هي من أهم القيم بصفة عامة والوظيفية منها بصفة خاصة، وهي المقصد المتصل بتحقيق العدل، فكل موظف ينشد العدل يطلب المساواة مع غيره، أي يتطلع إلى أن يعادله ويماثله ويبلغ قدره (انظر في المعنى اللغوي للمساواة: معجم اللغة العربية المعاصرة، ج2، ص 1141). وأصل ذلك هو أن الناس متساوون في أصل خلقتهم وفي الحقوق والكرامة الإنسانية والتكليف والمسؤولية وإن تمايزوا بعد ذلك بكسبهم وتقواهم: يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (سورة الحجرات: الآية رقم 13). والموظفون هم جزء من الناس، ولهذا فإن تحقيق المساواة في ما بينهم ليس فقط حقا، بل فرض ينبغي العمل على أن يسود في العمل الوظيفي وإلا حصل إخلال قيمي يؤدي إلى نتائج وخيمة تتمثل بشعور الموظفين بالظلم وفساد المعايير الحاكمة للمؤسسة التي تقوم على التفرقة غير المقبولة في ما بينهم. والمساواة تكون بين المتماثلين، والتفرقة تكون بين المختلفين، فإن «أسوأ أشكال انعدام المساواة هو محاولة المساواة بين الأشياء غير المتساوية»، كما يقول أرسطو. فعلى سبيل المثال لو قلنا بضرورة تحقيق المساواة بين الموظف والموظفة، فإن ذلك معناه أن تتم المساواة في ما بينهما في ما يتماثلان فيه فقط مثل الالتزام بالمواعيد والمكافآت على أداء العمل وضوابط الترقية، لا في ما يختلفان فيه مثل إجازات الوضع ورعاية الطفل والتعيين في الوظائف الشاقة التي قد لا تتحملها المرأة بحكم قدراتها الجسمانية. والأصل في التعامل بين الموظفين أنهم متماثلون في الحقوق والواجبات، فلا يجوز التمييز بينهم على أساس ديني أو عرقي أو طبقي أو على أساس اللون أو الرأي السياسي، أو المذهب أو الطائفة أو الانتماء الوطني. وهذا الأمر لا يتناقض مع ترتيب الوظائف وتقسيمها طالما أن هذا التقسيم يتم وفق معايير موضوعية وعلمية حددت بقواعد عامة مجردة، لا شخصانية يحكمها الهوى وتقررها العصبية بكل أشكالها، دينية وعرقية ومذهبية، وقطرية.. إلخ. وإذا أردنا المصارحة أكثر فإن غالبية الدول الأوروبية المتقدمة قد تفوقت على كثير من الدول العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا تكاد تجد فيها تفرقة تذكر بين موظفيها، ومبدأ «تكافؤ الفرص» هو السائد، والمعيار في تعيين الموظفين وترقيتهم يكاد ينحصر في المؤهل والكفاءة وحدهما. وهذا أمر مؤسف في قوم دين غالبيتهم العظمى هو الإسلام الذي قال نبيه صلى الله عليه وسلم: «الناس بنو آدم وآدم من تراب» (رواه أبو داود والترمذي وحسنه البيهقي). إن عدم تحقيق المساواة في العمل الوظيفي يورث الأحقاد والضغائن ويفسد ذات البين، ويشعل صراعا لا ينتهي بين الموظفين، الأمر الذي يؤدي إلى الفشل المؤسسي الناتج عن التنازع والشقاق، وهو الأمر الذي يمكن تجنبه بالحرص المطلق على تحقيق قيمة المساواة. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي [email protected]