منذ السابع من أكتوبر 2023، تحولت المؤتمرات والقمم العربية والإسلامية إلى أداة لتخدير الرأي العام. فبينما كانت الاجتماعات تُعقد والبيانات تُصدر، كانت آلة الحرب الإسرائيلية لا تتوقف عن تدمير غزة وتهجير أهلها. هذا التناقض الصارخ بين الضجيج الدبلوماسي والعدوان المستمر يثير تساؤلات جدية: هل كانت هذه التحركات مجرد ستار لمنح إسرائيل الوقت اللازم لتحقيق أهدافها العسكرية دون مواجهة ضغط دولي حقيقي؟ المبادرات الأمريكية: وقت مستقطع للعدوان لا يمكن النظر إلى المبادرات الأمريكية لوقف إطلاق النار أو التفاوض بمعزل عن هذا المشهد. فبقدر ما تبدو إيجابية في ظاهرها، هي في جوهرها تسعى لتوفير "وقت مستقطع" لإسرائيل. هذا الوقت المستقطع يُستغل لإعادة ترتيب الأوراق، وتجميع القوات، وتغيير قواعد اللعبة لصالحها. الأدهى من ذلك، أن هذه المبادرات غالبًا ما تُستخدم لتقويض المقاومة وتفكيكها بدلًا من إنهاء العدوان. المؤامرة وراء الكواليس: مصالح على حساب الأرواح التحركات المعلنة ليست سوى جزء من الصورة الكاملة. فخلف الكواليس، يدور صراع معقد تحكمه المصالح والنفوذ. هناك أطراف إقليمية ودولية لا تجد حرجًا في رؤية غزة تُدمَّر، طالما أن ذلك يخدم أجنداتها السياسية والاقتصادية. لقد تحول مصير الشعب الفلسطيني إلى ورقة تفاوض تُستخدم لتحقيق مكاسب بعيدة كل البعد عن الحقوق الإنسانية أو العدالة. مواقف متقدمة وأخرى متذبذبة في خضم هذا المشهد المأساوي، برزت مواقف متباينة تكشف حقيقة التردد والانقسام. فبينما اتخذت بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها إسبانيا، مواقف متقدمة ومبدئية عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف صفقات تجارية بالمليارات، يراوح الموقف العربي والإسلامي مكانه بين الشجب الخجول والتردد. هذا التذبذب في المواقف يمنح الاحتلال الإسرائيلي غطاءً لمواصلة جرائمه، ويجعل من البيانات الصادرة مجرد حبر على ورق، لا يملك القدرة على إيقاف قطرة دم واحدة. اغتيال الأمل والمقاومة المؤتمر الطارئ الذي لم يخرج بقرارات حاسمة، ومحاولات استهداف الوفد المفاوض في الدوحة، هما مثالان صارخان على وجود أطراف لا ترغب في حل سلمي للقضية. هذه الأطراف تسعى للقضاء على المقاومة الفلسطينية من خلال اغتيال قادتها وعرقلة أي جهود سياسية جادة. إن غياب الإجماع العربي والإسلامي الحقيقي، والتناقض بين الأقوال والأفعال، هو ما يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة عدوانها. هذا التشرذم والاستسلام للمصالح الخاصة هو السبب الحقيقي لاستمرار المأساة في غزة. حان وقت السيف... لا الكلمات الوضع في غزة يفرض علينا مواجهة حقيقة مرة: القمم والبيانات لم تعد كافية لوقف الإبادة. المطلوب الآن هو تحرك عربي وإسلامي جاد يتجاوز الخطاب التقليدي إلى إجراءات فعلية قوية. * خيارات حقيقية: يجب أن يتضمن هذا التحرك التلويح بخيار الحرب، واستخدام المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية كأدوات ضغط فعّالة. * الوحدة قوة: المؤامرة ليست فقط ضد غزة، بل ضد إرادة الشعوب العربية والإسلامية التي تتوق إلى موقف موحد وقوي يدعم الحق الفلسطيني. لقد حان الوقت لتفعيل الدفاع المشترك ووقف المذابح. وكما قال أبو تمام: السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ في حدهِ الحدُ بين الجدِ واللعبِ بيضُ الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ في متونهن جلا الشكُ والريبُ.. إن صرخة "وامعتصماه" اليوم لا يجب أن تكون مجرد استغاثة من امرأة، بل صرخة من أمة بأكملها، و "لبيك يا غزة" لم يعد يمكن أن يكون مجرد شعار، بل صرخة فعل تعيد للأمة كرامتها وتوقف نزيف دماء أطفالها وتعيد مقدساتها.