الأخوان آندي ولاري واتشوسكي معروفان بأنهما كاتبا ومخرجا سلسلة أفلام "ماتريكس" الشهيرة و"فانديتا" و"سبيد ريس" ومن قبلها فيلم "باوند" (1996) . اليوم وبعد 15 سنة يعود المخرجان للعمل مع المخرج توم تويكر في الرائعة السينمائية "سحابة أطلس" وهو فيلم ألماني - أمريكي درامي وخيال علمي، مقتبس من رواية كتبها ديفيد ميتشيل . الفيلم حسب بعض نقاد السينما مختلف لأنه يدور حول رحلة استكشافية تتعلق بحياة 6 شخصيات من عصور مختلفة مرتبطة ببعضها البعض بالرغم من تباعد الأزمان في ما بينها، واختلاف طريقة تفكيرها، وكيف أن تصرفات إحدى هذه الشخصيات في الماضي تؤثر في حياة شخص آخر في المستقبل سواء أكانت إيجابية أم سلبية . يبدأ الفيلم بإيصال هذه الرسالة: "حياتنا ليست ملكاً لنا، فمن الرحم إلى القبر نحن مرتبطون بالآخرين سواء في الماضي أو الحاضر ومع كل عمل حسن أو سيئ نكوّن مستقبلنا . والواقع أن الحبكة القصصية التي تهيمن على هذا العمل السينمائي تسحبك إلى عوالم عدة لم تسمع بها من قبل، وتعرفك أجناساً تكاد تجزم بأنها مخلوقات غير بشرية . تلك السحب التي تسحبك تارة إلى الثقب الأسود الكائن في المجتمع الإنساني ثم ترتقي بك في أخرى إلى عنان السماء، تجعلك تندهش لقدرة تحمل الإنسانية هموم وويلات الحياة . عند اجتماع المخرج الألماني توم تويكر بالمخرجين الأمريكيين آندي ولاري واتشوسكي لتحرير أحد النصوص التي تجمع مابين الخيال العلمي والدراما الإنسانية، وجعل عملهم بمثابة الأحجية التي يتم تشكيل جزيئاتها المترامية الأطراف للوصول إلى هدف واحد وهو الترابط بين تلك العوالم وبين تلك الشخصيات، حاول المخرجون بهذا الاجتماع اختراق ما هو ملموس في شأن اندثار الأجساد واندماج الأرواح . ما يجعل هذا الفيلم يستحق الحديث عنه والمشاهدة تلك السيطرة على النص وتعدد الشخصيات والأفكار، وحتى اختلاف طرق السرد، إنه سرد ومتعة مترامية الأطراف تتسع فيها كافة المشاعر الإنسانية، ففي لحظة تنطلق إلى رؤية البشرية في كل الأزمنة كحيوانات مفترسة تنهش لحم الضعيف منها وتقوم بالتهامه، وفي لحظة أخرى تشهد تلك الشفافية والبراءة وسمو الأحاسيس البشرية . عند مراجعة أحد الحوارات المقتبسة من العمل نجد أنه يسرد قصة مجموعة من البشر يختارون مساراتهم الخاصة وفي نقطة ما يكون عليهم الاختيار مابين خياري الخير أو الشر من خلال الاختيار بين المصالح الشخصية وتلك العامة . ونلاحظ أن حياة أفراد العمل تكون على المحك، بل هم عاجزون عن فهم ما يحيط بهم أيضاً، ومن هنا حاول صناع العمل إضافة مشاهد مسلطة على وجوه الشخصيات وخصوصاً "العيون" في رمزية للاتصال الحسي والإنساني الذي يتفوق على لغة الجسد والكلمات . كل شخصية هي محور للأحداث، ثم تنكمش لتصبح ذرة في مدار أضخم وأكثر اتساعاً، لتقول لنا إننا مجرد قطرات صغيرة ينشأ من خلالها المحيط الإنساني، وإن المحيطات الهائلة الاتساع تتكون في الأصل من قطرات أي أفراد، فكل قطرة أو فرد يمكن أن يؤثر في مسيرة شخص آخر سلباً أو إيجاباً، فكل خطيئة أو حسنة تقدمها لشخص آخر ستأتي لحظة في الحياة لترد لك بشكل أو بآخر، ويظهر ذلك في سلسلة من المشاهد المميزة التي تخطف الأنفاس وتحرك المشاعر . الفيلم أيضاً يخوض في مصطلح الحرية، فيرتقي بهذا المفهوم لكي يشبه سحابة تحلق في الأجواء بلا منزل ولا وطن تسكن بين أسواره، تلك السحابة التي مكنت شخصيات العمل من الارتقاء بنظرهم إلى السماء لمشاهدتها لأنها الجزئية الحقيقية والملموسة في تلك العوالم الخيالية . هذا العمل بحسب بعض النقاد يستحق المديح بداية من مخرجيه وكتابه والطاقم التمثيلي بقيادة المبدع توم هانكس والجميلة السمراء هالي بيري، فكل هؤلاء قدموا مجموعة من الشخصيات الجميلة التي تحمل بين طياتها العديد من الرسائل الإنسانية، كذلك كان المميز الاهتمام الدقيق بالتفاصيل والتأثيرات البصرية والحقب المختلفة، فمنطقة نيو سيؤول كانت في قمة الإبهار وأيضاً اسكتلندا وجزيرة هاواين . إضافة إلى إتقان المكياج، وقام الممثلون بتمثيل ما يقارب من 6 أو 5 شخصيات بأشكال مختلفة، لذلك كان من المهم التفنن في المكياج بمنتهى الحرفية . الموسيقا التصويرية في الفيلم رائعة وبالأخص معزوفة "سحابة أطلس السداسية"، وإلى جانب توم هانكس برز أداء هيوجو ويفينغ في جزيرة هاواين وجيم ستورغيس ودونا باي في نيو سيؤول التي أظهرت مهاراتها التمثيلية وبالأخص في مشاهد العيون والبكاء، وأخيراً أداء مملوء بالشاعرية في اسكتلندا . لكن ما عاب العمل هو وجود بعض المشاهد الجريئة التي قللت حسب رأي البعض من جمالية هذا الفيلم الذي بلغت ميزانية تصويره 100 مليون دولار .