بلغته البلاد في ضوء نشوء أزمة حكوميّة الى جانب أزمة قانون الانتخاب ناهيك عن تصاعد المخاوف الأمنية في ظل احتدام المعارك في مدينة طرابلس منذ منتصف الاسبوع الماضي. ولفتت المصادر الى ان ثمة خشية من تفاقُم الاحتقانات والتعقيدات السياسية في نهاية الشهر الجاري عقب إحالة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي على التقاعد باعتبار ان هذا الامر شكل النقطة التي طفح بها كأس ميقاتي لدى إقدامه على الاستقالة. وما لم يبدأ المسار الدستوري والسياسي لمعالجة الأزمة ووضعها على سكة تفاهم واسع يشمل تشكيل حكومة جديدة والتوافق على قانون الانتخاب وبتّ مصير موعد الانتخابات، يُخشى ان تذهب الاوضاع نحو تفاقم خطير في ضوء التطورات الدراماتيكية المتسارعة في سورية من جهة وتصاعُد الاستقطاب المذهبي والسياسي الذي يبدو انعكاساً لهذه الحرب على لبنان من جهة اخرى. وتقول المصادر نفسها انه اذا كانت استقالة الحكومة وانفجار جولة القتال الجديدة في طرابلس شكلتا أحدث طبعة من طبعات تأثر لبنان بالحرب السورية وتطوراتها العسكرية والاقليمية، فان هذا الواقع يضغط بقوّة على مختلف المراجع والقوى اللبنانية للتعجيل في تجاوز الازمتين الحكومية والانتخابية نحو سلّة تفاهمات كبيرة لم يعد ممكناً انتشال لبنان من الأزمة الا من خلالها. وفي موازاة ذلك، بدت قوى 14 آذار على «نفس الموجة» مع الرئيس بري في ما خص موضوع الحوار وإن مع تباينات حيال «اجندته»، وهو ما عبّر عنه رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة الذي أعاد التذكير بملف السلاح، في معرض تعليقه على استقالة الحكومة وما بعدها، اذ اعتبر ان «الاستقالة فتحت نوافذ يجب الاستفادة منها، وأفسحت مجالا لان يصار بداية الى العودة الى طاولة الحوار ولكن على اساس ان يصار الى تنفيذ مقررات الحوار». وقال السنيورة، الذي أشارت تقارير الى انه زار اول من امس ميقاتي في السرايا ووصف استقالته بإنها خطوة ايجابية للانطلاق نحو أفق جديد، وذلك فيما كان الرئيس سعد الحريري يهنئ رئيس الحكومة المستقيل هاتفياً على خطوته: «الآن هناك امور عدة من جهة فخامة الرئيس سليمان دستورياً، اذ عندما يرى ذلك مناسباً في وقت قريب يدعو الى مباشرة الاستشارات النيابية الملزمة كما يستطلع امكانات البدء في جلسات الحوار على ان ننفذ ما اتفقنا عليه وبما في ذلك ايضا اعلان بعبدا، وايضا التوافق بشأن قانون الانتخاب الذي يمكن ان يحظى بموافقة الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية»، مضيفاً: «الأمر الآخر هو الإقرار بان هناك مشكلة تتعلق بموضوع السلاح في لبنان وهذا الجو المحتقن الذي يؤدي الى افتعال مشاكل وبالتالي تشجيعاً للبعض ليستعمل السلاح في الداخل»، داعياً الى «حكومة قد تكون من الاختصاصيين او الخبراء المسيسين ولكنهم لا يمتهنون العمل السياسي، او انهم كانوا سياسيين وتوقفوا». وفي السياق نفسه، اعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «ان استقالة حكومة ميقاتي هي خطوة إيجابية في ذاتها نظرا الى الارتكابات والموبقات والسياسة الخارجية العوجاء خاصةً، والفلتان الأمني الداخلي وعلى الحدود وسوء الإدارة الذي تميزت به الأكثرية في هذه الحكومة»، موضحاً رداً على سؤال عن شكل الحكومة المقبلة الأفضل برأيه «اننا في تشاور مستمر مع كافّة قيادات 14 آذار ومع قيادات أخرى في البلد، وأنا شخصياً لم أكوّن بعد أيّ فكرة بما يتعلّق بشكل الحكومة المقبلة الأفضل. نحن في صدد اجتماعات حزبية متتالية لمناقشة الأمر في ضوء تواصلنا مع حلفائنا ومع الأفرقاء الآخرين في البلد». وكان بارزاً ايضاً ما نُقل عن ان رئيس جبهة «النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الذي يشكّل «بيضة القبان» التي ترجّح اسم الرئيس العتيد للحكومة وشكلها «يفضّل أن تكون الحكومة الجديدة حكومة تقنيين وخبراء ترشحهم الجهات السياسية، وأن لا تتضمن الحكومة وزراء سابقين أو نواباً، على أن تكون الحكومة بمثابة سفينة عبور من مرحلة إلى مرحلة جديدة، وأن تكون الحكومة الانقاذية بعد الانتخابات». وفي غمرة البحث عن «بروفايل» الحكومة العتيدة، اعلن أبرز المرشحين لخلافة ميقاتي في رئاسة الوزراء، رئيس اتحاد الغرف العربية الوزير السابق عدنان القصار أنه المرشح الدائم لرئاسة الحكومة اللبنانية «ولا سيما عندما ندخل بين الحين والآخر في الفراغ الدستوري، فتسارع الأقطاب السياسية في لبنان ومن كافة الأطياف لطرح اسمي لترؤس الحكومة لما أتمتع به من ثقة بالعبور بالبلد الى مكان آمن». وأكد القصار أن قبوله في أي وقت برئاسة الحكومة مرتبط بحصول إجماع لبناني على توليه لهذه المهمة، مشددا على أنه لا يسعى أبدا لهذا المنصب «إنما الإجماع الوطني يجعل أي مهمة واجبة ولا يمكن التهرب منها»، مشيرا إلى أن رئاسة الحكومة قد عرضت عليه سابقا ولكن ضمن شروط فرفضها، وأكد أن توليه لهذه المهمة لا يكون وفق شروط أي طرف بل وفق ما يعتقد ويؤمن به أنه سيحقق مصلحة لبنان ومصلحة الشعب اللبناني، ولافتاً في الوقت نفسه الى ان «الوضع السياسي حاليا لا يصلح إلا عبر إعادة تشكيل حكومة انقاذية، وعودة الرئيس ميقاتي إلى رئاسة الحكومة أمر لا بد منه». الراعي يدعو إلى الحوار وتشكيل «حكومة قادرة» بيروت - «الراي» ناشد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الشعب اللبناني «وجميع المخلصين للبنان والمسؤولين السياسيين، في الظرف الحرج الذي يعيشه لبنان وخصوصاً بعد تقديم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي استقالته والاوضاع الداخلية والاقليمية متوترة، تقدير خطورة الوضع والجلوس الى طاولة الحوار بروح المسؤولية والضمير الوطني من اجل تشكيل حكومة قادرة يرتاح إليها المواطنون، تعمل بجدية على اقرار قانون جديد للانتخاب، واجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري حماية للديموقراطية وتداول السلطة اللذين يميزان لبنان، حكومة تضبط الامن في الداخل وعلى الحدود وبالاخص مع سورية، وتدفع بالاقتصاد الوطني الى الامام، حكومة تعزز الميثاق الوطني لا سيما لجهة حماية لبنان من ان يكون مقرا او ممرا للسلاح الى اي بلد». ودعا الراعي في العظة التي ألقاها في قداس «أحد الشعانين» لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي «اخواننا في طرابلس الى وقف الاقتتال والتفاهم والاحترام المتبادل، بعيداً عن تداعيات الاحداث الجارية في سورية والتي نرجو لها مخرجاً آمناً بالحوار والتفاوض رحمةً بالمواطنين الأبرياء».