| منى فهد عبدالرزاق الوهيب | ما تعارف عليه البشر أن كل شيء ينشأ تحت ضغط يناله التشويش والارتباك وقلة الجودة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى منح وخصّ كل شيء طبيعته الخاصة به، وتلك الطبيعة تشكل قوام وجوده، والضغط عليها يغير في شكلها ومضمونها. ولكن! هناك شيئا من الضغط يشكل دافعا إيجابيا لأنه يُحسّن من مستوى اليقظة الذاتية للمرء، فيفتح عينه على أخطاء وقع فيها دون أن يدري أو بسبب سوء تقدير، وحتى يظل الضغط في حيز الإيجابية، فينبغي ألا يخرج عن حدود الاستثارة وفقد التحكم بالانفعالات. من منا لا يواجه ضغوطاً على مستوى الأسرة والمجتمع وفي بيئات العمل؟! وهنا يأتي التحدي بكيفية التعامل مع الضغوطات وجعلها إيجابية، بحيث نسمح للطبيعة الإنسانية الاحتفاظ بجوهرها من دون التنازل عن أحد مبادئها أو التخلي عن قيمها، إلى جانب الاستمرار بالنمو على التأقلم مع النظم والأعراف والتقاليد السارية والمستقرة في بيئاتنا المختلفة، حتى لا ينتابنا شعور الضغط السلبي الذي يؤثر على حياتنا. ولكي نفهم ونعي كيف نفرق بين ما هو طبيعي وإيجابي من الضغوط؟! لابد أن نستقبلها بنفسية وعقلية تدرك كيف تستجيب وتتكيف مع الإيجابي منها، وغير الطبيعي والضار منها. الغالبية منا - إن لم نكن كلنا - تعرضنا للضغوط الاجتماعية أو الأسرية أو النفسية أو العاطفية أو... أو...، حيث إنه لا يستطيع أي مجتمع الحفاظ على وحدته من غير ممارسة شيء من الضغوط على بعض أفراده، وذلك لأن العقل الجمعي للمجتمع أحيانا لا يكون راشداً بما يكفي، فتلجأ الدولة إلى تشريع قوانين تحفظ وحدة وكيان المجتمع من التفكك. العلاقة بين العاطفة والفكر ثابتة، فعندما يتعلق الإنسان بشيء يستحث عقله على إنتاج الأفكار والبراهين التي تسوغ وتبرر ذلك التعلق، وحين يغضب من شيء أو يبغضه، كثيرا ما يجد فعلاً يقنع به نفسه، والحقيقة أن ضغط العاطفة واسع الانتشار بين الناس، تراه وتحسه وتلمسه في قسوة الأحكام على الآخرين وإقصائهم، ولقد شاهدنا ورأينا وعايشنا هذه النماذج السيئة في المجتمع الكويتي، عندما يتناسون كل أدبيات الإسلام في الرفق والتسامح والإنصاف ويدعون إلى التعصب المقيت إما تصريحا وإما تلميحا، ويعملون ويجتهدون على حمل الناس على ما يهوون، ويرون، حتى لو كان ما يدعون له موقع خلاف وتمزيق وتفتيت لوحدات المجتمع. يبقى هناك آليات علينا أن نشير لها كي ترشدنا وتوجهنا إلى كيفية التعامل مع الضغوط وجعلها إيجابية نافعة لنا ولمن حولنا، ينبغي لكل فرد يعيش على الأرض أن يسلّم بأن شيئا من الضغط واقع عليه لا محال خلال حياته، كما أننا كوننا نعيش بدار الابتلاء يقتضي علينا أن نواجه الكثير من الأمور والتحديات المزعجة، ومن المهم جدا حين يواجه الواحد منا ضغوطا غير عادية، أن يتأمل فيها، فإن كانت تدفعه في اتجاه الخير والفضيلة والمعروف، فعليه أن يستجيب لها ويتحامل على نفسه، وإن كانت غير ذلك فليقاومها، بتغيير علاقته بالأشياء التي تسبب له الضغط، أو يعتمد على نوع من إدارة الإدراك، ليعمل على تشتيت الضغوط من خلال احتساب الأجر من الله - تعالى - ومن خلال ممارسة الرياضة والاسترخاء والتواصل الاجتماعي ورفع مستوى الكفاءة الشخصية، إلى جانب البوح لبعض الأصدقاء المقربين واستشارة أولي الرأي والخبرة. twitter: @mona_alwohaib [email protected]