| د. فهيد البصيري | بيني وبينكم ودون أن يدري أحد، لقد قرأت مسودة قانون الإعلام الموحد الجديد، وليتني لم أقرأه، فهذا القانون يذكرني بعقلية الإنسان الحجري أو الإنسان الأول وربما القرد على ذمة (دارون) وقبل ظهور فكرة القانون بملايين السنين! وفكرة القانون أنه قواعد عامة يتفق عليه المجتمع لتنظيم حياته، بينما فكرة هذا القانون تقوم على تحطيم حياة المجتمع، وأنا متأكد أن الذي صاغه، لا يريد إقراره بهذا الشكل، ولكنه سيقاتل من أجل اقرار بعض مواده لتصبح العملية بالنسبة لمجلس الامة (أبو صوت ) عملية مناورة يخرج بعدها ليقول انه تمت إضافة إنجاز جديد إلى انجازاته السابقة الوهمية لتي لولاها لكنا في خبر كان. ولكي نفهم كيف طابت الفكرة لمن جادت قريحته بهذا القانون، علينا أن نعود للمربع الأول أو للزمن القريب، فطبخة هذا القانون ما زالت (نية )، فمنذ سنوات سُمح بالانفلات الإعلامي، وأعطيت الإشارة لقنوات الفتنة بأن تلعب دور المنفلت، وكان من الطبيعي أن ترد الناس على وقاحتها، وكان من الطبيعي أيضا أن يُستدرج النواب إلى المؤامرة الإعلامية نتيجة تعرضهم للسب والشتم اليومي، ومع ذلك تُرك الحبل على الغارب عمدا، وأخرجت هذه المحطات عددا من خريجي السجون! وجعلتهم أبطالا مشهورين! وانطبق علينا في تلك المرحلة قول الشاعر «لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم،،، ولا سراة إذا جهالهم سادوا» وبالفعل جُهالنا سادوا!! ومن الطبيعي بعد هذه الفوضى الخلاقة أن تستغيث الناس بالقانون، وهو المطلوب! وبحسب المخطط فإن الحكومة جاهزة لهذا الطلب، وبقانون يمنع كل هذا الفلتان (المفتعل)، ولكن بالطريقة التي تراها الحكومة مناسبة، والطريقة المناسبة هي إسكات الجميع، بقطع لسان الشعب من (لغاليغه). «وياما... و يا ما» نبهنا، وحذرنا من خطورة هذا المجلس، واليوم على الصحف التي وقفت معه أن تدفع الثمن باهظا لتخليها عن مبدأ حرية الرأي، الذي لا معنى للصحافة من دونه، وعليها بعد القانون الجديد أن تتحول الى صحف إعلانية، فما يحدث أنه وبعد عقر السلطة التشريعية جاء الدور على الصحافة والإعلام أو ما يمسى بالسلطة الرابعة التي ستصبح (السلطة البايتة )، وبفضل مجلسهم الموقر. والغريب أن القانون الجديد فاق كل القوانين الرجعية في العالم تخلفا، فهو يردنا إلى مرحلة ما قبل اختراع الكتابة، ولا يكتفي بالتلصص على المنشورات العامة، بل يريد أن يتلصص على رسائلك الخاصة! ويريد أن يدخل (بينك وبين ثوبك) فهو يطلب ترخيصاً حتى لعمل صفحة شخصية على الكمبيوتر أو ما يسمى (بالهوم بيج). وعليك أن تقدم طلباً لإنشائها، وتدفع تأمينا، ورسوما وبآلاف الدنانير، وبعد ذلك يمكن أن يرضى عليك الوزير المختص، ويمكن أن (يسفهك) والسفه في هذه الحالة تعني الرفض، ولن يتنازل الوزير ليقول لك طلبك مرفوض. ولن اطيل في سرد طبيعة هذا القانون الخرافي الذي لا يخطر على بال بشر، فحتى (الواتس اب) (والتويتر) يحتاج إلى ترخيص وطلب رسمي. وكأن وزير الاعلام « بيل غيتس» أو «ستيف جوبز» رحمه الله، أو كانت الكويت هي من اخترع الانترنت، وليس ذلك فقط، بل تستطيع الوزارة أن تغلق موقعك الالكتروني، وتستطيع حرمانك من هذه الخدمات الكونية التي يتمتع بها حتى المحكومين بالإعدام في سجون العالم! بل وصل الامر بالقانون الجديد أن يدخل في حياة الناس الخاصة، فالحكومة تملك حق منح ترخيص بالحفلات، أو منعها، وعليك أن تأخذ ترخيصا من الوزير المختص، ومشكلة القانون أنه لم يحدد نوع هذه الاحتفالات وجعلها مموهة كالعادة، وقد يشمل في هذه الحالة حفلات الزواج، والتخرج، أو حتى (الطهور) الختان، ويبدو أن لدى الحكومة توجه لتطبيق الشريعة، فالغناء ممنوع حتى لو كان (هجيني) والموسيقى ممنوعة، ويبدو أن الرقص مسموح لأن القانون لم ينص عليه! وإذا قرأت العقوبات ترى ما يشيب له جناح الغراب، فهي لا تتناسب مع حجم الجريمة، وكلها غرامات فلكية تبدأ بعشرات الألوف، وكأن الشعب الكويتي يعاقب نكاية بفضح جرائم «القبيضة»! والغريب في هذه العقوبات أنها غير موضوعية فهي تبدأ بعشرة آلاف ثم تقفز إلى مئة الف!! أو مئة الف ثم تقفز إلى نصف المليون، دينار طبعا لاحظ الفسحة القانونية في الحكم - ولن أتحدث عن قصص المصادرات التي ستحصل للمغضوب عليهم، أو عن سياسة الإغلاق والتي اصبحت بمزاج الوزير والوكيل وصولا لموظف التفتيش الاعلامي. وما لم ينتبه له الكثيرون هو أن هذه الغرامات لا تعني الغاء السجن، بل إن السجن هو مصير من لا يستطيع الدفع ولو باع كل ما يملك، فالسجن في انتظار الجميع. وخلاصة القول هو أن مواد هذا القانون تتعارض مع المنطق والواقع وحتى الخيال، وفوق كل ذلك تتعارض بشكل صارخ مع مواد الدستور الذي احتفلنا أخيرا بمرور خمسين سنة على وضعه، وأقمنا له ضريحا كضريح الجندي المجهول! و(ملخص الخلاصة) أن مثل هذه القوانين يمكن اقراراها (بالعفرته) من قبل الحكومة والمجلس ولكن العبرة في التنفيذ، والنتيجة.. فأنت تستطيع أن تعاقب الناس على الكتابة والنشر، ولكنك لن تستطيع اسكات الشعوب. [email protected]