قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه».. صححه الألباني. الحضارة الإسلامية حددت الزمن وبدأ حسبانه من هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، بينما المسيحيون حددوا حساب الزمن من ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، ولكن هناك الكثير من الحضارات الأخرى التي وضعت تقويمات للزمن أو لحسابه. المسلم أكثر حرصا على الزمن من غيره، حيث إنه ملزم باتباع توقيت الصلوات الخمس، ولكنه قد يكون قد تناسى قيمته بينما في واقع الحال الزمن أو الوقت في العالم لم يعد يحسب بالساعات أو الدقائق أو بالأيام أو بالأشهر بقدر ما أنه يحسب كأجزاء من جزء للثانية وأيضاً الزمن يحدد وفقا لسرعة الضوء... إلخ. الغرب استطاع منذ عصر النهضة أو منذ عصر ولادة الثورة الصناعية أن يرتبط ارتباطا وثيقا بالوقت ويحرص على أن يكون المفتاح الأساسي للحركة الاقتصادية والصناعية والتعليمية بل إنه مقياس لكل عمل ولكل إنتاج. في رحلة لي من الدوحة إلى طرابلس مرورا بالإسكندرية قبل رجوعي إلى باريس كانت الطائرة تقارب للهبوط وفجأة غيّر قائد الطائرة برنامجه من الهبوط إلى الصعود، حيث ضخ الغاز وظهر على وجه المسافرين بعض القلق أو الخوف ومن جديد وبعد دورة بعيدة عن منطقة المطار بدأ الطيار من جديد في الهبوط والحمد لله هبطت بسلام ولكنها توقفت بالقرب من مدرج الهبوط ولم يسمح لها بالحركة أو الاقتراب من مبنى المطار، وعندما تم الاستفسار علمنا أن المطار به مظاهرة من رجال الشرطة وأنه لا يمكن الاقتراب من مبنى المطار لإنزال الركاب وأمتعتهم. لحسن الحظ أن مطار برج العرب بالإسكندرية به جزء مكون من مطار عسكري، حيث تم اقتياد الطائرة إلى القسم العسكري وظللنا ننتظر داخل الطائرة، وبدأ بعض المسافرين القاصدين الإسكندرية بالصراخ وبالنقاش والهياج خصوصا أن هناك أطفالا ونساء يريدون الخروج من الطائرة ولا يريدون البقاء بها. لا أريد أن أقص هنا كل القصة، فقد تحدث أيضاً في بعض مطارات العالم الأخرى عندما يقوم بعض عمال المطارات بالإضراب القانوني، حيث يشل ذلك الإضراب حركة المسافرين وإن كان ذلك يتم وفقا لقواعد قانونية منظمة، حيث يتم إعلان شركات الطيران والمسافرين القادمين والمغادرين قبلها بوقت كاف من هذا الإضراب، أما ما حصل في مطار برج العرب فهو مفاجأة والمطار لم يكن مهيئا لذلك، ولقد كان هدرا للوقت وكأن الوقت لا قيمة له ولا قيمة لمن له مواعيد أو يريد أن يسافر إلى بلد آخر... إلخ. لا نريد أن نتحدث عن العواقب القانونية لمثل هذا التصرف تجاه شركات الطيران والمسافرين، ولكن كيف يمكن لدولة مثل مصر يعاني أبناؤها البطالة والفقر وتعاني الدولة عجزا اقتصاديا كبيرا وتعتمد على السياحة كمصدر مهم لاقتصادها أن تعبث جهة معينة بمرفق مهم مثل المطار. في إحدى ساحات مدينة باريس أمام إحدى محطات القطارات أي محطة سان لازار هناك عمود كبير يحمل عشرات الساعات الكبيرة كي توحي للمسافر بأن الوقت ليس وقتا واحدا وإنما هو أوقات مختلفة لمدن عديدة، وأن الوقت نسبي لمن هو بباريس وغيره لمن هو في سدني أو في نيويورك... إلخ. وفي جانب آخر من المدينة وضع ميدان صغير بباريس رقم 1 لا يبعد عشرات الأمتار من مكتبي تلف به بعض المباني سمي بميدان الساعة، حيث إن أحد الفنانين وضع تمثالا أمام عدة ساعات به شخص يمسك بمطرقة كبيرة يريد أن يقف الوقت والزمن. لا شك بأن الزمن والوقت هما عاملان يشكلان هاجسا نفسيا وعضويا داخل كل إنسان، ولكن قيمته تختلف من بيئة لأخرى ومن دولة لأخرى ومن إنسان إلى آخر، فالإنسان المتواجد بالصحراء يرى أن الوقت مرتبط بالشمس وتغير موضعها ويعيش مع انسجام مع طبيعة الوقت دون الاكتراث بالدقائق أو الساعات، وأن ما يهمه هو الصبح والظهر وغروب الشمس، هذا هو الحساب الذي يشكل الوقت بالنسبة له، بينما الوقت بالنسبة لرجل الأعمال بالمدن له حساب آخر وقيمة أخرى قد يكون ذلك الوقت محددا بالدقائق أو حتى بالثواني. هذا الوقت أيضاً هو يختلف بين الإنسان الطفل أو الصغير، حيث يرى أن الزمن بطيء ويريد أن يبلغه هذا الزمن بالكبر ويريد من الوقت أن يمضي بسرعة بينما نجد بالعكس الوقت عند الإنسان الكبير الذي يرى أن الزمن أو الوقت يمر مرور السحاب ويتمنى لو أن الوقت يسير ببطء ويتمنى لو يعود زمن الصبا والشباب ولكن هيهات! هذا الاختلاف في رؤية الوقت وحساب الزمن هو الآخر مسألة جوهرية وثقافية تجعل شعوبا ودولا تتقدم وتنتقل إلى وقت آخر يوفر لها زمنا أكثر إنتاجية وأكثر سعادة لأبناء هذا الشعب، بينما هناك الكثير من الشعوب والأمم تهمل الوقت وتهدره في ترهات ومشاكل تعيد وتكرر المآسي والتخلف والجهل ويمضي الوقت والزمن من دون أية نتيجة. تضيع أحلام الشعوب والأمم التي لا تدرك أهمية الوقت وعندما تستيقظ تجد أن الوقت قد مضى وأن اللحاق بالشعوب التي أدركت أن للوقت قيمة قد لا يمكن اللحاق بها، وعندها تتحسر ولا يفيد التحسر أبداً أمام ضياع وهدر الوقت. عندما نلاحظ ما يجري لأمتنا العربية من صراعات ونزاعات وانشقاقات وضياع الخيرات لا يمكننا إلا القول بأننا لم ندرك أن مصيبتنا الحقيقية، بالإضافة إلى مصائبنا هي أننا لم نحسب للوقت حسابا ولا نقدر قيمة الوقت ومن ثم لقد ضاعت علينا القرون العديدة ونحن في غيبة من إدراك نتيجة إهمال الوقت. فنجد مؤسساتنا تتعطل ولا نعطي أهمية للوقت ونجد حكامنا لا يهتمون بالوقت ونجد عمالنا لا يهتمون بالوقت ونجد حتى مستشفياتنا لا تعطي أهمية للوقت أو حتى مطاراتنا ونجد أنفسنا في تراكم مع التاريخ الزمني ونستيقظ مرة أخرى لنرى أن الوقت قد فلت من أيدينا. إذن متى ندرك أن الوقت هو أساس التقدم وأن إهماله هو إهمال كل سبل الإصلاح والتقدم. ولكن كم منا لا يدرك أن حتى عند موت الإنسان فإن الوقت والساعة تستمر في الدوران وأن الوقت سيمر علينا شئنا أم أبينا، ومن ثم علينا العمل مع كل دورة الثانية والدقيقة كي نواكب التطور. باحث أكاديمي