كانت الموسيقى ولا تزال هي نبض الشعوب ولغة التواصل بينها، وأحد الروافد التي نتعرف من خلالها إلى عادات الناس وثقافاتهم، كما ارتبطت الموسيقى بأحداث معينة، فحينما نتكلم على تاريخ الموسيقا والغناء المصريين، فنحن نتكلم على جزء لا ينفصل عن التاريخ المصري بما له وما عليه، لأن الفن وسيلة من وسائل التعبير عن الواقع . وفي السطور التالية نتناول فنانين من "التاريخ المصري"، ارتبط فنهم بأحداث وحقبة مهمة، ومنهم من ترك أثراً كبيراً وأحدث تغييراً في عالم الموسيقا والغناء . الشيخ سيد درويش "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي، مصر يا أم البلاد أنت غايتي والمراد"، تلك هي كلمات السلام الجمهوري لجمهورية مصر العربية، والتي وضع ألحانها الراحل سيد درويش، وهي ما تزال تعيش في وجداننا . ولد سيد درويش في حي كوم الدكة بالعطارين في مدينة الإسكندرية في17 مارس/آذار ،1892 كان والده المعلم درويش البحر يعمل نجاراً بورشة صغيرة، وكانت أمنية الأب أن ينشأ الابن نشأة دينية، فألحقه بكتّاب "حسن حلاوة"، وحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم . توفي والده وهو في سن السابعة، فاستكمل دراسته بالمعهد الديني بالإسكندرية . كان الفتى شغوفاً بسماع ألحان الموالد، واستطاع أن يحفظ الكثير من التواشيح والقصائد الدينية . عمل سيد درويش في مستهل حياته في المحلات العامة كقهوة "أبو راضي"، وقهوة "أمينة المنصورية" بحي اللبان، وقهوة "السلام" بالمنشية، كما مارس بعض المهن البسيطة، وكان يغني لزملائه أثناء العمل .ابتسم له الحظ حين سمعه الممثل أمين عطا الله شقيق سليم عطا الله صاحب إحدى الفرق التمثيلية التي كانت تعمل بالإسكندرية، فأعجب بصوته وعرض عليه الانضمام إلى فرقة أخيه . سافر سيد درويش مع فرقة أمين عطا الله إلى الشام مرتين، الأولى عام 1909 والثانية ،1912 وقد تهيأت له الفرصة لتعلم فن الموسيقى على يد أحد أشهر رجال الفن آنذاك وهو عثمان الموصلي . اتجه درويش إلى التلحين فأجاد تلحين الأدوار والطقاطيق والموشحات، وقد كان الشيخ سلامة حجازي هو أول من قدم سيد درويش إلى الجمهور القاهري عام 1915 في وصلات غنائية خلال فصول الروايات التي تعرضها فرقته . عام 1917 عهد جورج أبيض إليه بوضع ألحان رواية "فيروز شاه"، تأليف عبدالحليم دولار، وقد غناها حامد موسى . استطاع الشيخ سيد أن يلفت أنظار أصحاب الفرق التمثيلية الأخرى، فعُهد إليه تلحين بعض الأوبريتات، ولحن لفرق كل من، نجيب الريحاني، وعكاشة، ومنيرة المهدية، وعلي الكسار . سيد درويش شكل ضلعاً أساسياً في أحداث ثورة 1919 الوطنية، حيث قدم عدداً من الألحان الوطنية والتي مازالت تعيش في وجدان كل مصري، منها: "إحنا الجنود زي الأسود"، "قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك"، "أحسن جيوش في الأمم جيوشنا"، "أنا المصري كريم العنصرين"، "دقت طبول الحرب يا خيالة" . استلهم ألحانه من روح الشعب بكافة فئاته، فاختلط بالناس وعاش بينهم، ما مكّنه من طرح مشكلاتهم في موسيقاه، فغنى للعمال في المقاهي والفلاحين والموظفين ومحدودي الدخل، ولُقب بفنان الشعب . من أشهر أدوار سيد درويش: يا فؤادي ليه بتعشق، ضيعت مستقبل حياتي، ياللي قوامك يعجبني، الحبيب للهجر مايل، وغيرها . . ومن أشهر طقاطيقه: اهوه ده اللي صار، خفيف الروح بيتعاجب، يا ناس أنا مت في حبي، حرج علي بابا ماروحش السينما، ومن أشهر أوبريتاته: عبد الرحمن ناصر، هدى، كلها يومين، شهرزاد، العشرة الطيبة، والفصل الأول وجزء من الفصل الثاني من أوبرا "كليوباترا" . استطاع فنان الشعب أن ينقل الغناء من بيوت الأغنياء والقصور إلى الجماهير العريضة التي عاش معها وعاش بها، وكان بفضل موهبته سبباً في تطور الأغنية العربية من أغنية في معظم الأحيان تفتقد إلى العمق والى التعايش والتفاعل مع مشكلات المجتمع، إلى أغنية تنبض بالحياة وألحان ربطت بين الكلمة والنغمة . توفي فنان الشعب في مدينة الإسكندرية يوم 15 مارس/آذار عام1923 تاركاً وراءه ارثاً كبيراً وعظيماً رغم السنوات القليلة التي عاشها . الفنان سيد مصطفى ولد عام ،1896 تأثر بفن الشيخ سيد درويش وكان يعرف بأنه أحد تلاميذه، سجل بعض الأغاني على أسطوانات منها "يا نواعم يا تفاح"، و"القلل القناوي"، و"الجرسونات" . عام 1923 وبعد وفاة فنان الشعب سيد درويش، انضم سيد مصطفى إلى فرقة علي الكسار، وكان من ضمن جوقة تياترو "الماجستيك" . سافر مع فرقة الكسار إلى الشام، ولحن لبعض الفنانين أمثال: عباس البليدي، آمال حسين، ابراهيم حمودة، شفيق جلال . . كان الشيخ زكريا من أقرب الأصدقاء إلى قلبه، حيث ظل ملازماً له في كثير من جولاته . الفنان عبدالغني السيد ولد عام1912 وكان أول مطرب يعمل بالإذاعات الأهلية . تمتع بصوت عذب إلا أنه كان قليل الحظ، عمل في السينما في فيلم "وراء الستار" مع رجاء عبده، وكذلك فيلم "لاشين" . من أشهر أغانيه "البيض الأمارة" . توفي عبدالغني السيد يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 1962 .