في المقهى المعتاد نحّى رفيق كوب الشاي جانبًا وهو يقول: يتزايد عدد من يرون بأن الانتفاضة لم تجلب سوى المتاعب ووجع الدماغ.. علّقت مبتسمًا: لا ألومهم، إلا أن ليس بهذه الطريقة يُحلَّل حَدَث بهذا الحجم. كانت الانتفاضة عفوية بلا غاية مقصودة، رغم أنها عبّرت عن حاجة جادة وحقيقية صدرت من اللا وعي الجماعي، حتمية وفق معطياتها بغض النظر عن التوقيت، وأصدق من أي عمل واعٍ مخطط له يسعى إلى هدف. أما متوالية الأحداث التي ترتَّبت عليها فموضوع آخر، الحدث لا يُقيّم على ضوء انحرافات هو غير مسؤول عنها. تستطيع القول أن الفرصة التي أتاحها اللاوعي بعمل تلقائي قد يضيعها الوعي بسوء فعاله، يزيد من قبح تلك الأفعال أن غالبيتها سيئة القصد ضيّقة المصالح.. رمقني بنظرة مترقّبة وقال: سيضيعها، هذا ما أكدته لنا أنت، أم تراك نسيت!؟.. قلت: فكرني.. قال: كتبت من قبل عن براءة الأنظمة السابقة وأن المعضلة في حقيقتها اجتماعية متعددة الأبعاد، اقتصادية وقيمية وثقافية إلخ، بما يعني أن لا أمل في تطورات إيجابية تصدر عن واقع هو ذاته معضلة.. قلت: رغم أنك لست دقيقًا في فهم ما كتبت، إلا أن في كلامك مقدمات ونتائج مترابطة منطقيًا. أعترف أني متشائم، لكن ليس إلى درجة أن أفرض تشاؤمي على مستقبل لا يعرفه أحد.. قال: حسنًا، هل تتوقع ما يمكن أن نتفاءل به في موجة تلك الاستنتاجات التى قلت بأنها منطقية؟.. أجبت: تطرح على العقل سؤالًا ليس عنده عليه إجابة معقولة، لا معنى لأن أحدثك عن أماني. أن كنت تبحث عن عناصر للأمل أبشرك بأنها موجودة، سوى أن ليس بين القوى المتحركة على الأرض ما يُجسّدها في فعل إيجابي. الدافع الرئيسي وراء انتفاضة يناير (بما يعني وجود دوافع عدة) غير محسوس ولا مرئي، وراجع لضغوط الاستجابة لحركة التاريخ، وهي إما أن يستجاب لها أو يتحايل عليها فتبقى على حالها، التحايل لا يلغى ولا ينفّث، ستظل مشكلة غير محلولة تطالب بحل، إلى أن يأتي وقت يقيض لها فيه التجاوب الصحيح، في موعد لا يتاح تأجيله إلى الأبد. تطلعت إليه متسائلًا: هل جلب إليك ما سمعت شيئًا من التفاؤل؟.. لوى شفتيه بلا حماس ورد: أخشى أن الوقت لا يعمل لصالحنا، كم من الوقت متاح لنا في انتظار التجاوب الصحيح قبل أن تداهمنا كوارث!؟.. قلت: هذا شعب فريد في خصائصه، ركزت في قراءاتي على تاريخه بتوسع ربما لم يتيسر إلا لقليل من أبنائه، فلم تنقطع قدرته على إدهاشي، اثنين من عجائب الدنيا السبع من صنعه لأنه هو في ذاته عجيبة، من عجائبه الصمود والقدرة على التحمل وهي في نفس الوقت أحد نقاط ضعفه!، أرجوك لا تسألني كيف ونحن موشكون على الانصراف. كل من تحدّثوا عن عصور ذهبية في تاريخه مخطئون، عصره الذهبي الذي يستحقه لم يخبره بعد، ويستحقه مكافأة على صبره. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain