ارتفاع مستويات السكر في الدم، واتباع نظام غذائي يحتوي على نسب عالية من الملح وميل إلى تخزين الدهون، كل ذلك يبدو وصفة تحدث كارثة صحية لدى الإنسان، إلا أن مثل هذه الترتيبات تساعد الإبل على البقاء على قيد الحياة في بعض مناطق العالم الأكثر جفافاً، وأشدها برداً. فقد بدأ الباحثون في منغوليا والصين الكشف عن الخصائص الجينية وراء الحيل الفسيولوجية التي تستخدمها الإبل من أجل البقاء في ظل ظروف بالغة القسوة، ففي ورقة نشرت الأربعاء الماضي في مطبوعة «نيتشر كوميونيكيشن»، يصف العلماء الجينوم في الجمال البرية والمستأنسة. ويقول مدير مركز شنغهاي للمعلومات الاحيائية وللتكنولوجيا في الصين، لي اكسيو، وهو أيضاً المؤلف المشارك في الورقة «وجدنا أن العديد من الجينات المرتبطة بعملية التمثيل الغذائي تتطور بشكل متسارع في الإبل، خلافاً لما هي عليه الحال مع ذوات الظلف المشقوق مثل الأبقار». وكما يقول عالم الوراثة الجزيئية في كلية بايلور الطبية في هيوستن، كيم رلى «الإبل، بوصفها حيوانات مجترة مثل الماشية والأغنام، تهضم الطعام من خلال مضغه، إلا أن العديد من جينات الجمال استطاعت أن تطور بسرعة جينات لتنظيم عملية التمثيل الغذائي، ما يوحي بأن ما تفعله الجمال مع المواد الغذائية بعد الهضم هو لعبة مختلفة كلياً عما هي عليه الحال». ويضيف «كان الأمر مفاجئاً بالنسبة لي عندما اكتشفت أن الجمال لديها اختلاف كبير في عملية التمثيل الغذائي عن الحيوانات المجترة الاخرى»، ويتمثل هذا الاختلاف في كيفية إنتاج وتخزين الجمل للطاقة في الصحراء. وتشير الدراسة إلى أن الجمال يمكن أن تتحمل مستويات عالية جداً من السكر في الدم، ويرجع ذلك جزئياً إلى التغيرات في الجينات المرتبطة بالنوع الثاني من السكر في جسم الانسان. إن التطور المتسارع لجينات الجمل ذي السنامين يشمل أيضاً تطور بعض الجينات التي تنظم طريقة تدفق الانسولين، كما يفسر الباحثون، إذ إنه إذا تمعنّا في كيفية استجابة الابل للأنسولين، فإن ذلك من شأنه أن يساعد على كشف كيفية تنظيم عمل الانسولين والسكر في جسم الإنسان. ويقول عالم الأحياء الحسابي في مدرسة كوينزلاند للعلوم البيولوجية في بريسبان بأستراليا، براين دالريمبل، «أنا مهتم جداً بقصة الجلوكوز». وحدد الباحثون أيضاً أجزاء من الخريطة الوراثية البشرية التي يمكن أن تفسر لنا كيف أن الإبل ذات السنامين أفضل بكثير من البشر في تحمل مستويات عالية من الملح في مجرى الدم، وفي البشر فإن الجين «سي بي 2 جيه» ينظم ارتفاع ضغط الدم، ويمنعه من الارتفاع الى مستويات عالية، وعلى كل فإن الجمال لديها نسخ متعددة من هذه الجينات التي تساعد على إبقاء ضغط الدم على مستوى منخفض حتى عندما تستهلك هذه الجمال الكثير من الملح، كما يعتقد الباحثون. هذا التحليل السريع لا يمثل سوى البداية في البحث في جينات الجمل. ويقول عالم جينات الحيوان بجامعة ايوا الاميركية، ماكس روتشيلد «هناك اهتمام بمثل هذه الامور في المستقبل».