من مقاعد الدراسة جاء حاملاً بضاعته في أكياس أنيقة، وما أن دخل المكان حتى واجه الاختبار الاول. كان مكانه في الكشك رقم 305 لكنه فوجئ أن زميلة له (تاجرة صغيرة) أخذت المكان من دون ان يعرف السبب، فجاءه موظف من مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب ليخلي له المكان، لكن عبدالله خالد المزروعي الطالب في أكاديمية الفجيرة الإسلامية للبنين والذي لا يتجاوز عمره السادسة عشر عاما، لم ينزعج او يغضب أو يحتج. ورفض إخراج زميلته من المكان وقال للموظف: لا يجوز حتى لو كان مكاني. وشكر الموظف وطلب منه ايجاد مكان آخر. كان موقع الكشك رقم 305 مثالياً فهو في المدخل الرئيسي وعند تزاحم الاقدام في معرض التاجر الصغير الذي اختتم مؤخرا في مركز وافي بدبي بمشاركة 600 تاجر صغير. نجح عبدالله من دون ان يعرف في الامتحان الاول للمعرض الذي لا يستهدف البيع فقط، فإنه من بين أمور أخرى مهمة يستهدف تعليم المشارك الصبر والتعامل مع المواقف الطارئة بحكمة وروية واختيار البدائل المناسبة واللازمة بسرعة. كانت وجهة نظره بالتنازل عن الكشك رقم 305 من أخذه فتاة التي رتبت معرضها الصغير في ذلك الكشك ولا يجوز ذوقا واخلاقا اخراجها منه، وهو يذكرنا في هذا الموقف بالتاجر الدمشقي الذي طلب من غريب دخل عليه صباحا ليشتري حاجة فطلب التاجر منه شراءها من عند جاره الذي لم "يستفتح" بلغة السوق، فكان نموذجا للايثار والقناعة وحب الغير، وهكذا بدا عبدالله في موقفه مع زميلته. حركة البيع والشراء في الكشك الجديد الذي استقر فيه عبدالله، كانت حركة البيع والشراء ضعيفة، فطلب من زميل له البقاء فيه وذهب في جولة سريعة في المعرض فلاحظ وجود كشك فارغ أكثر ملاءمة من كشكه الحالي، كان رقم الكشك مميزا، تصاعدي متدرج (123)، فاستبشر خيرا، وذهب الى الموظف الذي جاءه اول مرة وطلب بكياسة وذوق الانتقال اليه، وهو ما كان، وهكذا نجح في الامتحان الثاني برصد السوق ومعرفة حركته ليحقق مبيعات مقنعة من سلعته التي يعرضها. وهو امتحان آخر في معرفة حاجة السوق والرائج فيه، فهو يسوق منتجات خاصة بالهواتف المحمولة، عبارة عن ملصقات تغطي الهاتف برموز وطنية مثل علم الامارات او الشماغ الاحمر، مع تطبيق الكتروني ينقل لون اللاصق وشكله فورا الى شاشة الهاتف بمجرد تمريره امام شاشة اي باد وعليه الحرف الاول من اسم الشاري في عملية تستغرق ثانية واحدة. التعامل مع الزبائن وعدا عن الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف والدوام الكامل، فإن عبدالله نجح في جانب آخر مهم، وهو التعامل مع الزبائن، وإقناعهم ببضاعته بلباقة ومهارة تاجر محترف من دون أن يفقد صبره، مستقبلاً ومودعاً الزبائن بابتسامة التاجر الماهر، دون ان يعلم ان هناك متسوقا سريا من ادارة المعرض يراقب تعاملات هؤلاء التجار الصغار مع الزبائن. الأهم من ذلك ان عبدالله اسس من خلال المعرض علاقات تجارية دولية عبر مراسلات تجارية مستخدما تقنيات العصر، للحصول على أجود بضاعة من الولاياتالمتحدة، فتعلم بذلك كيفية المراسلات التجارية، والتحويلات المالية بحرفية وأمان، وهو لا ينسى في هذا المقام توجيهات والديه اللذين قدما له الدعم المعنوي والمادي اللازم في الحدود التي تمنحه قدرا معقولا وآمنا من الاعتماد على النفس. لم ينجح عبدالله وحده في هذا الامتحان بل نجح المنظمون أيضا في زرع الهدف في عقول هؤلاء التجار الصغار الكبار. عبدالله وبقية أقرانه في المعرض الذي طاف الوطن نجحوا في الامتحان وأعطوا إشارة قوية أضاءت القلوب ان روح جمعة الماجد التجارية وذلك الجيل الذهبي من تجار الامارات تسكن وجدانهم وعقولهم مدركين أن من جد وجد.