عاجل: التحالف يؤكد اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين في حضرموت    الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التطورات في جنوب شرق اليمن دون توجيه أي موقف عدائي للجنوب    موقع إيطالي: اندلاع حرب غير مباشرة بين السعودية والإمارات في اليمن    ترامب: لن أعترف بأرض الصومال    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    لمن يريد تحرير صنعاء: الجنوب أتخذ قراره ولا تراجع عنه.. فدعوه وشأنه لتضمنوا دعمه    لماذا يفشل خطاب الوصاية أمام التاريخ الجنوبي؟    تجدد المعارك الطاحنة بين ادوات العدوان في حضرموت    موقف صنعاء من تفاقم الصراع في حضرموت    الصومال تؤكد سيادتها وترفض أي اعتراف خارجي يمس وحدة أراضيها    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    العليمي يقدّم طلبًا للتحالف بشأن الأوضاع في حضرموت    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    أحاول … أن أكون مواطنًا    التعادل يحسم مواجهة أنجولا وزيمبابوي في كأس أمم إفريقيا    الذهب يقفز لمستوى قياسي جديد    شاهد / حضور كبير لاحياء جمعة رجب في جامع الجند بتعز    السيّد القائد يحذر من تحركات "طاغوت العصر"    بتوجيهات قائد الثورة .. اطلاق 21 سجينا من "الحربي" بمناسبة جمعة رجب    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    الرئيس المشاط يعزي عضو مجلس النواب علي الزنم في وفاة عمه    نتنياهو يعلن في بيان الاعتراف بإقليم انفصالي في القرن الأفريقي    ندبة في الهواء    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    سوريا.. قتلى وجرحى في تفجير داخل مسجد في حمص    مقتل مهاجر يمني داخل سجن في ليبيا    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الدستور في تونس
نشر في الجنوب ميديا يوم 15 - 11 - 2012

على الرغم من دعوات التوافق، وضرورة وقف الحرب الإعلامية الدائرة والتهدئة بين الفصائل السياسية المتصارعة في تونس، إلا أن النقاشات حول الدستور التونسي الجديد، بالترافق مع صدور "توطئة الدستور"زادت الموقف اشتعالاً، بل باتت تمثل ساحة أخرى للصراع السياسي المتصاعد على مدى الأشهر الماضية بين القوى المدنية والدينية، الذي يعبّر عن نفسه تارة في الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وتارة أخرى في الشارع بوقفات احتجاجية، أو في لقاءات جماهيرية .
يسعى كل طرف بشكل محموم لتثبيت ما يمكن أن تسمى مكتسباته أو مصالحه في هذه الوثيقة الحاكمة لمستقبل تونس، وانتهاز الفرصة السانحة لفرض تصوراته بكل ما أوتي من قوة، وسط حالة من الجدل الواسع المستفز لجموع الجماهير الراغبة في استقرار سريع وتحسن لأحوالها المعيشية المتردية، فيما يتصعد بقوة نشاط السلفية الجهادية المثير لمخاوف الكثيرين، وباتت التصادمات العنيفة وعمليات الثأر حتى مع قوات الشرطة متكررة، ومؤشراً بالغاً الخطورة له أصداؤه في المشهد السياسي بشكل عام، وفي صراعات الدستور بوجه خاص .
وربما حالة الاستقطاب الكبير على أرضية الدستور، دفعت بالبعض إلى الدعوة إلى الإبقاء على دستور ،1959 أو إدخال بعض التنقيحات عليه، لتفادي مثل هذه الصراعات، وربما لمخاوف من أن الدستور الجديد، ربما ينتقص من الحقوق التي كانت متاحة سابقاً، ويغير من هوية الدولة وفق موازين القوى التي تميل بدرجة ما لمصلحة التيار الديني، خاصة جناحه المتشدد .
الشريعة
وتمثل قضية النص على الشريعة الإسلامية في الدستور كأساس للتشريع أحد أبرز القضايا الخلافية، ورغم أن زعيم حركة النهضة الإسلامية المتصدرة للمشهد السياسي في تونس حالياً راشد الغنوشي قد أعلن بشكل واضح أنه لا ضرورة للنص على الشريعة لأنها موجودة في الواقع، ولتهدئة مخاوف فئات عديدة كذلك منزعجة من الذهاب لدولة دينية، إلا أن السلفيين على اختلاف تشكيلاتهم ما زالوا يصرّون على ضرورة تضمين الشريعة، وبصيغة ملزمة حاكمة لكل التشريعات المرتقبة، بل إن بعض الأصوات منهم ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، بالحديث عن ضرورة إباحة تعدد الزوجات وما ملكت اليمين، على نحو أثار بشكل خاص فزع المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، حيث ترى أن مثل هذه الدعوات تخرق الأعراف والقواعد القانونية المستقرة في تونس لسنوات طويلة، وتغير من هوية المجتمع التونسي المنفتح الذي لا يبتعد كثيرا عن سياق الثقافة الأوروبية ومنجزها، خاصة على الصعيد الاجتماعي وحقوق المرأة تحديداً، بل وتطالب بتضمين الحقوق الواردة في قانون الأحوال الشخصية في الدستور حفاظاً على المكتسبات القائمة، خاصة ما يتعلق بمنع تعدد الزوجات والمساواة بين الرجل والمرأة، وليس الإشارة إلى تكامل أدوارهما التي تعكس نكوصاً وانتقاصاً من حقوق النساء المستقرة .
التطبيع
وتأتي قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني كإحدى الإشكاليات المثارة كذلك، فبينما يرى التيار اليساري والقومي أن ثمة حتمية للنص صراحة على تجريم التطبيع مع الصهاينة في الدستور الجديد، ويرون أنه من الخيانة للثورة فتح الباب لعلاقات مع أعداء الأمة مثلما كان الحال أيام نظام ابن علي، نرى في المقابل القوى الدينية وفي القلب منها حركة النهضة تعارض هذا التوجه .
وقد ثار جدل واسع خلال الأسبوع الماضي حول هذه القضية، خاصة مع تصريح قيادي بحركة النهضة بأن ثمة نصيحة من رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية لأقرانه التونسيين خلال زيارته الأخيرة لتونس بتجنب النص على تجريم التطبيع في الدستور، وهو الأمر الذي سارعت كل من حركتي النهضة وحماس إلى نفيه، غير أن ضغط قوى المعارضة خاصة القومية واليسارية المنضوية تحت "الجبهة الشعبية"تواصل ضغطها لجهة تجريم العلاقات مع الصهاينة، وعبّر عن نفسه في وقفات أمام المجلس التأسيسي .
وتضع هاتان الإشكاليتان حركة النهضة المتهمة بالهيمنة على صياغة الدستور بين سندان القوى المدنية الرافضة للتطبيع، ومطرقة القوى الدينية الراغبة في فرض الشريعة في نصوص قاطعة بالدستور، وتُظهر الحركة الإسلامية الممسكة بمقاليد الأمور حالياً في تونس بمظهر المتناقض مزدوج الخطاب والسلوك، خاصة أن حلفاءها السلفيين يرون أن حديث الغنوشي نقض لتعهد سابق حول النص على مرجعية الشريعة في الدستور .
وربما لاستعراض السلفيين قوتهم في الشارع باستمرار، للدرجة التي جعلتهم يهاجمون مقرات الشرطة ويحاصرون قاعات المحاكم لإطلاق سراح الموقوفين من أنصارهم على ذمة قضايا جنائية، أو التجييش الدعائي لفرض الشريعة، والتهديد بالجهاد المقدس، كما فعل أحد شيوخ السلفية برفع الكفن في وجه وزير الداخلية في أحد البرامج التلفزيونية، بدأ التراجع المريب في خطابات قيادات حركة النهضة، خاصة المقرر العام للدستور الحبيب الخضر الذي أكد في أكثر من موضع أهمية الانسجام مع الشريعة وعدم إهمالها في الدستور الجديد .
وبدا أن ثمة محاولة للتحايل اللغوي في "توطئة الدستور"التي ليست مقدمة ذات طابع إنشائي، بقدر ما تحدد فلسفة الدستور وتوجهاته العامة وتمثل جزءاً لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية لها ما له من أحكامه، وذلك لإيجاد صيغ غير مباشرة ترضي التيار الديني، ويمكن تمريرها في غفلة من القوى المدنية حسب قناعات كثيرين من المعارضة الليبرالية واليسارية، من قبيل الإشارة إلى أن الدستور تأسس على ثوابت الإسلام ومقاصده، الأمر الذي أثار لغطاً واسعاً، حيث اعتبرته القوى الدينية عبارة غير واضحة المعالم وليست كافية، حيث تريد النص بوضوح على أن الشريعة المصدر الوحيد للتشريع، فيما القوى المدنية رأت أنها تفتح الباب لتأويلات تسمح بأسلمة المجتمع، وجعل الخطاب الديني هو الأعلى، وليس النص الدستوري، مع طرح في الوقت ذاته إنشاء مجلس إسلامي أعلى والنص عليه دستورياً، الأمر الذي جعل حتى خبراء الدستور في تونس يتساءلون عن جدواه، في ظل إنشاء محكمة دستورية، وهل يعد منافساً لها في مراجعة القوانين، وخطوة على طريق ضمان أسلمة الدستور، وهذا حسب رأيهم، مرفوض في دولة القانون الّتي تقرّ علويّة الدّستور .
وإذا توقفنا عند الإشكالية الأخرى، نجد أنه رغم ورود صراحة في المسودة الأولى للنصوص المقترحة من لجان الدستور ما ينص على تجريم التطبيع، وتحدث الغنوشي أيضاً عن تأييده هذا التوجه، إلا أنه بعد تفجير قضية تدخل حركة حماس في النصح بحذف هذا النص، بدا أن تكذيب هذه الواقعة لا سند له في الواقع، فانسجاماً مع الموقف العام لجماعة الإخوان المسلمين (المرجعية الأساسية لكل من حماس والنهضة)، والتفاهمات مع واشنطن حول ضرورة عدم اتخاذ مواقف عدائية من الكيان الصهيوني من قبل دول الربيع العربي، برزت تصريحات أكثر من قيادي بالنهضة ومسؤول حكومي في مقدمتهم وزير الخارجية، وفيق عبد السلام، الذي أكد أن تجريم التطبيع مع الكيان في الدستور أمر غير وارد، وربما لأن ضغوط القوى اليسارية والقومية ليست كافية حتى الآن مقارنة بضغوط السلفيين، فلم يتم التراجع بعد، فضلاً عن حضور البعد الدولي، وعدم الرغبة في اغضاب واشنطن، والأوروبيين، وهز الصورة التي تقدمها حركة النهضة عن نفسها أنها منسجمة مع البيئة الدولية ونموذج تركي آخر لا يتخذ موقفاً راديكالياً ضد الكيان الصهيوني .
مخاوف
ورغم خطاب الطمأنة من قبل رموز حركة النهضة في الإعلام، وأن الدستور القادم سيكون توافقياً بعيداً عن تكريس الاستبداد السياسي أو الديني، ومعبّراً عن جموع التونسيين، إلا أن هذه التصريحات لم تكن كافية لتبديد مخاوف قوى المعارضة داخل المجلس التأسيسي وخارجه التي ترى أن مثل هذه الخطابات مراوغة، لا تعكس حقيقة أن ثمة تهديدات حقيقية لمدنية الدولة وحقوق المرأة والمواطنة، ويدللون على ذلك بالتلاعب بالنصوص لدى الصياغة، أو الحذف منها في عدم حضور المعارضة، أو اللجوء لعبارات فضفاضة ذات إحالات ماضوية تسمح بتفسيرات تكرس للدولة الدينية، فضلا عن تناقض مواقف حركة النهضة وتبدلها باستمرار، وعدم السماح فعلياً بانتقاد أفعالها، حيث بادر المقرر العام للدستور المحسوب على حركة النهضة على سبيل المثال بتقديم دعوى قضائية ضد نائبة بالمجلس التأسيسي عن حزب "نداء تونس"المعارض، لدى نقد ممارساته إعلاميا، واتهامه بالتدخل في تعديل نص خاص بحرية التعبير في مسودة الدستور، معتبراً أن ثمة إساءة جرت له .
ولا شك أن مساحة عدم الثقة التي تزداد يوماً بعد يوم بين الفرقاء السياسيين في تونس ستنعكس بقوة على صعوبة حسم تلك الإشكاليات الدستورية وغيرها التي لا تزال محل نقاش مفتوح، غير أن منطق القوة والصفقات السياسية سيكون له الغلبة على ما يبدو، خاصة بين أبناء المعسكر الواحد "الديني«، غير أنه لن ينهي الصراع السياسي والتوترات التي ستأخذ وقتاً أطول بين القوى الدينية والمدنية، خاصة أن الخريطة السياسية ما زالت في طور التشكل، والتحالفات تتغير باستمرار، ومن كانوا في حالة كمون أو متسربين داخل أحزاب قائمة، كأعضاء الحزب الحاكم السابق، باتوا ينظمون أنفسهم في حزب جديد، ودرجة الرفض تجاههم تتضاءل، والحراك السياسي يتسارع، وإن كان يواكبه تنامي العنف، وتشدد المواقف وتصارع أجندات المصالح، الأمر الذي بلا شك سيلقي بظلاله على الدستور الجديد ويجعل مخاضه عسيراً للغاية، رغم تجاوز المدى الزمني لإعداده، وتعقّد المشهد السياسي، وتزايد الاستقطابات أكثر من ذي قبل .
* كاتب متخصص في الشؤون العربية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.