في الوقت الذي استوعبت الأمة البريطانية أخبار وفاة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر الاثنين، وانكست الأعلام في قصر بكنغهام بكل احترام وأُغرقت محطات التلفزيون مع تحية دافئة فيما خصصت الوسائل الإعلام صفحتها الأولى للإشارة إلى وفاة "عملاقة السياسة"، إلا أن كرة القدم، على نحو غير عادي، بقيت صامتة إزاء ذلك الحدث . روميو روفائيل – إيلاف: لم تكن الرياضة في بريطانية مترددة دائماً لتكريم الموتى، وعادة تقدم الحداد دقيقة واحدة قبل المباريات وبحماس، في حين كانت ذكرى تكريم الشهداء كانت بمثابة مسألة خوض معركة مع الفيفا دائماً بشكل دائم ، ومع ذلك لم يثر وفاة مارغريت ثاتشر أي شيء سوى الصمت المُطبق. ولم يوافق البريمير ليغ على طلب قطباً مانشستر بالوقوف دقيقة واحدة حداداً قبل مباراة فوز السيتيزين 2-1 على جاره الشياطين الحمر في أولد ترافورد مساء الاثنين الماضي – التي من المرجح أن يتخيلها المشاهد على انها استجابة ملحوظة للاشتراكي السير اليكس فيرغسون – في حين كان رد فعل اتحاد الكرة الإنكليزي مماثلاً عندما اختار عدم تأبين الشخصية التي ستقام لها جنازة ضخمة مع مرتبة الشرف العسكرية، في مباراتي الدور قبل النهائي لكأس الاتحاد اللتان ستقومان في ويمبلي عطلة نهاية هذا الأسبوع. وأشارت الصحيفة اليمينية "دايلي ميل" – كما كان متوقعاً – إلى ذلك وتجاهل وفاة ثاتشر على أنه "مخزي لإزدراء سيدة أنقذت الكرة الإنكليزية"، ولكن الحقيقة مختلفة إلى حد ما، حيث كان يمكن لهذه اللعبة الجميلة أن تغفر لها لو لم تتفاعل مع وفاة شخصية سياسة كانت الأكثر إثارة للجدل منذ فترة ما بعد الحرب العالمية. تاتشر وصفت أنها بكابحة الرياضة كان من المثير للغرابة أن تعتبر كرة القدم لدى السياسيين مستعبدة، فقد كانت توفر الأرض المثالية لتحديد أجندتهم بسلاسة مع عامة الشعب،لكن ويبدو أن ثاتشر وزملائها ارادوا كبحوا الرياضة، وبشكل أكثر تحديداً من مؤيديها، فلم يقم توني بلير برحلات لتعزيز محاولة انكلترا لتأمين حقوق استضافة نهائيات كأس العالم، كما فعل رئيس الوزراء الحالي ديفيد كامرون عندما شكل الثلاثي سيئ الحظ مع ديفيد بيكهام والأمير ويليام، وفي الوقت الذي يسعى السياسيون الآن للسيطرة على كرة القدم، وبعد ذلك يبدو أنهم يريدون التبرؤ منها. ومن الصواب أنه لا ينبغي الحديث بشيء سيئ عن الموتى، ولكن من المهم أيضاً أن يتم تقديم تقييم حقيقي عن حياتهم، ونظراً لتأثير ثاتشر الكبير على كل مستويات المجتمع الإنكليزي والسياسة العالمية، فإنه يبدو هذا الشيء ثانوياً،لكنه لا يزال يستحق تسجيل موقف حكومتها المترفع، وفي بعض الأحيان المعادي. تطور اللعبة الحديثة جاء بعد دعم العائلات والتجربة المعمقة للمستهلك، والعلامة التجارية العالمية التي تدفع 150 مليون جنيه استرليني لرعاية مراكز التدريب، بعدما كانت تعيش ايام مظلمة لكرة القدم في ظل حكومة ثاتشر. وقد كان الشجب واضحاً بعد وفاة 39 مشجعاً في هيسل – عندما اتهم بعض أنصار ليفربول باندفاعه نحو نظرائهم من يوفنتوس ما أدى إلى انهيار الحاجز – وعلى أثر ذلك جاء دعم تاتشر بشكل كامل لحظر الأندية الإنكليزية من التنافس في أوروبا، ، حيث تناول عدد قليل من المراقبين حول المتورطين المباشرين للحادثة معلقين بذلك : "لقد جلبوا العار والخزي على بلادهم وكرة القدم... علينا أن ننظف اللعبة من هذا الشغب". كانت حادثة هيسل أسوأ مثال على سلوك الجماهير السيئ في ذلك الوقت،وليس هناك أي شك من أن الكرة الانكليزية كانت لديها مشكلة كبيرة جداً في الثمانينات،ومع ذلك، فإن رد حكومة تاتشر كان على ما يبدو مهاجمة جميع مشجعي كرة القدم لتشويه صورة الجماهير ، حتى تلك الجماهير العادية التي لا تمت للشغب بصلة . وكانت هناك مخاوف حقيقية جداً لأكثر الحوادث سوءاً من العنف الشديد، حيث كان المشاغبون يصنفون الديموغرافية كلها كعلامة تجارية لإثارة الشغب، وكانت الغالبية العظمى منهم، كما هو الحال الآن، مهتم بمشاهدة فريقه يلعب في عطلة نهاية الأسبوع،وحاولت حكومة رئيسة الوزراء السابقة المحافظة على التحريض لمشروع إلزامي بمنح بطاقة هوية شخصية لجميع جماهير كرة القدم – الذي كان أول نظام قمعي في أوروبا – في حين وصف حزب العمال الاقتراح على أنه "جريمة ضد الآداب العامة". وكان تفكير الكثير من هؤلاء في مواقع السلطة احتواء أنصار كرة القدم والسيطرة عليهم،وأصبحت السلامة تدريجياً مصدر قلق قانوني وحالة من القضايا التي لها عواقب مميتة. وفي عام 1985 قضت النيران على نادي برادفورد وخلفت ضحايا 56 مشجعاً عندما اشتعلت في المدرجات الخشبية بسبب تراكم القمامة تحتها، وفي 1989 في هيلزبورو كان لإهمال الشرطة أسفر عن مقتل 96 من أنصار ليفربول. وأوضحت هذه الحادثة أكثر من أي قضية أخرى أو حدث، تردد كرة القدم للمشاركة في حداد اليوم. وكانت شرطة الحكومة نفسها مسؤولة عن وفاة هؤلاء الأنصار، وربما كان مثيراً للإشمئزاز إجراء اختبارات على الجثث بحثاً عن آثار الكحول، آملة عبثاً للعثور على أدلة لتشويه سمعة أولئك الذين سحقوا حتى الموت، ثم شرعت السلطات بحملة تستر وتشويه واسعة النطاق، ما أدى إلى اجهاض، وربما أبغض، العدالة في تاريخ بريطانيا، بإعتبارها حادثة عادية، وقيل للمشجعين الأبرياء إنهم تحت طائلة المسؤولية. إعتذارأخيراً بعد 23 عاماً في العام الماضي فقط اعتذرت الحكومة البريطانية رسمياً لمشجعي ليفربول، بعد أكاذيب وافتراءات استمرت لمدة 23 عاماً طويلة ومؤلمة، وعرض أنصار "الريدز" مراراً وتكراراً لافتة كتب عليها "افضحوا الأكاذيب قبل وفاة ثاتشر"، وفعلت أسرهم ذلك،وبدأت النهاية لرأب الجرح الضخم الذي لحق بالمجتمع البريطاني. ولكن تقرير لجنة هيلزبورو المستقلة الذي نشر في أيلول الماضي لا يحتوي على "دليل دامغ"، كما كان يتوقع بعضهم بأنه قد يورط "المرأة الحديدة"، ولجأت حكومة ذلك الوقت للكذب لإحكام قبضته وللشرطة من الإفلات من عقاب واضح. وبحلول 1990، وهو عام خروج ثاتشر غير المشرف من مقر رئاسة الوزراء، كان المزاج في كرة القدم قد بدأ في التغير،وتضمن "تقرير تايلور" النهائي الذي نشر في كانون الثاني من ذلك العام رداً على الأحداث بمقاطعة هيلزبورو، أنه من شأنه أن يؤدي إلى أن تكون كل المدرجات مجهزة بمقاعد والارتقاء بمستوى الرياضة، ما سمح في نهاية المطاف أن يكون حملاً ثقيلاً جداً على التسويق العالمي - انذاك - ولكن بدأت السلطات تجري التغييرات اللازمة للحفاظ على سلامة المشجعين وأمنهم بعد وفاة 96 مشجعاً. وفي الوقت نفسه أظهرت كرة القدم الانكليزية تأثيرها على الشعب الإنكليزي في تموز 1990 عندما أثرت في عواطفه عندما بكى بول غاسكوين في تورينو بعد هزيمة الأسود الثلاثة للمدير الفني بوبي روبسون من نهائيات كأس العالم أمام ألمانيا بركلات الترجيح ، حيث كانت تذلك الهزيمة مذهلة للشعب الانكليزي ولكنه كان على استعداد مرة أخرى مع هذه الأحداث لإعادة كرة القدم للواجهه من جديد . وقد روى بيت ديفيس صاحب الكتاب المهيب أحداث "ايطاليا 90" ملتقطاً بصورة مؤثرة المواقف السائدة آنذاك في البطولة ، عندما أظهرت حكومة ثاتشر مثل هذا الازدراء ضد مشجعي كرة القدم والتي جعلت مسؤولي الإتحاد في مرحلة من المراحل التفكير بالانسحاب من كأس العالم كلياً. وكتب عن فشل انكلترا على رغم أداءه الرائع في البطولة: "لم تكن مجرد حقيقة لتأهلنا إلى نصف النهائي، فقد كانت لطبيعة الرحلة والتحول في صورة اللعبة ومركزية بول غاسكوين، الحقيقة أن فريقنا يتطور ويلعب كرة جميلة وبطولية حقاً، لذا فإن الأمة قادرة على الالتفاف حول ذلك. لقد كان الوقت فظيعاً (في انكلترا) تظاهرات ضخمة ضد إقرار ضريبة البلدية وثاتشر في نهاية كدحها لرئاسة الوزارء وركود اقتصادي. في أي حالة كانت انكلترا؟ ولكن المنتخب الوطني قدم وحد الجميع معاً". ومن دون شك فقد كان عام 1990 العام الذي غيّر كرة القدم الانكليزية وانكلترا إلى الأبد، ومع ترك ثاتشر منصبها أطلق في نفس الوقت سراح كرة القدم من الأغلال التي قيدتها في عهدها !