محمد علاء الدين عبد المولى؛ شاعر سوري من جيل الثمانينيات، ومن مدينة حمص التي أنتجت في الفترة الأخيرة خيرة شباب المشهد الشعري السوري، أذكر منهم طالب هماش- عمر إدلبي- تمام تلاوي- سامر رضوان- حسان الجودي. وإن كنت قرأت له في منشورات اتحاد الكتاب العرب؛ إلاّ أن نصه الذي استفزّني كان من ديوان شعر جديد، اقتنيته من دمشق قبل سفري إلى الدوحة عام 2000، لا أذكر اسمه بالضبط ربما " مراثي عائلة القلب"، كان النص يؤرخ لعائلة الشاعر التي فقدت شابين في أحداث الثمانينيات التي وُضعت على ضخامتها في خانة المسكوت عنه، كان النصّ خارجاً من وعورة نصوص الحداثة، وضبابيتها، وغموضها، يضيء من خلالها المسكوت عنه بجمالية موجعة، وقد تماهى بعائلة يوسف عليه السلام، القصة التي شهدت ضجة كبرى بداية التسعينيات على ضوء تجسيدها سينمائياً من قبل الراحل يوسف شاهين. غير أن محمد علاء الدين عبد المولى، يكتب عن يعقوب آخر، فقد شابين من أولاده وليس واحداً، لا يعرف لهما أثراً، ظلاّ هناك على ذمة الغياب: "وكان أبي جامعاً من عذابٍ/ ينير مساءَ الخميس أصابعه العشرَ حتى الصباحِ/ يبخّر أوراقه النّبويّةَ/ يغفلُ في نشوةِ السحرِ عن قلبِه/ إلى أن أفاقَ على صوت رعدٍ/ يديرُ شؤون الخرابِ على رهبة الصّولجانِ / فقام ليطرد شرّ الطبيعةِ/ حرّك بعضَ الرموز/ وأنعش جنّيّةً صرخت/ لا أرى أيّ ضوء بهذا الدخانِ/ ولم يدرِ أن الحقيقة أقوى من الجانِ/ فوجئ أن أصابعَهُ العشرَ قد فقدتْ إصبعين/ تأمّل داخله فرأى حزن يعقوب فيهِ / وكان لدى والدي يوسفان/ فقدناهما مرّةً واحدةْ/ ومازلت أسأل بادية الشامِ عن أثرٍ لقميصٍ/ وعن عنقٍ لم يزل يتجلّى / كمئذنةٍ رمضانيّةٍ في السحورِ الأخيرِ/ وأسأل راعي الحمادِ/ أيا من رأى يوسفاً.. سالَ من ههنا دمه / قبل أن يفتح الفجرُ أبوابه/ من رأى نصفه. ربعه/ أو سلاميّةً من أصابعه / غرّةً كان يلهو بها في غروب فقيرِ/ فلا بدّ من أثرٍ لتصدّق أمي نبوءتها/ وتكفّ عن النوم بين القبورِ/ أفتّش بين الشواهدِ عن اسم يوسف/ كي تقرأ الفاتحةْ". قرأت أكثر من مرة على أصدقائي العبارات: "وكان لدى والدي يوسفان/ فقدناهما دفعة واحدة/ أيا من رأى لي يوسف/ من رأى ربعه / نصفه / أو سلامية من أصابعه" وكنت أقرأ وجعهم في عيون أهلتها الغربة لتبكي كل جمال، كنت أغريهم بقراءة صيدي الجديد، حتى إن أحدهم أخذ الديوان ولم يعده لي حتى الآن. متعجباً في الوقت نفسه من مرور نص مثل هذا على الرقابة الصارمة. رأيت الشاعر بعدها عبر "أمير الشعراء" في قصيدته رائية على البحر البسيط كما أذكر التي يخاطب أبا العلاء المعري، في استنهاض جميل للشكل الشعري القديم في إطار ما يسمى قصيدة النيو- كلاسيك، وكنت مستغرباً أن يشارك شاعر في حجمه في مسابقة كهذه. لكن الذي يسجل للشاعر أنه اتخذ موقفاً بداية الثورة السورية، ودفع ثمن ذلك مضاعفاً، حيث اختار منفى بعيداً تجاوز بحر الظلمات، وأمسى "بأرضٍ لا يبلَّغها إلا" الطائرات النفاثة السريعة، في بلادٍ كان السوريون يحلمون أن يصل إليها فريقهم الكروي عام1986مشاركاً بكأس العالم، قبل أن يجهز العراقيون على ذلك الأمل، ولم يبق من ذلك إلا أنشودة نعيم حمدي" ع المكسيك يا سورية ع المكسيك". أقرأ لصاقات محمد علاء الدين عبد المولى على متن حائطه في الفيسبوك، بنزقه وعنفوانه ورقته وشاعريته باحثاً عن "حمص"، وكأن ديك الجنّ يصرخ في "ورد" التي "طلع الحِمام عليها"، تاركاً وراءه مائة ألف يوسف يعبرون التراجيديا السورية بذئابها وآبارها وغوايتها.