وحدها الإطلالة ربما تعين سكان جبل السيدة في مكةالمكرمة، على نسيان الكثير من مرارة الحرمان والمعاناة التي يعيشون داخلها منذ عدة سنوات.هناك في أعلى تلة الجبل يمضى السكان ساعات حنين وتأمل من قمة الجبل المطل على مقبرة المعلاة التي تحتضن السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يشعرون أن الإطلالة صوب تلك المقبرة تمنحهم خصوصية تميزهم عن غيرهم، في وقت يعرفون أن (جبل السيدة) يعد أحد جبال مكةالمكرمة.يقع الجبل شمال المسجد الحرام في الحجون وتوجد في أسفله مقبرة المعلاة، التي تضم قبر السيدة خديجة، وسمي بهذا الاسم نسبة لها، ويصل ارتفاعه إلى 400 متر، ويحتل موقعا استراتيجيا لقربه من المسجد الحرام ببضع كيلو مترات، فيما لا يزال خارج نطاق التطوير على الرغم مما تشهده مكةالمكرمة من نقلة عمرانية حديثة، حيث أمضى عمرا يناهز نصف قرن على ذات الحال، في وقت يضم بين جنباته أكثر من عشرة آلاف نسمة يتجرعون المعاناة يوما بعد يوم.ولعل صعوبة نقل المرضى من تلة الجبل إلى المستشفيات تقف في مقدمة فصول المعاناة التي تصادف الأهالي، فهم يقفون عاجزين أمام محاولة نقل مرضاهم إلى المستشفيات لصعوبة التحرك من تلك الممرات الضيقة أو السلالم الشاهقة.لكن الأهالي يشعرون بأن تقاسم المعاناة ربما وحدت صفوفهم، فتجدهم يتوحدون لإخماد الحرائق في أحد منازلهم، أو حتى نقل المياه إلى منازلهم بالعبوات لسد احتياجهم في أيام المواسم.ورغم كل ذلك الواقع تظل الاطلالة على مقبرة السيدة هي البلسم الذي يرمم آلام اليوم الطويل، فيتجدد عشقهم يوما بعد يوم.يتذكر علي المالكي وهو أحد سكان الجبل الذين عاشوا عليه طويلا ويقول: أن جبل السيدة له بصمات على حياته رغم قسوة تضاريسه وصعوبة التحرك فيه، ولكن عشقه يندرج عندما يطل من قمة الجبل ويناظر بيت الله وقبور الصحابة رضوان الله عليهم في مقبرة المعلاة فأقلب صفحات الماضي والقصص والحكايات.ويرى أن الهموم تقاطرت على سكان الجبل، خاصة ضيق الممرات أو تلك السلالم الشاهقة، الأمر الذي جعل الأهالي يحاولون التخلص من ذلك الهم بدفع رسوم شهرية للحمالين لكي ينقلون عنهم ما يحملونه من أغراض وبضائع، فتجد الحمالين ينتشرون أسفل الجبل ويباشرون أعمالهم كل صباح حتى غروب الشمس، لينتظرون أي من سكان الحي لكي يباشرون مهامهم في نقل حاجاتهم وتوصيلها إلى منازلهم.أما الفئة الثانية من الأهالي فإنهم لجأوا للاستعانة بالدراجات النارية لسهولة التحرك السريع بين الممرات، حتى يتخلصوا من تلك السلالم التي أهلكتهم ماديا ومعنويا، متجشمين عناء وخطورة تلك المنحدرات الشاهقة.وبين عطية عابد أن الجسد الواحد يتضح كثيرا في أهالي جبل السيدة فتجدهم متحدين شيبا وشبابا عندما يندلع حريق في أحد منازل الحي، فترى الشهامة قبل أن تصل فرق الدفاع المدني، وبعد وصولها تجد التعاون مستمرا بمد أنابيب الإطفاء معتمدين على خبرتهم في الممرات وقربها من المنازل.وأشار إلى أن معاناة أهالي الحي تتفاقم عندما يمرض أحدهم فإنهم يضطرون للاستعانة بعربيات لنقله إلى موقف السيارات ثم إسعافه إلى أحد المستشفيات.واستغرب صالح الزهراني من حالة العطش التي تجتاح أهالي جبل السيدة رغم وجود خزان ضخم بين منازلهم، لا يغذي إلا أحياء المنطقة المركزية، ملمحا إلى أنهم يضطرون إلى الاستعانة بصهاريج المياه الصغيرة، التي يتقاضى أصحابها رسوما مضاعفة لضيق الطريق الموصول للجبل، في وقت يتأزم الموقف في الحصول على صهريج مياه في أيام المواسم.وحمل علوان عالي شركة الكهرباء، مسؤولية وضع أسلاك هوائية على أعمدة في متناول الصغار حتى أصبحت هذه الأعمدة التي تمسك بتلك الأسلاك قريبة من الأرض وأشبه بالقنابل الموقوتة التي يتوقع الأهالي انفجارها في أي وقت، خاصة أنها أسلاك قديمة أتى عليها الدهر، وتتسبب في قطوعات للتيار في ظل فقدانها لأي صيانة أو تغيير، رغم أن أهالي الحي طالبوا الجهات المختصة بتغيير أحد أسلاك الضغط العالي، إلا أنه لم يجدوا الاستجابة الكافية، مبينا أن المعاناة تتفاقم عندما تهطل الأمطار حيث يكون حال جبل السيدة كحال أي قرية مظلمة.تخطيط معتمدأوضح مصدر مسؤول في شركة المياه الوطنية إن الشركة تحرص كل الحرص أن توصل المياه لجميع الأحياء في الوقت المحدد، لكنها تركز في موسم الحج على المشاعر المقدسة والمنطقة المركزية، مشيرا إلى أن بعد هذه الأيام يتم نقل المياه إلى أحياء مكة بسلاسة ونظام وفق التخطيط المعتمد.