بعد أن تراجع الاهتمام بها كثيرا نتيجة تركز الأضواء على الثورات العربية. بدا مؤخرا وكأن الضوء يعود ببطء للقضية الفلسطينية لتستعيد مكانها في صلب الاهتمامات الإقليمية والدولية، وخصوصا بعد الزيارة الأخيرة التي أداها وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري إلى المنطقة. رغم أنه لم يكن يحمل معه خلالها مشروعا أو خطة واضحة. كل ما اصطحبه كيري في جرابه جملتان بسيطتان مؤداهما أن «السلام ممكن بين إسرائيل التي تريد الأمن وتستحقه. وبين فلسطين التي تريد دولة وتستحقها».. كلام جميل وفيه كثير من المنطق، لكنه يشبه كثيرا العرض الذي راج أنه قدمه إلى أبو مازن والذي يقضي بالإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية وتحويلها بشكل مستمر، وكذلك توسيع مناطق سيطرة السلطة في المناطق (سي) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، بالإضافة لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين! يبدو السيد كيري هنا وكأنه يطبخ الحصى للبطون الفلسطينية الجائعة.. ويبدو أيضاً متماهيا مع التكتيك الإسرائيلي القديم المتجدد والقائم على التجويع الأقصى ثم المن بالعظم على الجائعين.. فما تلك العروض الأميركية –إن صحت– سوى أمور مستحقة بلا منة من أحد. لكن الصراع السياسي الفلسطيني الإسرائيلي لم يخرج عن تلك القاعدة منذ بدئه. وتحديدا منذ أوسلو.. وها أن ذات الصراع يعود اليوم مع السيد كيري وكأنه بدأ الأسبوع الماضي! يقول قائد الدبلوماسية الأميركية أيضاً إن إطلاق مفاوضات السلام بشكل صحيح أفضل من إطلاقها بشكل سريع.. وهو أيضاً كلام صائب، لكنه شديد العمومية ولا يراعي حقائق الأرض ولا حقائق التاريخ.. وفي خضم هذا التسطيح المخل يفاجئ رئيس وزراء إسرائيل الجميع بتصريح لافت يعلن فيه عزمه على إنهاء النزاع مع الفلسطينيين كليا! كيف سيكون ذلك يا ترى وهو الذي يقضم الأرض الفلسطينية كل يوم؟! سيتعين علينا الانتظار بعض الوقت لنرى ولنفهم معنى إنهاء النزاع كليا على أيدي بنيامين نتنياهو.. نحتاج إلى وقت أكثر كذلك لاستقصاء ومعرفة ما دار خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي لإسرائيل. وربما أن ظاهر الكلام لا يعكس بواطن الاتفاقات في منطقة أصبحت تموج بالتغييرات. فالثابت والأكيد أن تعاطي الأميركيين والإسرائيليين مع القضية الفلسطينية على وشك التغير، ليس لأن سياستيهما قد تغيرت بقدر ما إن المحيط الإقليمي الإسرائيلي قد تغير بفعل الثورات العربية التي لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها احتمال استقرار الأمر –ولو لبرهة- بين أيدي متشددين طالما حلموا وبشروا بإلقاء إسرائيل في البحر.. وبالتبعية قد تجد جميع الأطراف المتقابلة نفسها يوما في وارد الراديكالية الناسفة.. ولعل ذلك ما كان السيد جون كيري يومئ إليه وهو يتحدث عن الأمن الذي تحتاجه إسرائيل.. والذي لن يأتي –حتما- إلا بإقامة الدولة الفلسطينية قبل فوات الأوان.