لم تتح لي الظروف أن أشارك في منتدى جدة الاقتصادي الذي عقد قبل أسابيع، ولكنني سمعت ممن حضره وقرأت شيئاً من التغطية الصحفية له، ولعلي أبدأ بتهنئة القائمين على المنتدى الذين أحسنوا صنعاً عندما اختاروا قضية الإسكان محوراً أساسياً لأعمال المنتدى، فالإسكان يمثل تحدياً أساسياً للتنمية الوطنية خاصة إذا نظرنا إلى الطبيعة الديموغرافية لبلادنا التي تتسم بارتفاع معدل الشباب بين السكان وما يحملونه من تطلعات نحو الحصول على مسكن آمن مريح بتكلفة معقولة وبما يساعدهم على تأمين حياتهم الاجتماعية وتكوين أسرهم الجديدة. اطلعت في الصحف على الحوار الذي دار حول تقرير جامعة الأعمال والتقنية وما إذا كان أحد قد حاول حجب التقرير أو الحؤول دون مناقشته، وأعجبت بموقف معالي وزير الإسكان الذي لم يسع إلى منع التقرير، وبموقف الشيخ صالح كامل الذي ما كان ليقبل أن يملي أي شخص ولو كان وزيراً للإسكان على المنتدى أن يحجب تقريراً عن المناقشة، وبحماسة الأخ الدكتور عبدالله دحلان الذي تمسك بالتقرير واضطلع بالحديث عنه حتى ولو كان قد حد من فرصة الأساتذة الباحثين في عرض التقرير بهدوء وروية بعيداً عن حرارة العواطف والأزمات التي لم تكن مبررة أو مطلوبة. الجلسة الأخرى التي حظيت بكثير من الاهتمام كانت الجلسة التي أطلق عليها اسم «جلسة الوزراء» لأنها كانت متألقة بحضور عدد من كبار المسئولين الهامين، ولكنها مع الأسف لم ترقَ إلى المستوى الرفيع للمشاركين فيها حيث لم تأتِ بجديد يذكر واكتفت بسرد ما هو معروف من برامج، حتى أنه عندما طرح أحد الحضور سؤالاً جاداً بما معناه أن كل المبادرات التي اتخذت قد جاءت لتنشيط الطلب ولكنها لم تتطرق إلى العرض من الأراضي، مما أدى في واقع الأمر إلى ارتفاع أسعارها وتفاقم الأزمة، لم يجد السائل جواباً شافياً، بل إن وزارة الإسكان قد اعترفت في وقت سابق بأن أحد أهم المعوقات التي تواجهها هي ندرة الأراضي المتاحة لها لتنفيذ مشاريعها بالرغم من وفرة الأراضي البيضاء. البعض يظن أن الحل يتمثل في فرض الزكاة السنوية على الأراضي البيضاء باعتبار أنها من عروض التجارة، وبغض النظر عن الجانب الشرعي في هذا الأمر، فإنني أظن أن إجراء كهذا سوف يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الأراضي ولن يدفع بمالكيها إلى التخلص منها لأن معدل ارتفاع قيمتها يتجاوز نسبة الزكاة المفروضة، وآخرون قالوا إن الحل يكمن في استرجاع الأراضي التي منحت لمن لا يحتاج إليها وتخصيصها للمشاريع العامة، ولكن واقع الأمر يقول بأن الغالبية العظمى من هذه الأراضي قد بيعت وتم تداولها عدة مرات بحيث يكاد يتعذر العودة إلى مالكها الأول الذي حصل عليها بدون مقابل. ما الحل إذاً؟ الحل في تقديري يتمثل في خطوتين.. الأولى تنظر إلى الأمد البعيد وتقضي بإيقاف المنح كلياً لأي قطعة تتجاوز حداً معقولاً للاستعمال الفردي وبذلك نحافظ للأجيال القادمة على الأراضي المتاحة في الجبال والصحاري والبيد الواقعة على بعد مئات الكيلومترات من المدن، والخطوة الثانية هو أن تقدم الدولة على شراء الأراضي اللازمة بشكل متدرج وشامل حتى تتمكن من استعادة القدرة على اتخاذ المبادرة نحو حل مشكلات الأراضي للإسكان والتعليم والصحة وغيرها.. انه حل مكلف ولكنه ضروري لمعالجة ما تسببنا فيه عندما توسعنا في منح الكيلومترات المربعة في القفار والوديان دون أن نحسب حساباً لآثار ذلك على الأجيال والمستقبل. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (19) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain