| منى فهد عبدالرزاق الوهيب | اعتبر أحد الباحثين اللغة بأنها الأداة التي تميز المجتمع الإنساني عن سائر المجتمعات، كما أن اللغة هي التي تنسق العلاقات بين الكلمات حين ننظمها بجمل مفيدة، بل هي منظمة رمزية ترمز إلى نشاط المجتمع، وتترجم تجاربه وخبراته وتاريخه بصفة عامة، وهي أداة ترسم الشعور لنا وتعرضه على أذهاننا، وهي من توفر لنا المفردات التي تجلو شخصية الأشياء، كما أن اللغة هي من تمكن الفرد للدخول في علاقات وتفاعلات اجتماعية مختلفة. كشفت دراسة قام بها باحثون في جامعة فلوريدا الأميركية أن الإشاعات والنميمة الاجتماعية قد لا يؤذيان طلاب المدارس المراهقين جسدياً، إلا أنهما يؤديان إلى نتائج ضارة على صحتهم النفسية، وقد تمتد معهم لفترة طويلة من حياتهم ومن المحتمل أن تصل إلى مرحلة الشباب. قال بعض الفصحاء «فمُ العاقل ملجم إذا همّ بالكلام أحجم، وفم الجاهل مطلق كلما شاء أطلق». لقد تفشت في المجتمع آفة جسيمة وهي آفة الكلام بما يضر ولا يفيد، والكل يتكلم ويدلي بدلوه، وبعضهم تصدر منصّبا نفسه ناطقا ومتحدثا رسميا ينوب عن غيره ومجتمعه!! وآفة الكلام بما لا ينفع ويضر ينتج عنها الوقوع في المشكلات والأزمات والمواقف المحرجة وإن تفاقمت هذه الآفة فقد تصيب المجتمعات بالخلافات والعداوات. إن علماء النحو عرّفوا الكلام لغة بأنه الأصوات المفيدة، وعلماء اللسان أيضا عرّفوا الكلام بأنه المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بألفاظ، والكلام بالمعنى العام هو تعبير عما في نفس المتكلم من معانٍ. إن علم الكلام من العلوم الراقية المهمة في حياة الإنسان، فنحن بهذا العلم نستطيع التواصل مع غيرنا، وبه نتمكن من إثبات العقائد الإسلامية بإيراد الحجج ودفع الشبه عنها، فهو احد الوسائل التي بها نستطيع الدفاع عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا. إن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، فعلى العاقل أن يحترز من زلل لسانه بضبطه وانتقائه لمفردات هو مسؤول عنها، كما يحرص على الإقلال منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد قال بعض الفصحاء «اعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تشكرها». لا يخفى على أحد منا أن كل أمر من أمور ديننا ودنيانا مقيد بآداب وشروط وضوابط، وبما أن الكلام من أهم وسائل الاتصال ما بين الأشخاص فلنتعرف على بعض آدابه وشروطه، أولها: أن يكون الكلام لداعٍ في اجتلاب نفع أو دفع ضرر، وثانيها: أن يكون الكلام في موضعه فلا تغرد خارج السرب، الناس في وادٍ وأنت في واد آخر، ثم أن نقتصر من الكلام على قدر الحاجة حتى لا يصبح مملاً ثقيلاً على من يسمعه، قال حكيم: «من كثر كلامه كثرت آثامه». وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «من كثر كلامه كثر سقطه». كما علينا أن نتوخى الحذر كل الحذر في اختيار الألفاظ والكلمات التي نريد أن نتكلم بها؛ لأن اللسان عنوان الإنسان يترجم عن مجهوله وهويته بتقويم لسانه واختيار ألفاظه، قال الأديب أبو عثمان الجاحظ: «للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية، وما فضل عن مقدار الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال فذلك الفاضل هو الهذر». twitter: @mona_alwohaib [email protected]