قررت وزارة البيئة الألمانية في بداية السنة الجارية وضع لوحة بالأماكن العامة في البلاد كتب عليها باللغة الألمانية: تبسمك في وجه أخيك صدقة (النبي محمد). والاستعانة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشر ثقافة الابتسامة بقدر ما هي إشارة تقدير لعظمة النبي الكريم وقيم الدين الإسلامي وأخلاقه، وإشارة تسامح أيضا بقدر ما هي إشارة تجعلنا نخجل من أنفسنا في العالم العربي والإسلامي، لماذا لا تبادر بعض وزاراتنا وإداراتنا خاصة المعنية بالفضاء العام لمثل هذا الإبداع من قبيل وضع لافتات كبيرة في الشوارع فيها حكم وأقوال للنبي صلى الله عليه وسلم وأسلافه من الرسل والصالحين والحكماء والمفكرين والفلاسفة باختلاف دياناتهم وتوجهاتهم الفكرية، لأن الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق بها كما قال الحبيب المصطفى عليه السلام. حكم ومقولات يرجى من ورائها تذكير الناس في زحمة الحياة والكفاح من أجل العيش في زمن صعب بقيم أخلاقية حضارية حتى لا يفقدوا إنسانيتهم وتذبل روحهم وتنخنق في عصر طغت فيه الماديات والشكليات، واختلطت على الناس فيه الأولويات فباتت الكماليات كالضروريات و... مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحتاج لتذكيرها بآيات ومقولات وحكم تكتب في لافتات وعلى لوحات كبيرة في الفضاءات العامة والمراكز التجارية أيضاً حتى تنافس سطوة الإعلانات التجارية، تذكر بقيم وأخلاق دينية وإنسانية وحضارية كالصدق والأمانة والاجتهاد والإخلاص في العمل والتسامح والاعتدال و... لأنها ركائز أساسية لنجاح الأمم وتقدمها، وتنهى عن مساوئ وموبقات كالتباغض والظلم والخداع والأنانية والتطرف و... لأنها سبب التعاسة والشحناء في المجتمع. البعض قد يستخف بهذا ويقول ما فائدة هذه اللوحات واللافتات، والجواب عليه أن فيها أولا تذكيرا و «الذكرى تنفع المؤمنين» وثانيا تطرح السؤال عند قارئها وتحرك العقول والقلوب وتخز الضمائر، وذلك بحسب موضوع المقولة أو الحكمة. وعلى سبيل المثال ألا نحتاج في العالم العربي والإسلامي حيث نسبة الأمية مرتفعة ونسبة القراءة وإصدار الكتب هزيلة وتكاد لا تذكر بالمقارنة مع الغرب، إلى لافتات في شوارعها يكتب عليها قول المفكر الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله «الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها»، ولافتات أخرى مكتوب عليها قول فرانسيس بيكون «المعرفة قوة» وقول نابليون بونابرت «من فتح مدرسة أقفل سجنا». وبالعودة لقول النبي الكريم «تبسمك في وجه أخيك صدقة» الذي قررت وزارة البيئة الألمانية وضعه في لوحة بالأماكن العامة كما سلف الذكر، نجد أنه اختيار لأبعاد صحية ونفسية في مجتمع منخرط في طاحونة العولمة وما بعدها، وما لذلك من تداعيات صحية لا تنفع معها العقاقير والمهدئات، بقدر ما تحتاج لعلاج طبيعي هو الابتسامة والتواصل بها لأنها تخفف ضغط الدم وتحافظ للإنسان على صحته النفسية والبدنية، وتنشط دورته الدموية، وتقيه من القلق وتوتر الأعصاب، والأرق. وقد أثبت الطب أن الابتسامة تساعد الإنسان أيضاً على تقوية مناعة جسمه ومواجهة ضغوط الحياة، وتحافظ له على نبض سليم للقلب ينعكس إيجابا على المخ والذهن وبشرة الوجه والمعدة من حيث خفض حموضتها. كما أكد الطب أن الابتسامة تقلل من الاكتئاب وتمنح الراحة والاستقرار للإنسان، وأكثر من ذلك تساعد الابتسامة على حسن الانتباه والتعمق الفكري وتقوية الذاكرة وصفاء الذهن بشكل يساعد الإنسان على العمل والإبداع والاجتهاد، وفي هذا الحديث إعجاز حقيقي وكبير ودليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، لخص كل هذه الفوائد الصحية في جملة واحدة. وإذا كان اختيار وزارة البيئة الألمانية للحديث النبوي المذكور اختيارا نفعيا دنيويا، فما أحوجنا كمسلمين للابتسامة للمنافع الصحية المذكورة وللمنافع الدينية باعتبارها صدقة لها أجر عند رب العالمين خاصة إذا كانت صادقة!