في الوقت الذي ينتظر فيه الشاعر المصري المقيم في الإمارات وليد علاء الدين صدور كتابه الشعري الجديد (تُفسّر أعضاءها للوقت) من بيروت، أعلنت دائرةالثقافة والإعلام في الشارقة عن فوز مسرحيته (العصفور) بالمركز الثاني فيجوائز الشارقة للإبداع العربي. وليد علاء الدين في حوار خاص ب " سبأ " اعتبر أن حصول عمله على الجائزة يعد حافزاً له لإنجاز مشاريعه المسرحية، مشيرا إلى أن الشعر والعمل في مجال الإعلام شغلاه عن إنجاز مشروعه المسرحي. وقال: "نصوصي المسرحية مفتوحة، وأعمل معها بمزاجية عالية، ولا أستطيع مقاومة إغراء اللعب بها بشكل دائم، فالنص الواحد يتشظى إلى عدة نصوص أؤجل دائماً أمر النظر فيها، ولذلك تأخر ظهورها في كتاب". صدر لوليد علاء الدين كتاب شعري بعنوان (تردني لغتي إليّ) حظي بقراءات نقدية جادة، وهو ينتظر الآن صدور كتابه الجديد (تينة تفسر أعضاءها للوقت)، كما يعكف على الانتهاء من كتاب له في فن الرحلة بعنوان (خطوة في اتساع الأزرق)يضم رحلة كتبها خلال زيارة له إلى الجزائر، فضلاً عن عمله التحريري على كتاب يوميات دوّنها والده الكاتب الراحل خلال أدائه الخدمة العسكرية في الجيش المصري في فترة الوحدة بين مصر وسوريا، وهو الكتاب الذي سوف يصدر قريباً في إطار سلسلة يوميات ضمن مشروع ارتياد الآفاق، كما يستعد علاء الدين لتلبية دعوة للمشاركة في واحدة من ليالي الشعر العربي التي تنظمها الجزائر ضمن فعاليات احتفالها بكونها عاصمة الثقافة العربية هذا العام. يعمل وليد علاء الدين في الصحافة الثقافية العربية منذ أواخر التسعينات،وله مساهمات نقدية منشورة، يكتب إلى جانب الشعر النص المسرحي والقصة القصيرة وفازت إحدى قصصه بجائزة غانم غباش المحلية، وله عمل روائي قيد النشر. التقينا به في مناسبة فوزه في جوائز الشارقة للإبداع العربي، ودار حوار حول تجربته ورؤيته للحياة الأدبية العربية الراهنة. نُشرت أعمالك في الصحافة الأدبية قبل زمن طويل من صدورها في كتاب، كيف ومتى بدأتَ الكتابة وما الذي جعلك تتأخر في إصدار مجموعتك الأولى؟ لن يمكنني الإجابة على سؤال "متى أو كيف بدأت الكتابة؟". كما أعرف أنني سوف أظل في كل مراحل عمري غير قادر على الاقتناع بأهمية ما أكتب أو الطائل من ورائه. والسبب هو صورة أبي التي لا تفارق مخيلتي، ذلك الأب، الشاعر، القاص،الروائي، التشكيلي، ......المحبط، الزاهد الذي هجر كل شيء وتفرغ لنا ولمكتبته التي زخرت بكراسات صفراء كتبها بخط يده، لم ير معظمها النور، ضمت بين طيات هاما أراه يمنحه الحق في ريادة بعض المجالات. ممسوسا بغواية هذا العالم رحت أمارس أشكال عدة في محاولة لفض مغاليقه، أرسم أحياناً، أكتب قصصا ونصوصاً ممسرحة، ومسلسلات قصيرة، وشعرا أو ما يشبه الشعر،ونقداً أو ما يشبه النقد، وصنعت لنفسي رفاً يشبه أرفف والدي العتيقة، ورحت أتابع تراكم الأوراق عليه، باحثاً لنفسي عن لذة كالتي كنت أراها تتألق في عينيه وهو بصحبة الكتاب والورق والقلم. بدأت أعرف طريقي بهدوء إلى المجلات الأدبية والصحافة الثقافية، والتقيت بمجموعة من الأصدقاء يجمعنا الهم نفسه. ولم أكن قد أنهيت الدراسة الثانوية بعد، حين دعيت إلى صالون الشباب الذي عقده الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لفترة في مؤسسة الأهرام فور عودته من فرنسا، لمناقشة قصيدة كنت قد أرسلتها للنشر.أذكر معارضة أبي الرقيقة، وأذكر إذعاني الحزين، ولا أنسى يده الحانية وهو يوقظني فجر أحد الأيام التي لم ينمها من قلق لم يبح لي بكنهه، ليخبرني بأنه قد رتب لي الأمر للذهاب إلى القاهرة، قبل أن يوصيني بألا يأخذني الأدب عن المستقبل. هل لذلك علاقة بسؤالك؟ لا أعرف، هل يقدم إجابة له؟ أيضا لا أعرف، إلا أنني الآن وأنا أعد لمجموعتي الشعرية الثانية (تينة تفسر أعضاءها للوقت) وأعكف على تحضير مجموعتين أخريين وأستكمل مجموعة نصوص ممسرحة، وأنشغل برواية، مازلت أشك في جدوى الأمر. وأعرف أن السبب الوحيد الذي دفعني إلى نشر كتابي الشعري الأول هو إلحاح الأصدقاء، وأن صلتي بما ضم من قصائد قد انقطعت منذ زمن، ولا أشعر تجاهها بأي مشاعر. حدثنا عن طبيعة علاقتك بالشعر؟ وكأنني مطالب بأن أقدم وصفاً لوجهي: (وجهك يارجل، ألا تستطيع أن تقدم وصفاً لوجهك؟!!) هكذا يصرخ السؤال، إلا أنك أمام وجهك لن تستطيع أن تنبس بكلمة موثوقة، فقط ستبوح بانطباعات وأفكار ربما تكون كفيلة بتدمير روحك، فلكي تكون صادقاً وأنت تقدم وصفاً لوجهك، عليك أن تشرع في تشريح للروح، هذه التي لايمكن تقديمها على طبق، بينما يمكن تشظيتها في نصوص من كلام. هل يكون الشعر ذلك الوجه الذي لا يمكن وصفه دون اختراق كنه الروح، أم أنه الروح التي لا يمكن أسرها إلا قتيلة، ووقتها يتوقف الكلام ويصبح السؤال لامحل له من الوجود؟ ربما فالشعر وجه في روح، و روح في وجه. الشعر إذن هو لمحة استطاعت أن تضيء عتمةً فيك، ولأنه روح فهو لا يستقر، إنما يتجلى ويغيب، يلمس ويروح، ويبقى في لمسته، ولأنه وجه فهو إنسان، إنه قادر على أن يكون لك أو عليك. لاحظتُ أنك تكتب التفعيلة وقصيدة النثر وتمزج بينهما أحياناً، أين موقعك من الجدل الدائر حول شكل القصيدة؟ عندما أكتب لا أنتبه إلى الخلافات القائمة حول الشكل، وانتماء هذا الشكل والجبهة التي تتصدى للدفاع عنه، وما غير ذلك، لأن الشاعر ينتج للناقد ما ينشغل به وليس العكس. وفي اعتقادي أن الشعر والتشكيل والفنون والإبداع بشكل عام لا يمكن أن تخضع لتنظيرات مسبقة، بل إنه ليس من السهل أن نخضعها لحكم موضوعي سابق أو لاحق، لأنها في البداية والنهاية كائنات تكتسب شرعية وجودها من علاقتها بكائنات أخرى على الطرفين (الإنتاج والتلقي) هذه الكائنات متطورة ونامية ترتبط في ذلك طردياً مع الزمن، لذلك فإن القصيدة/ النص/ هذا الكائن المكتوب مرهون بكل هذه التغيرات، هو من ناحية خاضع لثقافة أنتجته، وخاضع لذائقة القارئ الذي سوف يستقبله، ومدى قدرته على التواصل ثم الاستيعاب، وإعادة ترتيب النص وفقاً لرؤيته، وأعتقد أن الحكم على النصوص من منطلق واحد أي وفق شكل أو فورم واحد أو روح واحدة لابد وأنه حكم جائر لأنه دعوة لإغلاق أبواب الاجتهاد في النص الأدبي كما أُغلقت في النص الديني وعلينا في هذه الحالة أن نسلم بذائقة النقاد – باعتبارهم ذوي العلم- ونؤمن على آرائهم وتقسيماتهم لإقطاعيات الإبداع. إذن كيف يتم تقييم الإبداع في رأيك؟ يقول نص فرعوني:(أشجار الحديقة تدعو المحبين للتمتع بوقت سعيد)، أرى وراء بساطة هذا النص الكثير، ثمة رجع صوت يشبه حداء الإبل تسمعه ولا تعرف مصدره،فتهيم على وجهك باحثاً عن القصيدة. أذكر أن أبولينير قال: (إنك تقرأ الإعلانات والفهارس والملصقات التي تغنّى بصوت عال، ذلك هو الشعر هذا الصباح)، في رأي أن هذا صحيح، كما أن ثمة علاقة متوترة بين الشعر والفلسفة، وكأن الفلسفة كدافع للكتابة، وتر يئن حتى ينسكب لحنُه في اتساع مشهدية النص، هذا الذي يتأسس من حيث كونه إبداع عبر علاقته بالمخاطب/الذائقة في المقام الأول، وفي اعتقادي أن كل تجربة كتابة تحمل وعيها الخاص وتفرض مفردات خاصة للتواصل معها،وبالتالي كل تجربة كتابة تستحق أن نعطيها قدراً من الاهتمام لنكتشف مواطن جمالها من عدمه، ولا معيار يحضرني سوى الزمن الذي أثبت أنه الناقد الأهم. لديك تجربة في إعادة قراءة الأدب المصري القديم، حدثنا عنها؟ اكتشفت نصوصاً غاية في الإبداع كتبها الشاعر الفرعوني قبل آلاف السنوات تلامس هموماً نعيشها، وتدق أبواب جماليات نحوّم حولها اليوم آملين الوقوع في عسلها عسانا نرشف منه رشفةً تروي ظمأنا للشعر، من هنا جاءت فكرة نص أنشغل بها الآن أسميه (أصل الأشياء .. الذي يخرج عن اللسان) أحاول فيه أن أعيد كتابة ماقرأتُه في الأدب الفرعوني، وهو عمل طويل اندمجتُ في كتابته إلى درجة الخوف من التوقف للمراجعة، دفعاً لإحساس داخلي بأن ثمة خللا يبتعد بهذه الكتابة عن روح الشعر، ولكني استطردت مأخوذاً بما عثرت عليه في كتابات المصري القديم التي كانت ومازالت حضارته مظلومة إلى حد كبير ومختصرة بابتذال في قطع من الحجارة والآثار المادية، رغم أن ما خلفته على مستوى الفكر والفن والأدب يناهز حضارات أخرى وربما يفوقها ويسبقها، ويكفى أن أقدمَ دراما عرفها الإنسان كانت فرعونية وليست إغريقية كما هو شائع. وقد وصفتْ مداخلةٌ نقدية محاولة (أصل الأشياء) من خلال مقاطع نشرتها الصحافة العربية بأنها (كتابة تشبه محاولة التملص)، وبالفعل أنا أكتب محاولاً الدفاع عن نفَسي الخاص وسط هواء أسطوري ساحر يغلف المكان يمتد بعمق إلى آلاف السنوات،كم كان الإنسان مرهفاً وشاعرا في ذلك الوقت، وما أشبه ما كان يعانيه بما نعانيه اليوم. هناك اتهام للحركة الشعرية العربية بأنها مختلة ولا تحكمها معايير كيف تنظر إلى ذلك؟ أعتقد أن الخلل يكمن في مرحلة عدم اليقين التي يعيشها كل ما هو عربي، إننا نمر بمرحلة من انعدام الوزن الحضاري، وفقدان الثقة، يراجع فيها من ظل محتفظاً بوعيه كل ما عُدَّ ثابتاً من قبل، نحن ننظر بشك رهيب الآن نحو كل ما كان موجوداً في حياتنا وبنيتنا وكياننا من قبل لنعرف إن كان هو السبب في ما بلغناه من تردٍ، الكل موضع شك، كأن جريمة حدثت في حديقة بها زوار، والكل متهم وعليه أن يخضع للتفتيش والتحري والفحص، وفي اعتقادي أن هذا الإحساس جيد، لا يشوبه خلل، وإنما التعامل معه ينبغي أن يكون بمزيد من الوعي، علينا فقط ألا نطلق الرصاص على كل من نشتبه في أمره بل أن نسعى إلى تجميع الخيوط نحو الخلاص من المأزق، علينا كذلك ألا نطلب الوصاية من أحد، ولا نفرض الوصاية على أنفسنا. هنا ينسحب الحديث على الحركة الشعرية، وينتقل عدم اليقين من الكل إلى الجزء،ويسم التوتر والتسرع في الحكم النظرَ إلى الأشياء، لن أكرر ما يقال حول أن الكل لا يقرأ الكل، وأن معظم النقاشات حول الشعر تدور بناء على أوهام وليسعن قراءة واعية ومسؤولة للمشهد، وفي اعتقادي أن هؤلاء الذين يملئون الدنيا صخبا حول الشعرية العربية لو أنهم يقرأون لما كتبوا وتكلموا بهذه الغزارة،لن أتحدث أيضاً عن مزاج السلطة التي تدير الشعر من منظورها، وأعني هنا سلطة الوجود لأنها ستظل قائمة ما دامت الدنيا، وسيظل حقيقيون كثر مكتفين بتحقيق لذتهم الحقيقية بعيداً عن الأضواء،ولكني أستطيع أن أقول أن صورة الشعر العربي الحقيقية لم تكتمل بعد، وأن من طفا على السطح هم خفيفو الوزن، وفي القاع شعراءٌ من العيار الثقيل، هذا الكلام صالح للتداول مع الشعر العربي في عصرنا وفي كل العصور. فازت مسرحيتك بجائزة الشارقة للإبداع العربي، ما علاقة تجربتك المسرحية بتجربتك الشعرية؟ لست أعرف ما العلاقة على وجه التحديد ولكن لدي شعور بأنهما كيان واحد، وأظن أن الشعر هو الصورة الأكثر تجريداً للمسرح، والفارق أنني أشعر بحرية أكثر مع المسرح الذي أجده يستوعب قدراً أكبر من طاقتي ومخيلتي ويعطيني المجال للتحليق وخلق الكائنات وتحريكها، فأنا أكتب النص المسرحي بشحنة عالية من الشعرية و التخييل وأجد متعة كبيرة في التنقل بين أكثر من شخصية لأتحدث من زاويتها، مع الانشغال بالجو العام للعرض، أنا أكتب وأمارس الإخراج من وجهة نظري أيضاً أثناء الكتابة، فأحدد تفاصيل الخشبة وألوانها وحركات الشخصيات التي لا يمكن فصلها عنهم لأنها تستكمل أبعادهم وتستكمل تصاعد الحدث وترتيباته . مشكلتي أنني أعمل بمزاجية عالية، وكل نصوصي المسرحية تقريباً مفتوحة ولا أستطيع مقاومة إغراء اللعب بها بشكل دائم، ولا أتوقع أن الكتاب الذي يضم تلك النصوص سوف يرى النور قريباً، رغم أن حصول أحد نصوصي على مركز في جائزة الشارقة للإبداع العربي قد منحني دفعة قوية ورغبة في استكمال العديد من مشاريعي المسرحية القائمة.